المصدر: وكالة الأنباء المركزية
الكاتب: يولا هاشم
الاثنين 12 آب 2024 14:48:43
في خطوة غير مسبوقة منذ بدء الحرب الروسية – الاوكرانية، قلبت كييف الادوار، وتوغلت داخل روسيا وغيرت خريطة المعارك في محاولة لفرض واقع جديد "الارض مقابل الارض"، وحولت روسيا من محور الهجوم الى الدفاع. فبعد أشهر من التراجع على الجبهة الشرقية، أطلقت كييف عملية واسعة النطاق غير مسبوقة الثلاثاء الماضي في منطقة كورسك الحدودية الروسية، سمحت لقواتها بالتوغل، حتى عمق خمسة عشر كلم على الأقل والسيطرة على مواقع عدة، ورفعت العلم الأوكراني في بلدة سودزا الحدودية، وهي المرة الأولى التي تغزو فيها قوات أجنبية أراضي موسكو منذ الحرب العالمية الثانية، ما يفتح الباب أمام احتمالات أن تكون الهجمات بداية لتحولات أكبر في طبيعة النزاع. فهل تنتهي حرب أوكرانيا بعد هذا "التحول الجذري"؟
المحلل السياسي الدكتور خالد العزي يؤكد لـ"المركزية" ان الهجوم الاوكراني المباغت على روسيا يدل على الاخفاق المخابراتي الروسي في عدم تحديد وتقييم القدرات الاوكرانية. ففي حين كانت روسيا تحتل القرى الاوكرانية، وتحصر انتصاراتها منذ بداية احتلال اوكرانيا حتى اليوم بالتقدم امتارا، كان الاوكران يجهزون ألوية سرية للتقدم باتجاه كورسك، استطاعت خلال 3 ايام احتلال 11 قرية، بمساحة اكبر من اي محافظة تحاول ان تحتلها روسيا في اوكرانيا. وهذا يدل على عدم الاهتمام بالمناطق الخلفية".
ويشير العزي الى ان الجيش الاوكراني نقل المعركة من داخل اوكرانيا الى الحدود الخارجية، وتوغل داخل روسيا كيلومترات في خط الطول، وقطع خطَوط دفاع حدودية كانت روسيا عملت على تحصينها في وقت سابق، معتبرة ان هذه الخطوط لا يمكن ان يجتازها اي هجوم بري من اوكرانيا. لكن وصول الجيش الاوكراني الى مدينة سوتشي مصب وتجميع الغاز الذي ينطلق الى اوروبا يعتبر نقطة مميزة، يُظهر ان كورسك غير مغطاة عسكرياً.
لكن كيف خطط الاوكران ونجحوا في نقل المعركة الى الداخل الروسي، وكيف اعتبروا ان هذه المدينة الحدودية غير محصنة وخالية من الدفاعات؟ يجيب العزي: "بواسطة القدرات الاستخباراتية الاوكرانية الكبيرة وجمع المعلومات الميدانية او بواسطة الدرون التي قامت بعمليات دقيقة جدا وحققت اهدافاً في الداخل الروسي وفي الاراضي المحتلة. وأيضاً على ما يبدو، من خلال خطة جديدة بمساعدة حلف شمالي الاطلسي، وقد تكون هذه المعلومات بإشارات من "الناتو" خاصة بعد دخول سلاح متطور ونوعي الى اوكرانيا.
ويعتبر العزي ان الجيش الاوكراني يمارس تكتيكا جديدا، نقل المعارك الى الخارج، وهذا يتطلب استنزافا للجيش الروسي، لأنه يستوجب على روسيا إفراغ قواتها من داخل المناطق التي تعتبرها مناطق قتال على الجبهة في زباروجيا ولوغانسك ودونيتسك، لتحصين حدودها مع اوكرانيا، والدفاع عن اراضيها والمحافظة عليها".
لكن يبقى السؤال: هل سيحصن الجيش الاوكراني المناطق التي احتلها في سوتشي والمدن الصغرى الاخرى ام انها عملية لاعتبارات ان الخرق الامني وارد والجيش الروسي لا يمكن ان يحمي مناطقه. القرار لدى وزارة الاستخبارات وقيادة الاركان لأن العملية لا تزال مستمرة. البقاء في سوتشي يعني السيطرة على مضخة الغاز التي تضخ الى اوروبا، وتجني منها روسيا أرباحاً بالدولار الاميركي تساعدها في تمويل حربها، وبالتالي هذا سينعكس على مصير الحرب. وقد تتوجه اوكرانيا نحو بلغراد كمرحلة ثانية".
ويعتبر العزي ان اوكرانيا دخلت في هذه المعركة نتيجة حصولها على سلاح كبير يستطيع ضرب العمق الروسي وتغيير الخارطة الجغرافية لطبيعة الصراع، مدعوماً من الناتو الذي قرر الا تسقط اوكرانيا نهائيا وان يفتح باب التفاوض على قاعدة الانسحابات حتى حدود 1991، اضافة الى ان طائرات الـF16 وصلت الى اوكرانيا وروسيا تخاف من استخدامها لأن المنطقة التي بات يتواجد فيها هذا الطيران، اصبحت محمية بدفاعات جوية اوروبية وهذا يصعب عملية اختراق السماء الاوكرانية".
وعن أهمية هذه العملية، يجيب العزي: "منذ فترة تمت الدعوة الى اتفاقية سلام شاملة عبر منصة سويسرا التي حددت مسودة للاتفاقات التي يمكن ان تنهي الحرب الروسية – الاوكرانية، لكن روسيا حاولت ان تتملص من هذه المنصة بالهجوم على المجتمِعين، وفتحت قنوات اخرى مع الصين والبرازيل وطرحت منصة جديدة من اجل اضعاف منصة سويسرا، إلا ان اوكرانيا اصرّت مرة جديدة على الدعوة الى منصة او مؤتمر ثانٍ للسلام العالمي بمشاركة الصين وروسيا، ووفقا لهذا التوجه ذهب وزير الخارجية الاوكراني الى الصين وعرض خطته الشهر الماضي".
ويؤكد ان "هذا الهجوم سيعزز قدرات اوكرانيا في التفاوض وفقاً للمثل القائل، "شبرك بمتر ومتري بألف متر". وإذا استطاعت الصمود ستفاوض روسيا على إخراجها من كل المناطق التي احتلتها، باعتبار انها أخفقت ولم تستطع المحافظة على سيادتها الاقليمية"، لافتا الى ان "المعركة تتجه نحو منعطف مختلف، وروسيا تريد فتح باب الحوار، لكن على ما يبدو لم تعد تتمكن من فرض شروطها كما في العام 2022 عند دخولها الى اوكرانيا. اليوم أصبحت الشروط اخف وغدا ستخف أكثر، ولربما دفع "الناتو" بأوكرانيا الى طرح شرط واحد، ضمان الانسحابات وحماية المدينة وحماية سكان لوغانسك ودونيتسك وزباروجيا التي تتخوف منها روسيا".
ويختم العزي: "مرة سئل قائد هيئة الأركان الأوكراني أولكسندر سيرسكي عما يريده، فأجاب "تحرير القرم". يومها سخر الكثيرون من تصريحه. اليوم امام الوصول الى كورسك قد يكون هذا الكلام صحيحا، لكنه يعتمد بالدرجة الاولى على مصداقية الدعم الغربي لاوكرانيا. فقد تبين ان قدرات الجيش الاوكراني عالية لكن تجهيزاتهم مرتبطة بالغرب ومزاجه".