لماذا يتعامل "حزب الله" ببرودة مع عرض الوساطة المصرية؟

تردد أن العرض المصري الذي سرى أن رئيس جهاز المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد قد حمله معه إلى بيروت أخيرا، تضمن أمرين رفع "حزب الله" لواء المطالبة بهما منذ سريان اتفاق وقف النار قبل نحو عام، وهما أن يحتفظ  الحزب بسلاحه تحت مصطلح "الخمول الإستراتيجي"، أي أنه سلاح ممنوع استخدامه إطلاقا وفق آليات يتفق عليها، ووقف كل العمليات الإسرائيلية والانسحاب من النقاط الخمس الأمامية.

ومع ذلك، فإن الدوائر المعنية في الحزب تعاملت ببرودة مع العرض المصري الهادف إلى الحد من التوتير المفتوح على احتمالات أشدّ وأدهى.

وعليه، أتى السؤال عن الأبعاد التي جعلت الحزب يظهر بمظهر اللامبالاة تجاه عرض افترض كثر أنه كان سيتلقفه ويتعامل معه كخشبة خلاص في مرحلة تتصاعد فيها الضغوط الميدانية والكلامية، وتحكم الحصار عليه وتضعه أمام خيار الاستسلام طوعا أو بعد الضربة الساحقة الماحقة.

يقول المعنيون في الحزب إن القاهرة سارعت إلى الحضور المفاجئ إلى دائرة الوسطاء والمبادرين في الساحة اللبنانية، بعد تطورين: الأول شعورها بأن لديها الفرصة لاستعادة دورها الإقليمي المفقود بعدما اعتبرت نفسها أنها هي من "هندس" اتفاق غزة الأخير ورعت ظهوره.

الثاني أن المرحلة هي للدعوة إلى إطلاق دورة تفاوض إقليمي ينهي التوتر الذي عصف بالمنطقة منذ أكثر من عامين، وخصوصا أن بيروت قد فتحت أبوابها لبدء مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل تحت مظلة "الميكانيزم"، ولا مانع لديها من تطعيمها بمدنيين خبراء قانون وتقنيين.

لكن بعض ما ورد في العرض المصري له عند المعنيين في الحزب نظرة أخرى إيجابية، فهو في قاموسه ينطوي على إشارة تراجع عند الذين رفعوا قبل أشهر شعار مطالبة الحزب بإلقاء سلاحه والاستسلام لواقع جديد بعد الضربات العسكرية التي تلقاها.

وأبلغت تلك المصادر "النهار" أن الحزب، على رغم كل "المميزات" التي يمكن مبادرة القاهرة أن تنطوي عليها وتوفر له مزيدا من ربح الوقت، وتُدخل شركاء جددا على خطوط التهدئة لإنهاء الاحتكار الأميركي، لا يمكنه أن ينبري للتهليل والترحيب بهذه المبادرة لاعتبارين:

الأول أنّ من مصلحته أن يبقى على موقفه السابق الرافض فتح أبوابه أمام أيّ مبادرة  أو عرض يقوده في نهاية المطاف إلى التزام أيّ اتفاق سلام مع إسرائيل.

والثاني أنه يرى أن ما حمله الموفد المصري هو "مجرد أفكار لا ترقى إلى مرتبة المبادرة التي يمكن البناء عليها، في ظل إصرار واشنطن على الاستحواذ على كل أوراق اللعبة في المنطقة ورفضها أي شريك أو مزاحم".

إلى ذلك، فإن الحزب وإن كان يجاهر بأنه ليس في وارد تجديد المواجهة الميدانية مع إسرائيل في الوقت الحاضر، إلا أنه يصعب عليه القبول بصيغة "الخمول الإستراتيجي"، فهي تقييد "موقت" لفعله المقاوم، لكن احتمالات تحويله إلى قيد دائم لا فكاك منه، يبقى واردا إذا ما مشى في موكب الخيارات المعروضة حاليا بعد التحولات الأخيرة.

والواقع أن المبادرة المصرية، وإن بدت جديدة في الشكل، إلا ان الحزب لا يجدها مختلفة عن العروض والاتفاقات السابقة التي لم تلزم الإسرائيلي وقف عدوانه، لذا فإنه قد يتعامل مع المقترح المصري كمناورة تؤدي إلى تهدئة موقتة.