المصدر: وكالة الأنباء المركزية
الخميس 21 آذار 2024 13:45:56
على الرغم من ورود معلومات جِديَّة عن نيَّة "مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" (MENA FATF) تصنيف لبنان على قائمتها "الرماديّة" للدوَل الخاضِعة لـ"رقابة خاصّة" في أيار 2023، أبقى تقرير المجموعة الصادر في كانون الأول من العام نفسه تصنيف لبنان عند "قَيد المراجعة" ولَحَظَ وجود مخاطر أنشطة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب يمكن أن تؤدي الى إدراج البلاد على "اللائحة الرمادية" عند مراجعة التقرير في أيار من العام الحالي.
قد يعود ذلك إلى قرار بإعطاء لبنان فترة سماح نظراً إلى الظروف الحَرِجة التي يمرّ بها، إذ اعتُبِرَ لبنان في 34 من أصل 40 توصية "ملتزماً" أو "ملتزم جزئياً" فيما اعتُبِر "مُلتزماً جزئياً" في 6 توصيات فقط. هذا ما يؤكده الكاتب والباحث في الشؤون المالية والاقتصادية البروفسور مارون خاطر كاشفاً لـ "المركزية" أن "فترة السَّماح شارَفت على الانتهاء مع اقتراب موعد مراجعة التّقرير، ويقول: نخشى أن يكون هناك توجّه لوضع لبنان على "اللائحة الرَّمادية بسبب عدم اتخاذ لبنان لأي خطوات فعليَّة، بالنسبة إلى العمليات التي أشار إليها التقرير الأخير والتي تَحصل خارج المصارف وعَبر شركات ومؤسسات خدمات ماليّة غير مُرخَّصة.
في هذا السياق يرى خاطر، أنه "لا بدّ من أن يكون للمجموعة شكوك حول فعالية عمل "هئية التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان" في فترة ما بعد الانهيار التي طغت عليها حركة خروج الأموال بالتزامن مع حاجة المصارف للسيولة مما انعكس تخفيفاً للرقابة".
ويشير البروفسور خاطر إلى أن "الهيئة أُنشئت إثر تصنيف لبنان رمادياً في العام 2000، وساهمت في شَطبه عن اللائحة الرّمادية في العام 2003". إلا أنه يرى أن "خطر تصنيف لبنان على اللائحة الرمادية لا يعود بالفعل إلى عدم التزام المصارف، بل إلى فقدان الثقة بالقطاع المَصرفي وتَحَوُّل الاقتصاد نقدياً بالإضافة إلى عدم ضبط الحدود وغياب مؤسسات الدولة الرقابيَّة".
وفي إطار مُتَّصِل، يُشدّد على أن "أخطر ما يَحصل هو استِبدال المصارف بشركات تحويل الأموال المرخَّصة وغير المرخَّصة وإلى تداول النقد من دون وسيط". استطراداً، يُشير إلى "التّقرير الأخير للبنك الدولي الذي يلحظ أن الاقتصاد النقدي يشكّل قُرابة نصف الناتج المَحلي للبنان وهو اقتصاد يُثير الشُّبهات بسبب صعوبة تَتَبُّع حركة الأموال إن كان لناحية مصادرها أو استعمالاتها".
وليس بعيداً، يؤكّد خاطر أن "لدى لبنان ما يَكفي من القوانين لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، لكن البلد يغرق في أزماته، وعدالته مُغيَّبة وتتفاقم فيه المعاناة على مستوى مؤسسات الدولة وأجهزتها الرقابيّة". وبناءً على ما تقدَم يستنتج خاطر أن "لبنان غير قادر فعلياً بمؤسساته المتحلِلة، وافتقاده إلى مركز القرار، وتنامي "الاقتصاد النقدي"، على القيام بأي خطوة إلى الأمام تُبعِد عنه شبح "التصنيف الرمادي" في المستقبل، إلا إذا قرّرت المجموعة تمديد فترة السماح.
وأوضح أن "وضع بلد على القائمة الرمادية للدول يُخضعه لمتابعة مُشدَّدَة ويُلزمه العمل مع "مجموعة العمل المالي" لمعالجة أوجه القصور في أنظمة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسَلُّح، ويَتعهَّد باتباع خطة العمل المُحدّدة للوفاء بمعالجة أوجه القصور المحددة في التوصيات. أما اللائحة السوداء فتُدرج عليها الدول التي لديها أوجه قصور استراتيجية في نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح. ولفت إلى أن "مجموعة العمل المالي" تدعو جميع الدول الأعضاء إلى اتخاذ تدابير مضادة بحق هذه البلدان، كما أشار إلى أن "عدم التزام بلد مصنَّف على "اللائحة الرمادية" قد يؤدي إلى تصنيفه على اللائحة السوداء".
في سياق مُتَّصل، يعتبر خاطر أن التَّصنيف على "اللائحة الرماديّة" لَه قيمة معنويّة أكثر منها إجرائيّة، لأن هذا التّصنيف لا يعني فَرض عقوبات على النظام المصرفي للبلد المَعني أو منع التّحويلات الماليّة عَبره، بل يَنتج عنه تَشَدّد المصارف المُراسِلة لجهة إتمام التّحويلات الداخلة والخارجة، كما تتأثر سُمعة البلد وبالتالي قدرته على استقطاب الاستثمارات وهي غير الموجودة أصلاً في لبنان حالياً. إلا أن خاطر عاد وأردَفَ قائلاً: المصارف المراسِلة تعرف الوضع اللبناني جيداً، وتشددها في تعاملها مع المصارف اللبنانية قد يكون مُخففاً بسبب معرفتها الوثيقة بالتطورات السياسية والاقتصادية الجارية على الساحة اللبنانية منذ 5 سنوات إلى اليوم، وبسبب تَدَنّي حجم العمليات التي تَمرّ عبر المصارف كنتيجة لِتنامي الاقتصاد النّقدي. وفي مُطلق الأحوال، لبنان بحاجة إلى حلول وليس إلى المزيد من المشكلات.
ورداً على سؤال، نَبَّه البروفسور خاطر إلى أنَّ "خطورة أن تَمُرّ هذه الفترة دونَ إحداث أي خَرق إيجابي مما يزيد خَطَر تَخفيض تَصنيف لُبنان أو فَرض عقوبات سياسية تتَّخِذُ أشكالاً مالية، عِندَهَا يُصبح الوضع أصعَب خُصوصاً أنَّ البَلَد يَعيش اليوم على التحويلات الخارجيَّة.
بالإضافة إلى كل ما تَقَدَّم، يرى أن "خطورة وَضع لبنان على "اللائحة الرَماديّة"، إنما تكمن في عدم قُدرته على الالتزام بالإجراءات المَطلوبة مما يؤدي إلى مزيد من الضغوط عليه. أما بالنسبة إلى التصنيف على "اللائحة السوداء" فيستبعد خاطر ذلك، معتبراً أن "هكذا خطوة تصبّ في صالح الاقتصاد النقدي الذي يُساهم في إخفاء التدفّقات المالية غير المشروعة".
في الختام، يُركّز خاطر على "ضرورة ربط القرار المُرتقَب لـ"مجموعة العمل المالي" بِمَوقف صندوق النّقد الدولي من تطوّر الوضع الاقتصادي في لبنان وبنتائج زيارة وفد وزارة الخزانة الأميركية الذي شدّد على ضرورة فرض المزيد من الضوابط والقيام بإعادة هيكلة القطاع المصرفي والحفاظ على الانتظام المالي والحركة المالية بالحدّ الأدنى".