فلتُطرح القضايا الخلافية بجرأة

انتهت المرحلة الأولى من المسعى الأميركي لإنهاء الحرب في لبنان بين "حزب الله" وإسرائيل، والذي يقوده الموفد الرئاسي آموس هوكشتاين، بتحقيق بعض التقدم كما صرّح. لكن التقدم ليس كافيا لإنهاء الحرب التي يسعى الطرف الأضعف فيها، أي الحزب المذكور، بكل ما أوتي من قوة تفاوضية إلى إيقافها اليوم قبل الغد. 

فإذا استثنينا بعض الإطلاقات الصاروخية الفعالة على إسرائيل، فإن أخبار الميدان في جنوب لبنان ليست جيدة. الجيش الإسرائيلي يواصل التقدم ببطء، تزامنا مع استشراس مقاتلي "حزب الله" لمنعه من التقدم نحو تخوم مدينة صور على البحر الأبيض المتوسط. ومن المهم بالنسبة إلى الحزب المذكور أن تقترن إطلاقاته الصاروخية على تل أبيب وحيفا بنتائج ملموسة على الأرض تؤكد سرديته أن الميدان لمصلحته. لكن في كل يوم تتقدم القوات الإسرائيلية من الحافة الأمامية إلى خط الدفاع الثاني الذي يراوح عمقه بين ٥ و١٠ كيلومترات تقريبا. 

أكثر من ذلك، فإن مغادرة الموفد الرئاسي الأميركي بيروت تعيد تفعيل الضربات الإسرائيلية للضاحية الجنوبية، فيما تتواصل عملية التدمير المنهجي لعدد كبير من القرى والبلدات وأحياء المدن، مثل صور والنبطية وبعلبك. وإذا لم تفضِ مساعي هوكشتاين إلى وقف للنار فنكون قادمين على جولة عنف كبير في انتظار أن ينجح أحد الطرفين في تحقيق مكاسب ميدانية. وبعدها يمكن التفكير في حل نقاط الخلاف الرئيسية بين إسرائيل و"حزب الله". وقد يصبح المرفوض اليوم، مقبولا غدا، ومطلوبا بعد غد.

من هنا، ومهما صار، فإن عناصر الاتفاق وأطره باتت معروفة. إنما قد يتغير الأمر تبعا لتطور الوضع الميداني بين الطرفين. لكن من الواضح حتى الآن أن "حزب الله" يعاني ضائقة كبيرة، تدفعه ومن خلفه إيران إلى استعجال إيقاف الحرب لالتقاط أنفاسه ومن ثم محاولة استغلال الهدنة لإعادة بناء نفسه كما كان في السابق. والسؤال: هل يسهل الإسرائيلي عليه مهمة إعادة بناء نفسه في الوقت الذي يتمتع هو بتفوق عسكري لا لبس فيه، توازيا مع افتقار "حزب الله" إلى أي مظهر من مظاهر التعاطف معه عربيا ودوليا؟

لا ننسى افتقار الحزب إياه إلى حاضنة لبنانية مؤيدة من خارج حاضنته الطائفية. هذا الواقع الصعب لا يمنح الحزب هوامش حركة، ولا يسهل عليه مهمة المحافظة على المكاسب التي راكمها داخليا بسبب استخدامه فائض القوة في السياسية اللبنانية الداخلية. فمن الاغتيالات، إلى الغزوات، فالترهيب والترغيب، تمكن "حزب الله" من تحقيق السيطرة شبه التامة على المستوى الداخلي. لكن التطورات الأخيرة قلبت الموازين وغيرت المعادلة، حتى لو بقي الحزب محتفظا بسلاحه للداخل، فإن أوجه الاستخدام ستكون محدودة في وقت ينتظر العالم أن تقترف الأحزاب مزيدا من الأخطاء لاستكمال تدميره. لذا، لا بد للقوى السياسية اللبنانية أن تضع في حسبانها أن القضايا الخلافية الجوهرية مع الحزب المذكور يجب أن توضع على الطاولة لبتّها.

من المهم أن يتحلى اللبنانيون بالشجاعة الكافية لوضع النقاط على الحروف، ومخاطبة الحزب بجرأة وصراحة لإنهاء ظاهرة شاذة طالت كثيرا: السلاح غير الشرعي!