المصدر: النهار
الكاتب: نايلة تويني
الاثنين 19 آب 2024 07:51:52
ليس كلاماً يدفع إلى اليأس من البلد وهجره، إذ لم نعتد الأمر ولم نرضخ له رغم الآلام المبرحة التي عانيناها فيه، لكنها دعوة دائمة إلى رفض الواقع المزري والانتفاض عليه.
اليوم لبنان في عتمة، بل في ظلمة. ولا يقتصر الأمر على انقطاع الكهرباء، بل يشمل كل نواحي الحياة. أصحاب المولدات ينشطون في الاستبداد بالناس. لا أحد يقدر عليهم رغم كل الوعود الوزارية المتعاقبة. مافياهم أقوى، أو ثمة تواطؤ ضمني يفيد منه أكثر من طرف. هي مافيا الفيول أصلاً التي توزع خيراتها على معظم الأحزاب السياسية.
لا أجوبة شافية عن مشكلة الكهرباء المستعصية، ولا تفسير لإصرار فريق سياسي على الامساك بوزارة الطاقة زمناً، من دون أن يتمكن من توفير حلول بالحد الأدنى، والذريعة "ما خلّونا". وهي ذريعة غير مبررة على مدى الزمن، خصوصا أن الكهرباء تشكل سبباً أساسياً في إرهاق الخزينة اللبنانية. اللبنانيون يقابلون العتمة بالنكتة، ويشمتون بمسؤولين ليسوا مسؤولين.
في السياسة ظلمة أيضا. بلد من دون رئيس جمهورية منذ سنتين، وحكومة تصرّف الأعمال، ومجلس نواب حائر في أمره لا يقوم بواجبه في انتخاب رئيس أو القيام بالأعمال التشريعية الضرورية. أطراف سياسية تتناتش فتات وطن. لا تنفك تتصارع وتستعمل الناس وقوداً. القضاء شبه معطل، وفي الجنوب حرب يذهب ضحيتها العشرات، بل المئات.
تدمر البيوت والمؤسسات وتحرق الأرزاق. مقاومة تدّعي الحق في الدفاع عن الأرض، ببيانات وزارية الجميع يعلم بظروف إقرارها، تصادر قرار الدولة بهذه الذريعة، وترتبط بمصالح خارجية إقليمية، تقلل من أهميتها الوطنية. تخوض الحروب في سوريا والعراق واليمن وصولا إلى جمهوريات سوفياتية سابقة، والشعار "مقاومة". وفي الداخل، تصادر الأملاك العامة والخاصة، من دون قدرة الاعتراض لدى المالكين. وتقيم شبكة اتصال خاصة، ومصارف غير شرعية، و...
القطاعات الاقتصادية تعاني الأمرّين رغم كل مظاهر الحياة الموقتة صيفاً، والتي لا تمول دورة اقتصادية كاملة، خصوصا أن خسائر الحروب والعقوبات تتفاقم.
الخلافات السياسية حالت وتحول دون إقرار سياسة إعادة تفعيل القطاع المصرفي بعد إعادة هيكلته، لربما يستعيد المودعون بعضاً من ذخائرهم التي أودعوها المصارف ليوم أسود، أو أيام سود حلت فجأة، فلم يجدوا ما يقاومونها به.
كلها محطات ظلامية. لا يقتصر الأمر على الكهرباء. ولعلّ الباحثين عن حلول لمشكلة الطاقة في اجتماعات تمتدّ حتى الفجر، يصلون الليل بالنهار، لتوسعة إطار الحلول، لكن إضاءة لمبة تبقى أفضل من عتمة شاملة على كل المستويات.