فراس حمدان المحامي وقلبه المصاب بخردق الشبيحة...ماذا يقول عن ساعات الألم؟

كتبت "المدن" في تقرير لها عن "فراس إسماعيل حمدان" احد المصابين في تظاهرات بيروت:

فراس إسماعيل حمدان، ناجٍ من إجرام القوى الأمنية في ساحات بيروت. الخردق الذي يقتل الخنازير والطيور، استعملته عناصر أمنية في وجه المتظاهرين. صنعت منه قنابل متفجرة وألقتها وسط الجموع. لم تكتفِ السلطة بمجزرة المرفأ، أرادت مجزرة أخرى. هي التي تحيا، كمصاصي الدماء، على الدم لا تكتفي. تعيش كالضباع لا تشبع من الجيف والأشلاء. اخترق خردق السلطة وقواها الأمنية جسم فراس ومعه العشرات ممن كانوا حوله. خردَق قفصه الصدري ووصل إلى القلب. ففتح الأطباء صدره واستخرجوا ما أمكن من بقاياه. جزء من أداة الجرم بقي في قلبه. وكذلك ندبات الجراحة، تذكّره وتذكّرنا معه، يومياً وفي كل ساعة بإجرام السلطة. من الصورة، تبدو كما لو أنها جريمة قتل بلا دماء.

ميليمترا الموت

خرج فراس من مستشفى أوتيل ديو الخميس، بعد أن أمضى فيها 5 أيام عصيبة. كان قلبه ينزف: "جرح من أسفل رقبتي وحتى أعلى صرّتي، أنابيب تدخل وأخرى تخرج، وسوائل ممزوجة بالدماء". أوقف الأطباء النزيف الناجم عن الخردق الذي أصاب القلب، إلا أنهم عجزوا عن إزالة خردقة وحيدة منه. لم يستطيعوا فعل أكثر من ذلك خوفاً من أي "تمزّق أو تهشيم إضافي". كان على بعد ساعة أو ميليمترين من الموت، يقول فراس. 

خطر مستمرّ

ولا يزال وضعه المستقرّ إلى الآن، مرهوناً بنوع النثرة الموجودة في القلب. إن "كانت من الحديد فهذا سيمنعني من التعرّض لأي حقل مغناطيسي، لأي صورة رنين مغناطيسي، لأي ماكينة كشف السلاح، وإن كانت من الرصاص فأرحم". أي تحرّك غير جدير بالذكر للخردقة في قلبه، قد تحدث نزيفاً مميتاً، ويضعه في خطر شديد ومستمرّ. بكل بساطة، وضعت العناصر الأمنية حياة فراس في خطر مستمرّ بعد أن كادت تقتله.

أبواب الثكنات

على أبواب الثكنات، كانت اللقاءات الدائمة بفراس. هو من محامي الثورة الأكثر نشاطاً. يخرج من المخافر حاملاً أوراق مدوّن عليها أسماء الموقوفين: "حالتهم جيّدة، منهم من تعرّض للضرب، ومنهم للسحل". والجميع أُهين، أو حاولوا إذلالهم. يُدخل الدواء إليهم، ويطمئن أهاليهم. يعمل مع زملائه المحامين على تخلية سبيلهم. يذكّرهم بالمواد القانونية التي تؤمن لهم حماية مفترضة. حركة دائمة لا تهدأ، وإن فُقد من الميدان يظهر خلف نقيب المحامين ملحم خلف. قد لا يعود إلى ميدان الاحتجاجات وصفوفها الأمامية، والأمر مناطاً بوضعه الصحي.

في الملعب

يلبس فراس كنزته الحمراء. يقوم بالإحماء. تبدأ مباراة كرة القدم فتبدأ حالته العصبية بالتأجّج. يصرخ، يشتم، يندفع وراء الكرة. يلقي بثقل جسمه الضخم على الخصم. ينبطح أرضاً. يسجّل أو لا، يغضب. يشتبك بالكلام مع زملائه وخصومه، لا فرق. لا يهدأ، إن كان هرولة أو كلاماً. يعاتب على تمرير خاطئة، يقاتل على أحقية ركنية أو رمية حرّة. يستفِزّ ويُستفَزّ بسهولة فائقة، في لعبة يومية واعتيادية داخل الملعب وخارجه. ينهي المباراة ولا يتوقف عن الكلام. دائم الحركة والتعبير بشتّى الوسائل. قد لا يعود إلى الملعب مجدداً، والأمر مناطاً بوضعه الصحي.

من المجرم؟

من المسؤول عن جريمة استخدام السلاح الحيّ في وجه المتظاهرين؟ قوى الأمن الداخلي نفت في بيان أن تكون قد أطلقت قنابل الخردق. قيادة الجيش لم تصدر بياناً بعد، إلا أنّ ضبّاطاً يؤكدون أنه ليس بحوزة العسكر سلاحاً مشابهاً. يبقى خيار وحيد: حرس مجلس النواب.

انتشرت صور لشبيحة بثياب مدنية مدجّجين بأسلحة البومب أكشن، وهم يرمون على وجوه المحتجّين وظهورهم. أطلقوا النار، عن قرب وعن مسافات متوسطة. فقأوا الأعين، دمّوا الوجوه، ونثروا سموم خردقهم بين الحشود. قتلٌ بالمباشر على يدّ سفّاحي المنظومة ومرتزقتها. من المجرم؟ سؤال لا تقوى الأجهزة الأمنية على الإجابة عليه، بعد إجراء تحقيق جدّي في الجريمة المتجددة. لكن فراس يعرف المجرم، ومن كانوا حوله يعرفونه أيضاً، والجميع يعرف المجلس وحرسه. هو القاتل نفسه المتجسّد بمسلّح هنا وبلطجي هناك، وبمحاصصة وفساد في مكان ثالث وطائفية في آخر رابع. هو جزء من منظومة القتل التي عُلّقت المشانق لرموزها.

ما العمل؟

إلى المستشفى حضرت عناصر من قوى الأمن الداخلي ودوّنت إفادة فراس. إجراء اعتيادي، وعلى ما يبدو لن يأتي بنتيجة. إلا أنّ فراس سيتقدّم بشكوى للنيابة العامة، مدعوماً من نقابة المحامين. وعدا الشكوى، لا عمل سوى استكمال المعركة في وجه منظومة القتلة والفاسدين. هذا ما عبّر عنه فراس في منشور له على فايسبوك. كتب قائلاً: "فوق كل شيء من وجع، صراخ، تعب وألم وفوق كل هذا الجرح، لا شيء سيوقفنا يا قتلة، لا شيء سيحبط من عزيمتنا يا شبيحة، يا سفلة، يا عهرة، يا عرصات، لا شيء سيخيفنا منكم، يا أجبن الخلق وأنجس البشر".

فراس إسماعيل حمدان، ناشط ومحامٍ وصديق، وقبل كل هذا مواطن لبناني ذاق طعم القتل في شوارع بيروت. مصرّ على استكمال المواجهة حتى النفس الأخير، رغم جرحه وإصابته، ورغم كل التشبيح. "سننفجر بوجهكم، كتفجير المرفأ الذي انفجر بوجهنا، سنكون نيترات الأمونيوم الذي سيقطعكم إرباً، كما فعلتم بأصدقائنا وأحبابنا، سنهدّم بيوتكم كما تهدمت بيوت الأشرفية، الجميزة ومار مخايل"، كتب فراس في منشوره.

فكما أمام المخافر وفي ملعب كرة القدم، وفي ساحات الاحتجاج، بعد الإصابة وقبلها، فراس مستمرّ هو هو قلب هائل ينبض. وكذلك آلاف اللبنانيين، قبل التفجير وبعده، قبل القمع وبعده، قبل الاستقالات وبعدها.