المصدر: الراي الكويتية
الخميس 8 آب 2024 08:43:01
هل قَطَعَ جميعُ اللاعبين بـ «نار غزة» في المنطقة حَبْلَ العودة من على حافة حربٍ تُقرع طبولُها وكأنها واقعة غداً؟ وهل مازال ممكناً تفادي الوقوع في محظورٍ ربما صار نقطة تقاطُعٍ بين أكثر من طرفٍ، على ضفتيْ الصراع المفتوح منذ عشرة أشهر بالتمام والكمال، على قاعدة «الهروب إلى الأمام» بعدما رُفعتْ السقوفُ الى درجةٍ لم يَعُدْ ممكناً معها إلا ممارسةُ القفز من شجرة إلى شجرة أعلى بانتظار سلّمٍ يُخشى ألا يكون إلا لنزولٍ على «أرض محروقة»؟
سؤالان تردّد دويّهما في لبنان والمنطقة وعواصم القرار أمس مع «اللمسات الأخيرة» على الاستعداداتٍ العسكريةٍ على مثلث إسرائيل، إيران، «حزب الله»، في ملاقاة الردّ الآتي من الأخيرين على اغتيال تل أبيب إسماعيل هنية وفؤاد شكر في طهران والضاحية الجنوبية لبيروت، و«ربْط الأحزمة» في الإقليم والعالم تَرَقُّباً لِما بعد مرحلة «غَسل الدم بالدم» والتي يبقى رسْم معالمها في يد بنيامين نتانياهو وهل سيتجرّع «الانتقام» الذي يُرجّح أن يكون مدروساً أم سيَذهب إلى ردّ مضادّ يلفّ المنطقة بـ «زنار نار».
وفيما كان اختيارُ حركة «حماس» يحيى السنوار رئيساً لمكتبها السياسي يُحْدث صدمة في إسرائيل رغم اعتباره من كثيرين إشارةً «على الموجة نفسها» للخطوةِ التي قامتْ بها إسرائيل باغتيال هنية وشطْب مُفاوِضها، أي «عسْكرة الحلِّ»، فإنّ «ارتفاعَ السواتر أكثر أمامَ الأفق السياسي لحرب غزة عمّق المخاوف من أن ينزلق الجميع إلى صِدامٍ بدأت تطلّ تعقيداته الدولية مع تسريباتٍ لمسؤول أميركي عن مؤشراتٍ إلى تورط روسيا في مساعدة المحور الإيراني عسكرياً وليس ديبلوماسياً فقط»، ما يُنْذر بتحويل أي حربٍ في المنطقة جاذبة صواعق موْصولة بـ«صراع الجبابرة»في أوكرانيا.
وإذ عكستْ التقاريرُ عن اجتماعاتٍ مكثّفة تَعقدها واشنطن مع حلفائها للاستعداد لأي هجوم محتمل من إيران على إسرائيل حجم المنعطف الذي تقف المنطقة على مَشارفه، لم يكن ممكناً الجزم بمسار الردّ الذي سيقوم به «حزب الله» وإيران، سواء هل سيكون في «توقيت واحد» أو كلّ «على ساعته»، وهل ستنخرط ساحات أخرى من محور الممانعة في الضربة الإيرانية المرتقبة، رغم تقديرات نقلتها هيئة البث الإسرائيلية عن أن الحزب سيقوم بالهجوم قبل إيران وسيستخدم صواريخ دقيقة، وما «بنك الأهداف» الذي سيوفّر «الردّ الفاعل والمؤثّر والشجاع ولكن المتأنّي».
وفي حين تم التعاطي مع إطلالة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله (الثلاثاء) على أنها تضمّنتْ رسائل ضمنيةً بارزة، أبرزها «خفْض التوقعات» بإزاء الردّ الحتمي و«بلا انفعال»، مع إشاراتِ تَهَيُّبٍ لدقة المرحلة عبّرتْ عنها لغةٌ حربية ولكن «ناعمة» انطلقت من أن «هدف المعركة الآن ليس إزالة إسرائيل، ولكن منعها من القضاء على المقاومة» وأن إيران «ليست مطلوباً منها أن تدخل قتالاً دائماً» مع منْح سورية «أسباباً تخفيفية» لعدم الانخراط في المعركة، إلا أن تل أبيب قابلت خطابه بتشدُّد وتهديداتٍ عزّزتْ القلق من آتِ أعظم.
«أثمان باهظة جدّاً»
وفي الوقت الذي كان نتنياهو يؤكد الاستعداد للدفاع والهجوم على حد سواء، «ونضرب أعداءنا ومصمّمون أيضاً على الدفاع عن أنفسنا»، لاح الخطر العالي من كلام وزير دفاعه يواف غالانت خلال زيارته الجبهة الشمالية حيث ردّ على نصرالله معتبراً أنه «قد يجرّ لبنان لدفع أثمان باهظة جدّاً»، محذراً «من المحتمل أن تتدهور هذه المعركة نحو الحرب وهذا أمر واقعي وليس نظريّاً، ويمكن أن يحدث شيء لا أحد يقدر على تخيّله»، وهو ما رَفَع حبْسَ الأنفاس بإزاء الدقائق أو الساعات التي ستعقب بداية الردّ على اغتيال هنية وشكر.
ولم يَعُد خافياً أن كل الأنظار باتت تتجه للخطوةِ التالية من إسرائيل، وهل ستمتثل للضغوط الدولية لعدم توسيع الصراع بحال جاء الردّ كما هو متوقَّع منضبطاً وربما محصوراً بدوائر أو مراكز أو قواعد ذات صلة بالحدَثين في طهران والضاحية الجنوبية، أم أنها«سدّت أذنيها»وستمْضي في قلْب الطاولة ودفْع المحور الإيراني إلى حرب استنزاف إقليمية بالضربات المتبادلة تحت مظلةٍ عسكرية رادعة من الولايات المتحدة وقد تُجرّ للانخراط في المعركة، وذلك رغم نتائج استطلاع أظهر أن 55 في المئة من الأميركيين يعارضون إرسال قوات أميركية للدفاع عن إسرائيل إذا هاجمها جيرانها.
تحذير مجلس المطارنة
وإذ كانت الحرب الموسّعة التي تدقّ أبواب لبنان تعمّق الانقسام الداخلي حيال «أصْل» زجّ البلاد في الصراع بقرارٍ تفرّد به «حزب الله»، وسط اعتبارِ أوساطٍ على خصومة معه أنه «يا ليته مَنَح لبنان أسباباً تخفيفيةً كالتي برّر بها إبقاء إيران وسورية بمنأى عن القتال الدائم أو الدخول أساساً بالمعركة، وكأنه مكتوب على البلد أن يدفع الأثمان عن محورٍ يضحّي بالآخَرين لمشاريعه»، برز تحذير مجلس المطارنة الموارنة من «انعكاسات الحرب في غزة وجنوب لبنان، وما قد تقود إليه من تصعيد شامل لأعمال العنف بإرادةٍ أجنبية ولمصالح لا تمتّ إلى الوطن».
وجاء موقف المطارنة الموارنة (بعد اجتماعهم الشهري برئاسة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي) والذي أكّدوا فيه أيضاً «أن الحل الوحيد الذي يأتي بالهدوء وبنوعٍ من الاستقرار يبقى بتنفيذ قرارات الأمم المتّحدة وخصوصاً الـ 1701»، على وقع ما يشبه «خلايا طوارئ» لسفارات ودول تكمل استعداداتها لـ«خطة ب» لإجلاء رعاياها، ومضيّ شركات طيران بتعليقِ السفر الى لبنان، وهو ما اعتُبر انعكاساً لجدية الأجواء التي تشي بإمكان خروج الأمور عن السيطرة، في ضوء عدم نجاح الوساطات لثني طهران و«حزب الله» عن الردّ ولا لكبْح ردّ مقابل محتَمَل من نتنياهو.
وفي الإطار، أكدت مجموعة «لوفتهانزا» أنها مددت حتى 13 الجاري تجنب التحليق في المجالين الجويين الإيراني والعراقي مع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، مضيفةً أنها ستعلّق أيضاً الرحلات الجوية من وإلى تل أبيب وطهران وبيروت وعمان ومدينة أربيل العراقية حتى التاريخ نفسه بناء على أحدث تحليل أمني لها، وهي الخطوة التي ترافقت مع تكرار برلين دعوة رعاياها لمغادرة لبنان بشكل عاجل»، وسط اعتبار المتحدث باسم الخارجية الألمانية «أن هناك شعوراً زائفاً بالأمان بين المواطنين في لبنان».
1000 جندي بريطاني
وفي حين نقلتْ مجلة «التايمز» أن المملكة المتحدة وضعت أكثر من 1000 جندي بريطاني على أهبة الاستعداد لإجلاء الرعايا البريطانيين من لبنان، وتذكير السفارة الأميركية في بيروت أنه بإمكان مواطنيها الموجدين في «بلاد الأرز» وغير القادرين على العودة إلى الولايات المتحدة، التقدم بطلب للحصول على «قرض العودة إلى الوطن»، لم يقلّ دلالةً ما كُشف عن أن المنظمات التابعة للأمم المتحدة في لبنان، بما فيها قوة «اليونيفيل»، باشرت إجلاء عائلات موظفيها الأجانب، وطلبت من أفرادها الموجودين في الخارج لقضاء إجازاتهم العودة دون أفراد عائلاتهم.
نيقوسيا تستعد
وأكد الرئيس القبرصيّ نيكوس خريستودوليدس «اننا تلقينا طلبات من أكثر من 10 دول للمساعدة بإجلاء مواطنيها من لبنان في حال تصاعد الصراع»، بعدما كانت صحيفة «الأخبار» اللبنانية نقلت عن زوار العاصمة القبرصية أن الحكومة تدرس طلبات دول عدة بشأن عمليات الإجلاء، وأن إدارة الأمن والخارجية في الجزيرة تدرس احتمال تدفّق لاجئين إليها من لبنان وإسرائيل، وقد طلبت من جهات مختصة إعداد مقترحات تشتمل على فكرة إقامة مخيمات كبيرة في حال وصلت الأمور إلى حد نزوح عشرات الآلاف من البلدين.
ووفق التقرير نفسه فقد فعّلت الحكومة القبرصية خطة «إستيا» (estia) التي تُعنى بإجلاء رعايا قبارصة ودول أخرى من مناطق النزاعات والحروب وفي حالات الكوارث الطبيعية، وتشارك فيها فرق خاصة بإدارة الأزمة من وزارات الخارجية والداخلية والدفاع والعدل. وهي عبارة عن عملية معقّدة لإجلاء آمن للمواطنين القبارصة ومواطني الاتحاد الأوروبي من أي منطقة نزاع في الشرق الأوسط عبر الأراضي القبرصية. وبحسب طبيعة النزاع وخطورته، تتكوّن الخطة من 4 مراحل، وتشتمل على تنسيق فرق طبية وأمنية وعسكرية تستخدم المرافق الرئيسية من موانئ ومطارات وقدرات لتنفيذ عمليات الإجلاء لمهاجرين أو نازحين.
وعلى وقع هذه المناخات، لم تهدأ جبهةُ الجنوب غاراتٍ وقصفاً وخرْقاً لجدار الصوت فوق غالبية المناطق اللبنانية وصولاً إلى بيروت. وفيما أعلن الجيش الإسرائيلي انّه اغتال قائد وحدة الصواريخ المضادة للدبابات في «حزب الله» حسن فارس في غارة استهدفت دراجة ناريّة في بلدة جويا الجنوبية، نفذ الحزب سلسلة عمليات ضد مواقع وتجمعات عسكرية.