المصدر: المدن
الاثنين 14 شباط 2022 15:11:21
كتب نبيل الخوري في المدن:
باستثناء بعض التحركات التي تقوم بها السفيرة الفرنسية في لبنان، آن غريو، تبدو باريس غائبة هذه الأيام عن خشبة المسرح اللبناني، الذي يشهد عرض واحدة من "أفظع" المسرحيات الدرامية في التاريخ.
المرة الأخيرة التي أطلت فيها باريس، كانت في كانون الأول 2021، حين ساهم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في حل مشكلة الوزير جورج قرداحي، فاتحاً كوّة في جدار الأزمة السعودية-اللبنانية. لا يمكن التقليل من أهمية المحادثة الهاتفية الخاطفة بين ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ورئيس الحكومة اللبناني، نجيب ميقاتي، بواسطة هاتف ماكرون خلال زيارته الأخيرة إلى جدة، مع أنه لا يمكن المبالغة في تقديرها أيضاً. من بعد ذلك، لم يحصل أي تحرك لافت، سوى إعلان وزير الخارجية الفرنسي، جان-إيف لودريان، في 11 كانون الثاني 2022، أن الصندوق الفرنسي-السعودي "لمساعدة اللبنانيين ودعمهم"، الذي تم إطلاقه خلال زيارة ماكرون إلى جدة، "سيترافق غداً أو بعد غد بمساهمة الإمارات العربية المتحدة". وهذا المشروع لم تتوضح معالمه ولم يُتَرجم بالملموس بعد.
ابتعاد عن الأضواء
بيد أن الغياب عن خشبة المسرح لا يعني غياباً عن الكواليس. يمكن للفرنسيين أن يبرروا هذا الغياب بوصفه صمتاً ظرفياً لا بد منه، أو ابتعاداً عن الأضواء الإعلامية والضجيج الإعلامي. وهذا واقع يفرض نفسه في فترة الانتخابات الرئاسية الفرنسية والانتخابات التشريعية اللبنانية. فيكون ماكرون منشغلاً في معركته الانتخابية (مع أنه لم يعلن ترشحه رسمياً حتى الآن). وتكون الدبلوماسية الفرنسية في حالة انتظار لما ستفرزه الانتخابات النيابية اللبنانية من معادلة سياسية جديدة، ما لم يتم تأجيلها. يمكنهم القول أيضاً إن الالتزام الفرنسي بمسألة المساعدات الإنسانية الطارئة مستمر، ولكن من دون نزعة استعراضية وضجة لا لزوم لها.
أولوية ملف أوكرانيا
أما الانشغال الطارئ والأهم، الذي فرض نفسه على جدول أعمال الرئيس الفرنسي، فهو يتعلق بالملف الأوكراني. الوضع خطير إلى درجة أنه تطلّب المبادرة من أجل القيام بمساعٍ حميدة، وربما لاحقاً بوساطة فرنسية بين موسكو وكييف، من أجل تجنّب تحوّل التصعيد والأزمة هناك إلى حرب. سخونة الملف الأوكراني لم تجعل من الأزمة اللبنانية أزمةً منسيّة. لكن خطورة الوضع في شرق أوروبا تتطلب اهتماماً فورياً ومتابعة كثيفة.
الدور لصندوق النقد
ثمة عنصر آخر أتاح لفرنسا أن تتفرّغ قليلاً إلى ملف آخر، كالملف الأوكراني، ومغادرة خشبة المسرح اللبناني، مؤقتاً. يتعلق الأمر بانتقال الملف اللبناني إلى طاولة "صندوق النقد الدولي"، منذ تشكيل الحكومة اللبنانية الحالية. هنا، ستكون فرنسا معنية بأي برنامج إنقاذي يقرّه "صندوق النقد". لكن سبق لها أن حذرت لبنان من أن فشل مسار "سيدر" وتفاقم الانهيار من شأنهما أن يؤديا إلى انتقال الملف اللبناني إلى "صندوق النقد"، وخروجه بالتالي من دائرة التأثير الفرنسي المباشر. يبقى السؤال في معرفة ماذا يمكن لفرنسا أن تفعله في ظل عدم تقدم المحادثات بين "صندوق النقد" والعصابات اللبنانية الحاكمة، وفي ظل احتمال فشلها؟ لا بد أن تكون الإجابة على هذا السؤال قيد الإعداد في كواليس الدبلوماسية الفرنسية...
مفاوضات "النووي".. وترسيم الحدود البحرية
ابتعاد فرنسا عن الأضواء مردّه أيضاً إلى اللعبة الإقليمية التي ستتأثر بنتائج مفاوضات فيينا بشأن الاتفاق النووي مع إيران. لا توقعات حتمية بشأن كيفية انعكاس أي اتفاق جديد على الوضع اللبناني. لكن في حال نتج عنه تفاهمات أميركية-إيرانية، فلن يكون لفرنسا سوى تأثير محدود. هذا أقصى ما يمكن أن تحصده كثمرة لسلوكها المتوازن حيال المسألة اللبنانية، لا سيما منذ تفجير مرفأ بيروت. لعل المثل الأبرز على محدودية الدور الفرنسي وربما هامشيته أيضاً، يتعلق بتطورات مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل برعاية أميركية.
حتى إشعار آخر..
بين المحادثات مع "صندوق النقد" ومفاوضات فيينا، والتواصل السعودي-الإيراني، ومباحثات ترسيم الحدود البحرية.. يتحرك اللاعبون الدوليون بين خشبة المسرح والكواليس. يتبادلون الأدوار. يتقدم أحدهم فينسحب الآخر. لكنهم يتفاوضون في الكواليس. ولا يسرّبون معلومات من شأنها أن تلحق الضرر بالمفاوضات. وهذا يفترض أن حلّ العقدة اللبنانية، الذي تحرص فرنسا على ألا يأتي على حساب لبنان، وعلى حساب دورها ومصالحها فيه، هو حلّ مؤجل حتى إشعار آخر. أي بانتظار ما ستخلص إليه كل تلك العمليات التفاوضية في الكواليس للبناء على الشيء مقتضاه. من هنا السؤال: ماذا يحصل في الكواليس؟