المصدر: النهار
الكاتب: روزانا بو منصف
الاثنين 18 تشرين الثاني 2024 16:15:32
كتبت روزانا بو منصف في النهار:
مع أنّ التسريبات من المسؤولين اللبنانيين إزاء اتفاق محتمل لوقف النار تتسم بالإيجابية مع الحذر إزاء الجزم في إمكان إنجاز الاتّفاق، فإنّ معطيات ديبلوماسية عدّة باتت أكثر ترجيحاً في هذا الإطار على رغم الكلام على ملاحظات لبنانية أو توضيحات يحتاج إليها الطرف اللبنانيّ. إذ لن يكون ممكناً القفز إلى الموافقة على اقتراحات وقف النار كما لو أنّ لبنان في وضع حرج جداً، ويحتاج إلى ذلك بقوّة، أو أنّه في واقع استسلامي لما يعرض عليه من دون ردّ فعل اعتراضيّ أو مناقشة الاقتراح.
وهذا من متطلبات التفاوض وضرورته ولا يلغي الاحتمالات التي غدت قوية إزاء الأمل بنجاح الجهود الأميركية هذه المرّة مع نضوج جملة ظروف لبنانية وأخرى إسرائيلية وحتى إيرانية وأميركية كذلك، حتى لو أنّ الأمر لا يشمل وقفاً للنار في غزّة أو لا يسير في موازاته. وهذه النقطة الأخيرة كانت جزءاً من "نضوج" الظروف لدى إيران وتالياً لدى "حزب الله" في ظلّ تحوّل لبنان جبهة مواجهة قائمة في حدّ ذاتها وتدميره في هذه الحرب كما تدمير الحزب في ظلّ عبثية مواصلة الحرب بذرائع وجود أهداف لبنانية لها لم تعد قائمة في الواقع. أي أنّه مع فشل حرب "إسناد غزّة" وتوغّل إسرائيل في القرى والبلدات الجنوبية من دون القدرة على ردعها عن القيام بذلك أو حماية المناطق الأخرى، فإنّ مقاربات الأمور شهدت تبدّلات كبيرة على غير ما قد يودّ الحزب الاعتراف بذلك وإيران أيضاً.
يضاف إلى ذلك أنّه على رغم مشهديّة تساقط الأبنية في الضاحية الجنوبية وانتقال الاعتداءات الإسرائيلية بين المناطق اللبنانية، وحتى إخلاء القرى الجنوبية من سكّانها، لم "تتوسّل" السلطة اللبنانية، غير الموجودة عملانياً، ولا أيّ من الأفرقاء السياسيين الحزبَ أو تناشده وقف النار رحمة بما تبقّى من لبنان.
عدّ البعض ذلك استنكافاً عن تضييع جهود في غير محلّها لأنّ الحزب لم يعد يخضع في شكل أساسيّ راهناً لأيّ سلطة داخلية، وأنّ قراره الفعليّ في طهران، ما يجعل من العبث مناشدته أو الضغط عليه في هذا الإطار. فيما عدّ البعض الآخر سبب غياب الضغط لترك الحزب يواجه ما دفع البلد إليه بنفسه، وكذلك أبناء طائفته والقرى والبلدات المؤيّدة له، وتالياً إذا كان يرغب في الاستثمار في ما يعتبره وحده "الحسم للميدان"، فإنّ هذه المسؤولية تقع على عاتقه على رغم أنّ غالبية الرأي العام اللبناني وليست القوى السياسية فحسب لا ترى ما يذهب إليه في هذا الإطار . وهي الحال نفسها للخارج الذي، وإن كان الحزب انتقد وسائل الإعلام التي تتحدّث عن مجريات المعارك وتكشف خباياها على أنّها تخدم العدوّ الإسرائيليّ، فإنّ الواقع الميدانيّ لا يغيب عن الأجهزة الديبلوماسية ولا الاستخباراتية للدول كلّها بما فيها لبنان نفسه. ولعلّ الأكثر إيلاماً بالنسبة إلى الحزب كما بالنسبة إلى إيران هو غياب أيّ مساع جدّيّة أو مناشدات غربيّة لوقف النار في لبنان، بعدما سقطت كلّ الجهود السابقة خلال ما يزيد على سنة منذ عملية "طوفان الأقصى".
ثمّة قرار ضمنيّ قد تكون إيران استشعرته ومعها الحزب بأن تترك إسرائيل تُضعف الحزب إلى أكبر قدر ممكن، وعدم التدخّل كذلك قبل أوان تحقيق ذلك لعلّ نتيجته غير المتوقّعة إنّما المرغوبة بشدّة تؤدّي إلى إتاحة المجال لعودة الدولة اللبنانية واستعادة قرارها وسيطرتها على كلّ أراضيها. وهذا ما بات يراهن عليه كثر في الداخل والخارج على حدّ سواء، على خلفية استثمار إضعاف الحزب ونزع ورقة الجنوب من يده والضغط الخارجيّ لمنع إيران من تمويل الحزب مجدّداً، في حين أنّه إذا فشلت الجهود الحالية لوقف النار ، فمن المرجّح أن يكون لبنان والحزب في الدرجة الأولى أمام خيارين صعبين: استمرار التدمير الإسرائيليّ بغضّ النظر عن جدواه من عدمه عملانياً، في حين أنّه يزيد الكلفة المعنوية على الحزب ومسؤوليته عن تدمير البلد، أو يذهب نتيجة ذلك إلى خيار باتفاق يغدو صعباً في ظلّ شروط أصعب.
وتقول مصادر سياسية أنّ إيران وعلى غير المراحل السابقة باتت تستشعر خطورة أن يواجه الحزب استمراراً للحرب قد تساهم في إضعافه أكثر في ظلّ تضاؤل إمكان تسليحه بعد قطع الإمداد عنه عبر السبل التي كانت معتمدة، وحتى قطع التمويل المادّيّ عنه كذلك. وقد سرى في بعض الأوساط أنّ الزائرين الإيرانيين السابقين لبيروت وزير الخارجية ورئيس البرلمان نقلا إلى الحزب أموالاً بدا أنّه يحتاجها بشدّة بعد استهداف مواقعه وحتى مقرّ القرض الحسن، وترجّح هذه المصادر أنّ تشديد الرقابة في مطار بيروت ستحول دون ذلك في المدى المنظور .
الأمر لا يتعلّق بالتغيير الأميركي وحده الذي انتهى بانتخاب الرئيس السابق دونالد ترامب مجدداً للرئاسة الأميركية وحسابات إيران المستقبلية في ضوء ذلك كما في ضوء التغييرات التي طرأت على إضعاف نفوذها الإقليميّ، وكذلك قدراتها العسكرية، إنّما يتعلّق الأمر أيضاً بالتحدّيات التي باتت تواجهها إسرائيل بعد استنزاف أهدافها الفعلية القوية ضدّ الحزب في لبنان في مواجهة استنزاف رصيدها في الخارج. ذلك أنّ حكومة بنيامين نتنياهو لا تزال تملك توظيف ورقة غزة من أجل تأمين استمراريتها السياسية.