لبنان والسلاح.. فرصة للحوار أو شبح المواجهة؟

في بلد مأزوم كلبنان، تغدو الملفات الكبرى مرآة لتعقيدات الداخل وتشابك الخارج. ويقف ملف السلاح في مقدمة هذه القضايا، بصفته أحد أعقد المواضيع التي لم تجد بعد طريقها إلى الحسم. ففي ظل الانقسام السياسي، والتدهور الاقتصادي والتصعيد العسكري المتواصل على الجبهة الجنوبية وصولا إلى العمق اللبناني، يعود الحديث مجددا عن مستقبل هذا السلاح، بين من يراه ضرورة دفاعية في وجه إسرائيل، ومن يعتبره عائقا أمام بناء الدولة.

تشير تقارير ديبلوماسية متقاطعة إلى أن مسألة حصر السلاح بيد الدولة لاتزال تراوح مكانها، مع تسجيل حركة اتصالات خجولة خلف الكواليس، يقال إن بدايتها تكمن في احتمال فتح حوار مباشر بين رئيس الجمهورية العماد جوزف عون و«الثنائي». هذا الطرح، وإن لم يعلن رسميا بعد انما من خلال تسريبات، يعكس واقعا فرض على الأطراف جميعها: لا حسم لهذا الملف بالقوة، ولا إمكانية لتجاهله إلى ما لا نهاية، خصوصا في ظل الضغوط الدولية المتصاعدة.

في هذا السياق، تلعب الولايات المتحدة دورا مباشرا وأكثر وضوحا من ذي قبل. وبحسب معلومات «الأنباء»، أبلغت السفيرة الأميركية في لبنان ليزا جونسون عددا من المسؤولين أن الفرصة لاتزال متاحة لإنقاذ لبنان من أزماته، لكنها لن تبقى مفتوحة إلى الأبد.

اللقاءات التي أجرتها جونسون مؤخرا انطلقت من قناعة أميركية بأن معالجة أزمة السلاح، وتحديد مصير التنظيم العسكري لأحد فريقي «الثنائي»، هما مدخل أساسي لإعادة إنتاج استقرار طويل الأمد في لبنان، شرط أن يترافق ذلك مع إصلاحات حقيقية على المستويين الاقتصادي والمؤسساتي.

ويقرأ التحرك الأميركي على أنه ضغط ديبلوماسي ناعم يتصاعد تدريجيا، وقد يزداد حدة في المرحلة المقبلة، خصوصا إذا ما فشلت الأطراف اللبنانية في التوافق على خطة واضحة للتعامل مع هذا الملف.

بالتوازي مع هذا الحراك السياسي، تكررت في الفترة الأخيرة الهجمات التي تستهدف قوات الطوارئ الدولية المعززة العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل)، وآخرها وقع في منطقة ذات نفوذ واسع لأحد طرفي الثنائي، ما أثار ردود فعل رسمية مستنكرة من الرؤساء والمسؤولين اللبنانيين، الذين أكدوا التزام الدولة بحماية أمن وسلامة القوات الدولية، تطبيقا للقرار 1701. لكن هذه الحوادث، وعلى رغم الاستنكار الرسمي، حملت رسائل ميدانية واضحة، تتجاوز حدود الواقعة الأمنية لتلامس الرسائل السياسية المرتبطة بالضغط الخارجي على «الحزب»، والرفض الضمني لأي محاولة لتغيير قواعد الاشتباك على الأرض أو نزع السلاح بالقوة.

ما بين الدعوة إلى الحوار وقرع طبول المواجهة، يعيش لبنان مجددا في لحظة مفصلية، في غياب أفق واضح للحل، وفي ظل هشاشة الداخل، وصراع الإرادات الإقليمية والدولية على أرضه. وحده التوافق الداخلي قادر على تجنيب البلاد مزيدا من التدهور، وربما يكون فتح قناة حوار هادئ وعقلاني حول مستقبل السلاح هو الخيار الوحيد المتاح، قبل أن تفرض التطورات المتسارعة خيارات أكثر كلفة وخطورة.