لا عودة إلى ما قبل ٨ أكتوبر ٢٠٢٣

التفاوض تحت النار مستمر. هدف "حزب الله" وحليفه الرئيس نبيه بري إيقاف عقارب الزمن عند تاريخ الثامن من تشرين الأول ٢٠٢٣، أي أن يحاول "الثنائي الشيعي" العودة إلى الوضع الذي كان سائداً قبل أن يتورط "حزب الله" في مغامرة "حرب الإسناد" المشؤومة. ويجتهد الرئيس نبيه بري بكل ما أوتي من قدرة ودهاء من أجل الالتفاف على نص القرار ١٧٠١، وتفسيره على ذوقه ووفق مصالح الثنائي وخلفهما إيران بما يتيح وقفاً فورياً لإطلاق النار، ومنح "حزب الله" فسحة من أجل التقاط أنفاسه قليلاً، ثم بعد ثبات الهدنة ومعادلة القرار ١٧٠١ المفرغة من مضمونها الفعلي المراهنة على الوقت لإعادة بناء القوة العسكرية للحزب بعدما دُمّر منها جزء كبير. 

رهان الثنائي الشيعي هو على الهدنة المحميّة بالقرار ١٧٠١ من دون أن يقترن بإجراءات الرقابة والتحقق المطلوبة. هذا من شأنه أن يسهّل إعادة بناء قدرات عسكرية في الجنوب اللبناني بشكل مشابه لما حصل بعد حرب ٢٠٠٦. وفي السياق نفسه يهم إيران كثيراً أن تكسب الوقت لإعطاء ترميم حزبها في لبنان، بتمويله، وتمويل إعادة إعمار جزء من الجنوب والبقاع للحفاظ على ولاء البيئة الحاضنة، ثم تأمين طرق الإمداد للسلاح والأصول العسكرية في مرحلة لاحقة. 

بالمختصر المفيد، يسعى "الثنائي الشيعي" إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من المعادلة التي كانت سائدة قبل ٨ أكتوبر ٢٠٢٣، وإلى تأمين اتفاق بثغرات كبيرة كافية لكي يتحرك من خلالها "حزب الله" للعودة إلى جنوبي الليطاني، وإبقاء سطوته على المعادلة السياسية اللبنانية بكل الطرق منعاً لطرح إشكالية شرعية سلاحه الذي سقط في هذه الحرب. ومن هنا فإن المفاوضات ستكون صعبة، والرئيس نبيه بري واهم إن اعتقد أنه سيتمكن من التذاكي على المجتمع الدولي. 

أكثر من ذلك، لا بد من أن يعي "الثنائي الشيعي" أن سلاح "حزب الله" سيواجه برفض لبناني داخلي عارم. وما كان مقبولاً قبل هذه الكارثة التي استدعاها تهوّر قيادته، ودعم جمهوره، وتواطؤ قوى سياسية عدة معروفة أمّنت له الغطاء وسلاسة السيطرة على لبنان الدولة والمؤسسات والأرض لم يعد مقبولاً. فالحزب المذكور مرفوض من قبل كل المكونات اللبنانية بما فيها تلك الصامتة على مضض، أو المتواطئة لمصالح. ومن يتابع مجرى التفاوض الذي يحتكره الرئيس نبيه بري اليوم، وانكفاء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن الخوض فيها، قد يظن أن ميقاتي يسهّل الأمر على بري وعلى "حزب الله". 

لكن الواقع أن ميقاتي قفز من المركب الغارق، ويستعجل طيّ صفحة التحالف الوثيق مع "حزب الله"، لكنه ينتظر حُكم الميدان. وحكم الميدان على الرغم من كل الدعاية التي يضخها "حزب الله" ليست في صالحه. ومن هنا وحسب قراءتنا لا يريد ميقاتي أن يتورط في التفاوض لصالح تفخيخ القرار ١٧٠١، والظهور بمظهر الواجهة الرسمية للحزب. فهو يدرك أن المطروح لن يقتصر على القرار ١٧٠١، بل إن القرارين ١٥٥٩ و١٦٨٠ متلازمان معاً ومعه. 
بناءً على ما تقدم لا بدّ من أن يدرك "الثنائي الشيعي" أن لا عودة إلى ما قبل ٨ أكتوبر ٢٠٢٣.