المصدر: اللواء
الكاتب: صلاح سلام
الجمعة 14 تشرين الثاني 2025 07:48:23
زيارة الوفد السعودي المنتظرة إلى لبنان ليست مجرّد خطوة اقتصادية تقنية، بل هي حدث يتجاوز لغة الإقتصاد و الأرقام إلى ما هو أعمق: عودة الإهتمام العربي إلى بيروت، واستعادة لبنان لموقعه الطبيعي في الصف العربي من بوابة الرياض، التي لطالما كانت قلب العروبة النابض، ويدها الحانية على وطن الأرز.
لقد قوبلت المبادرة السعودية بترحيب واسع في الأوساط الرسمية والاقتصادية اللبنانية، إدراكاً لأهميتها في فتح أبواب السوق السعودية مجدداً أمام الصادرات اللبنانية، الصناعية منها والزراعية. فالسوق السعودية كانت ولا تزال الرئة الاقتصادية التي يتنفس منها لبنان، ونافذة أمل لإنعاش اقتصاده المتعب، وإعادة تحريك عجلة الإنتاج والتصدير. غير أن الأهمية الحقيقية لهذه الزيارة لا تقف عند حدود المصالح التجارية، بل تمتد إلى أبعاد سياسية ووطنية تعبّر عن عودة الثقة المتبادلة بين البلدين، وترسّخ مكانة لبنان في عمقه العربي الذي لم يغب يوماً رغم العواصف والاهتزازات.
فالمملكة العربية السعودية لم تكن يوماً بعيدة عن لبنان، وهي التي وقفت إلى جانبه في محنه وأزماته، وكانت المبادِرة دائماً إلى دعمه في كل الميادين. ويكفي أن نتذكر الدور المحوري الذي أدّته الرياض في رعاية مؤتمر الطائف، الذي أنهى الحرب الأهلية وأرسى دستور الجمهورية الثانية، لتتجلى حقيقة المكانة التي تحتلها المملكة في مسيرة استقرار لبنان ووحدته.
واليوم، إذ تُستأنف هذه العلاقات بزخم جديد برعاية شخصية من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يشعر اللبنانيون أن صفحة جديدة تُفتح في سجل الأخوّة العربية، عنوانها التعاون والتكامل لا العزلة والانقسام. فعودة التواصل مع المملكة ليست مجرد مسألة دبلوماسية، بل هي عودة لبنان إلى ذاته، إلى انتمائه العربي الذي شكّل على الدوام درعه الواقي وسنده الأصيل.
إن لبنان، الذي أثقلته الأزمات والضغوط والانقسامات، يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى هذا الحنين العربي الذي تحمله الرياض معها. فالعروبة ليست شعاراً يُرفع في الخطب، بل التزام بالأصالة والوفاء، وانتماء إلى البيت الكبير الذي يحتضن الجميع دون تمييز.
ومن بوابة الرياض، يستعيد لبنان عروبته ودوره، ويجد في دفء العلاقات مع المملكة ما يعيد إليه شيئاً من الأمل الذي افتقده في زمن العزلة والقلق والتشرذم.