المصدر: اللواء
الكاتب: خالد حمادة
الثلاثاء 5 آب 2025 08:17:48
بدا من اللحظة الأولى للإعلان عن مناقشة مسألة السلاح في مجلس الوزراء أنً مرحلة جديدة من التسويف ومن العبث السياسي والمغامرة بإستقرار لبنان يجري التحضير لها من خلال إحالة الموضوع الى المجلس الأعلى للدفاع وإيجاد نوع من الإلتباس حيال الجهة المخوّلة بوضع جدول زمني لتسليم السلاح. لكن كما أصبح معروفاً فإنّ حسابات الحقل اللبناني لم تتفق مع حسابات البيدر الأميركي، لا سيما بعد أن تسلّم المسؤولون اللبنانيون من السفارة الأميركية النص النهائي لورقة المقترحات وبشكل أدق الخطوات الواجب على لبنان تنفيذها بما يقطع الطريق على أي اجتهاد لبناني يتيحه قانون الدفاع الوطني في التعامل مع ما تتخذه الحكومة من قرارات.
الورقة الأميركية التي ستعرض على مجلس الوزراء اليوم ليست موضع نقاش أو تعديل، وتراتبية المقترحات التي تبدأ من تسليم سلاح حزب الله من السلاح الثقيل إلى المسيّرات ثم السلاح الخفيف، يليها ترسيم الحدود مع سوريا ومع إسرائيل كمقدمة لإنسحاب اسرائيل من النقاط التي تحتلها وإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين والشروع بإعادة الإعمار، تلاقي بل تستبق كل ما يمكن أن يسوّقه حزب الله وما تبقى لديه من حلفاء من مسوّغات يمكن ربطها بالسلاح، وضرورات الإبقاء عليه.
لا يمكن للحكومة اللبنانية رفض ترسيم الحدود مع إسرائيل أو سوريا تحت أية ذريعة، فترسيم الحدود مع إسرائيل سيضع ملف النقاط المتنازع عليها في عهدة الأمم المتحدة أو أي جهة دولية أخرى تحظى بقبول لبنان وإسرائيل بالإضافة الى تحديد حصة لبنان من مياه الوزاني وفقاً للقانون الدولي، كما أن ترسيم الحدود مع سوريا سينهي الإلتباس القائم حول هوية مزارع شبعا وسيتيح للبنان تقديم ما لديه من وثائق بالإضافة الى الوثائق الفرنسية لإثبات لبنانيتها مما سيحسم مسألة الإنسحاب منها وفقاً لأحد القرارين الدوليين 242 أو 425 وينهي الذرائع التي تمّ إنتاجها منذ الإنسحاب الإسرائيلي عام 2000. ويبقى التحدي الأكبر الذي يتيحه ترسيم الحدود مع سوريا هو إسقاط الذرائع حيال ما يتم تسويقه من دور للحكم الجديد في سوريا بقيادة تهديدات عابرة للحدود تقوم بها مجموعات متطرفة نحو الداخل اللبناني.
تشكّل جلسة اليوم وما ستؤول إليه من قرارات اختباراً ليس للحكومة بشكل عام ولكل من القوى السياسية الممثّلة بها في آن بل لرئاسة الجمهورية قبل كل ذلك. لقد أشارت المادة 65 من الدستور الى اعتبار الإتّفاقات والمعاهدات الدولية والحرب والسلم وإعلان التعبئة العامة من المواضيع الأساسية التي تحتاج الى موافقة ثلثيّ عدد أعضاء الحكومة المحدّد في مرسوم تشكيلها. فأمام ضيق المناورة الذي تفرضه دقة الموقفين الإقليمي والدولي، لا مناص للحكومة من التجاوب مع القرار الدولي تحت طائلة فقدان مبرر وجودها. إنّ المسألة ليست في البحث عن توافق داخلي مؤقت يصدّر للخارج بل في الإنسياب المسؤول مع المشهد الدولي لحماية لبنان، علماً أنَ ما ستتخذه الحكومة من الإجراءات سيبقى تحت مجهر الرقابة الدولية. وبهذا المعنى فإن الحكومة ذاهبة الى الخروج بجدول زمني لتطبيق القرار الدولي - ربما ليس في جلسة اليوم - أو إلى مواجهة تداعيات الفشل في ذلك سواء على المستوى الأمني أو على مستوى الإنقسام بين مكوناتها.
وفي سياقٍ موازٍ لقد درج حزب الله منذ العام 2006 على اعتبار مسألة تسليم السلاح منازلة بين إيران وواشنطن لا يملك الحزب قرار الإعتراف بخسارتها، وهي في الوقت عينه منازلة داخلية غير قابلة للنقاش بالرغم من الخطاب السياسي الإستيعابي الذي اعتادت سائر القوى السياسية تقديمه، ومناورة الخروج من المأزق كانت دائماً عبر استعراضات القوة على امتداد أكثر من عشرين عاماً. فهل ينجح حزب الله مجدداً في إنتاج الظروف التي واكبت تمسّكه بالسلاح؟
قد يبدو للوهلة الأولى أن التشابه قائم بين المشهد اللبناني الآنف الذكر والمشهد الحالي لجهة التردد الحكومي في تطبيق القرار 1701 فيما يتعلق بالسلاح، هذا وقد حاول الحزب الإستفادة من الإشتباكات الطائفية التي حصلت في الجنوب السوري لاستنساخ مشهدية لــ»نهر بارد» على الحدود مع سوريا وإنضاج مسوّغات الإبقاء على سلاحة لمواجهة ما أسماه حرباً وجودية تخاض على شيعة لبنان. وقد أضاف الحزب على ذلك التلويح بتعطيل الحياة العامة عبر الدعوة الى تجمعات شعبية في الطرقات لفرض واقع ضاغط على الحكومة لاستعادة ظروف 2008- 2006.
قد لا تنجح الحكومة اليوم في اتّخاذ ما عليها من قرارات، لكنها تعلم كما يعلم الحزب أن تداعيات الحرب الأميركية الإسرائيلية على إيران التي تستمر فصولاً وقبلها إسقاط النظام في سوريا يؤكدان أنّ عناصر الإفتراق بين المشهدين عميقة جداً، وأن محاولة العودة إلى زمن مضى دونها أثمان باهظة قد تتجاوز استلام السلاح إلى إحداث تغييرات في المرتكزات الإجتماعية والثقافية لبيئته الحاضنة.