المصدر: وكالة الأنباء المركزية
الكاتب: جوانا فرحات
الثلاثاء 30 كانون الثاني 2024 17:13:04
لا يبدو أن الحذر والترقب الذي يسكن عشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في لبنان خشية أن يشملهم قرار وقف تمويل "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" –"الأونروا" مبرراً. فالمؤكد أن القرار ستقتصر مفاعيله على قطاع غزة حصراً، حتى أنه لم ولن يتمدد إلى كل مناطق عمل الوكالة، وهي الأردن والضفة الغربية ولبنان وسوريا.
في الأساس ليست المرة الأولى التي تعيش فيها "الأونروا" نكبة مماثلة. ففي العام 2018 قرر الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب وقف مساهمة بلاده في التمويل، وكانت تقدّر بحوالى 350 مليون دولار سنوياً، وهي أكبر مساهمة من دولة في التمويل. وعليه عمدت باقي الدول الأوروبية الى المساهمة في مساعدة الوكالة بنسبة 40 في المئة من الميزانية المقررة.
وقبل أن تخترق الصرخات المنددة بهذا القرار أروقة دول الشتات والأمم المتحدة، وحتى لا تُفهم الخطوة -كما هذه المرة- بأنها مقدمة لتصفية القضية الفلسطينية وتوطين الفلسطينيين في لبنان ودول الشتات، عمدت دول عربية وفي مقدمها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية والكويت إلى سداد المبالغ التي حرمت منها وكالة "الأونروا" بالقدر الممكن. وبعد انتخاب الرئيس الحالي جو بايدن ودخوله البيت الأبيض تم تعديل القرار إلى أن دقت ساعة إيقافه حالياً.
وإذا كان قرار ترامب في الـ2018 ومعه عدد من الدول الغربية حينذاك، يتوقف على الأسباب المادية وأخرى تتعلق بكيفية صرف المبالغ التي تمنحها واشنطن والدول كمساهمة مالية لوكالة "الأونروا" إلا أن الحجة هذه المرة تمس بالأمن القومي وذلك إثر اتهامات وجهتها إسرائيل لبعض موظفي الوكالة التابعة للأمم المتحدة بمساعدة حماس في غزوة 7 تشرين الأول الماضي. ولم يتضح حتى الساعة ما إذا كان تم التحقق من التهمة الموجهة إلى موظفي الوكالة والتي أدت إلى اتخاذ الولايات المتحدة وتبعها عدد من الدول الغربية القرار.
مصادر متابعة أوضحت لـ"المركزية" أن القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة الأميركية يرتكز على معلومات موثقة أبرزتها إسرائيل، تفيد بأن هناك 80 شخصاً يعملون في وكالة"الأونروا" ساعدوا حماس في الغزوة التي شنتها عناصر تابعة للحركة في 7 تشرين الأول 2023. ومعلوم أن حماس مصنفة كحركة إرهابية وإسرائيل بالنسبة إلى أميركا والدول الغربية كافة هي دولة ذات سيادة. ولو لم يتم التأكد من هذه المعلومات لما حصل هذا الإجماع من قبل الدول على القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة، ولحقت بها كل من كندا وأستراليا وعدد من الدول الغربية المتعاطفة أصلاً مع القضية الفلسطينية". وتلفت المصادر إلى أن هذا الإجماع يشكل سابقة مما يؤكد أن القضية قانونية وأممية وليست ذات خلفيات وأهداف إنسانية.
في حال طالت شظايا وقف تمويل "الأونروا" وبالتالي دخول اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في لبنان دوامة العوز فالمؤكد أن الدعم سيصلهم من الدول العربية والخليج كما حصل في العام 2018 وهذه المرة بشكل أسرع لأن البلد الذي يستقبل 200 ألف لاجئ فلسطيني منهك إقتصاديا ولا تنقصه أزمات في ظل الضغط الذي تتكبده الدولة نتيجة وجود حوالى مليون ونصف نازح سوري.
ثمة من ذهب إلى أبعد من المخاطر الإقتصادية والأعباء التي سيتأثر بها لبنان إقتصاديا وإجتماعيا واعتبر أن هذا القرار سيُشرّع الباب واسعاً أمام تصفية القضية الفلسطينية وتوطين الفلسطينيين في دول اللجوء."هذا الحديث في السياسة وليس في الواقع. وإذا أردنا أن نكون أكثر واقعية فالدولة اللبنانية التي تقول بأن هناك 200 ألف لاجئ فلسطيني يستفيدون من الخدمات التي تقدمها "الأونروا" هي التي تشرع باب توطين اللاجئين الفلسطينيين لأنها تقول بطريقة غير مباشرة أن لا مشكلة إذا تم دمجهم مع افراد المجتمع اللبناني .
حتى الآن اللاجئون الفلسطينيون في لبنان في منأى عن قرار وقف تمويل "الأونروا" من قبل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وعدد من الدول الغربية وكذلك في سوريا والأردن. وحدهم فلسطينيو غزة والضفة والجليل والقدس سيدفعون الضريبة على أرضهم كونهم يحملون صفة لاجئ. وللعلم فإن خدمات "الأونروا" تراجعت بشكل كبير في الأعوام الأخيرة وباتت تقتصر على الاستشفاء والتعليم، بعدما كانت تشمل أيضا الغذاء.ومع اتخاذ قرار وقف تمويلها من قبل الدول الأكثر مساهمة فهذا مؤشر ليس لتوطين اللاجئين الفلسطينيين الذي قد يحصل بقرار مماثل أو من دونه، إنما مقدمة لإنهاء عمل الوكالة في لبنان وباقي دول الشتات واستبدالها بمنظمات دولية تعمل تحت إشراف الأمم المتحدة وتقدم الخدمات للاجئين الفلسطينيين.
أما في غزة حيث بدأ العمل بالقرار، فالمرجح أن تنتقل مهام وكالة "الأونروا" إلى السلطة التي ستتولى الحكم في غزة بعد انتهاء الحرب. وبوقف تمويل الوكالة في القطاع وكف يدها بعد شيطنة حوالى 80 موظفا فيها واتهامهم بجرم المساعدة في غزوة 7 تشرين الأول هذا يعني أن ورقة اليوم الأول من روزنامة ما بعد حرب غزة قد طُبعت بقرار أممي.