المصدر: المدن
الكاتب: بلقيس عبد الرضا
الاثنين 5 آب 2024 15:06:39
في كل مرة يتعرض فيها لبنان إلى أزمة سياسية، سواء أكانت داخلية أم خارجية، تتجه الأنظار إلى الاقتصاد، خصوصاً وأن الأخير دفع فاتورة باهظة على مدار سنوات، ولا يزال حتى اليوم يدفع فاتورة الحرب الممتدة من غزة الى لبنان.
وبين ارتدادات الأزمات الإقليمية على لبنان والحرب المباشرة، تداعت القطاعات الاقتصادية وشاعت المخاوف بين اللبنانيين من استمرار تدهور معيشتهم المتهالكة أصلاً.
وقد عبّر اللبنانيون على منصات التواصل الاجتماعي وتحديداً على منصة X عن "غضبهم" ومخاوفهم من تأثيرات الأحداث على واقعهم المعيشي والاقتصادي، وهو ما يظهر من خلال قراءة دقيقة لمحتوى التغريدات التي انتشرت خلال النصف الأول من العام الحالي، والتي عبرت بشكل لافت عن مخاوفهم، وهو ما يساعد إلى حد كبير في معرفة أو قياس الرأي العام اللبناني حول قضايا الاقتصاد.
تأثيرات كارثية بلا مبالغة
خلال النصف الأول من العام الحالي، انتشرت على منصة X نحو 3.31 ألف تغريدة تضمنت تساؤلات وتعليقات حول المستقبل الاقتصادي والمعيشي للبنانيين بمعدل 15 تغريدة يومياً، ومن اللافت أن التغريدات شهدت ارتفاعاً عند حدوث أي تهديد مباشر في الجبهة الجنوبية للبنان من جهة، أو عند ارتفاع حدة التصريحات فيما يتعلق باقتراب أو باشتعال الحرب.
ويظهر مثلاً، أنه في الأول من كانون الثاني، ارتفعت حدة التغريدات، بعد القصف الذي تعرض له جنوب لبنان، واعتبر المغردون أن هناك قطاعات اقتصادية محلية يتم تدميرها بسبب الحرب، على غرار القطاع الزراعي، وكل ما له علاقة بالزراعة مثل الصناعات الغذائية المحلية.
في شباط اختلفت حدة التغريدات، وانتقلت من الخوف من تأثيرات الحرب المباشرة، إلى الحديث عن الفساد كسبب اخر في تدمير اقتصاد لبنان، وربط بعض المغردين بين الانهيار السريع للاقتصاد في حال نشوب حرب، والفساد كعامل آخر.
وفي شهر آذار سلطت المنشورات الضوء على تأثيرات الحرب في قطاع غزة على لبنان، وأشار الكثير من المغردين إلى أن لبنان بدأ يتأثر بالحرب القائمة، وإن لم يظهر أي تقارير أو إحصاءات دقيقة، إلا أنه وبحسب التقديرات، فإن ما يقارب 70 في المئة من سكان مناطق الجنوب، وتحديداً من أصحاب الأعمال الصغيرة، فقدوا مصدر دخلهم بسبب حركات النزوح.
وفي هذه الفترة، قارن المغردون بين تأثير الأزمة الاقتصادية التي بدأت في العام 2019، وبين الأزمة الحالية، ووجدوا بإنه على عكس عام 2019، حين انهارت قطاعات اقتصادية كبيرة نسبياً، من خلال إقفال المؤسسات وما شابه، كان هناك طفرة في نمو المؤسسات والأعمال الصغيرة، في حين أن هذه المؤسسات التي مكنت أصحابها من تأمين معيشتهم أقفلت اليوم، بسبب الحرب.
الربع الثاني من العام
أما في شهر نيسان، وبحسب تحليل التغريدات على منصة X، فإن الزيادة في حجم المنشورات تعود إلى نقاش سياسي وحوار حول تصرفات الحكومة الإيرانية في سوريا والعراق ولبنان. وانتقدت بعض المنشورات النظام الإيراني بسب الصراعات وتأثيراته على اقتصادات البلدان أعلاه، إلى جانب بروز وجهة نظر متناقضة، لا تحمل مسؤولية انهيار الاقتصاد إلى الأزمات الإقليمية، بل إلى سوء إدارة السياسيين اللبنانيين للأزمة.
وفي شهر أيار، طرحت نقاشات عديدة تتناول مستقبل القطاع السياحي، والتهديدات المستمرة بإمكانية دخول لبنان في حرب مباشرة مع إسرائيل، وجاءت التغريدات بعد ارتفاع حدة المناوشات بين الجانبين الإسرائيلي من جهة، وحزب الله من جهة ثانية. وتركز النقاش على أن الموسم السياحي سيشهد انتكاسة، وهو ما سيتجلّى بنسبة إشغال الفنادق، والمطاعم، والحفلات، وهي مورد رئيسي لما يقارب 30 في المئة من اليد العاملة في لبنان، كما أنه المورد الرئيسي لتأمين عائدات مالية بالدولار الفريش.
في حين، أن بعض النقاشات، اتجهت أكثر للبحث عن آليات لإنقاذ لبنان من خلال المطالبة بانتخاب رئيس للجمهورية، بعد مرور أكثر من 18 شهراً من الفراغ الرئاسي.
في شهر حزيران، انتقلت النقاشات إلى محتوى جديد، تسيطر عليها المشاعر السلبية، والتشاؤم، إذ ركز المغردون على عدم قدرة الاقتصاد اللبناني على التعافي، في ظل الصراعات الإقليمية.
في حين، ارتفعت حدة المنشورات التي تتناول تكلفة الحرب المباشرة مع إسرائيل، والحديث عن العواقب الاقتصادية المحتملة لمثل هذه الحرب، بما في ذلك تدمير البنية التحتية، وخسارة الاستثمارات، والتأثير السلبي على اقتصاد لبنان.
مخاوف وقلق
بدا لافتاً حجم مشاعر القلق والخوف التي طغت على تغريدات اللبنانيين، ويظهر ذلك من خلال توقعاتهم باحتمال فقدان السلع الغذائية، والسلع الاستراتيجية الأساسية، خاصة وأن الكثير من التقارير تناولت إمكانية استهداف مطار رفيق الحريري الدولي، أو حتى الموانئ البحرية، وبالتالي تعرض لبنان لحصار، قد يؤدي إلى تفشي المجاعة. وكان لافتاً أيضاً أن المخاوف بلغت طرح سيناريوهات تفترض أن ما سيتعرّض له لبنان سيكون أصعب من حرب تموز 2006، بسبب التغيّرات الهيكلية التي طرأت على الاقتصاد اللبناني.
بشكل عام، وصل حجم المشاعر السلبية أو التي تحمل علامات حمراء، أي مشاعر القلق والخوف، التي طغت على التغريدات إلى ما يقارب من 53.3 في المئة من إجمالي عدد التغريدات، أي نحو 1754 تغريدة حملت مشاعر سلبية، وهو ما يعني بطريقة أخرى، بأن مشاعر الخوف والقلق التي يعيشها اللبنانيين مرتفعة للغاية، بسبب الحرب، وسط غياب أو انعدام لأي فرص لتوفير أبسط مقومات الحياة، كما حصل في سنوات سابقة أو حروب سابقة.
53 في المئة مشاعر سلبية، مقابل 36 في المئة وسطية، و10 في المئة من التغريدات حملت بعض المشاعر الإيجابية لصمود الاقتصاد اللبناني من تأثيرات الحرب.
الشباب الأكثر قلقاً
64.1 في المئة من التغريدات جاءت من الذكور الشباب، مقابل 22.6 في المئة من الإناث الشابات، وتبيّن بأن الاهتمام بمواضيع الاقتصاد اللبناني، وانعكاسات الحرب، كانت محور اهتمام الفئة العمرية ما بين 25 إلى 34 عاماً، إذ أن 38 في المئة من إجمالي التغريدات جاءت من ضمن هذه الفئة، تليها الفئة العمرية 18 إلى 24 عاماً بنسبة 22 في المئة، وهذا ما يشير إلى أن المخاوف من الحرب وتأثيراتها تشغل حيزاً كبيراً لدى الشباب اللبناني تحديداً.
وجاءت معظم التغريدات من المواطنين من ذوي الاهتمام بالشأن السياسي، كالصحافيين، ومن ثم فئات شعبية أخرى، وقد توزعت النسب المئوية بحسب الجدول أدناه.
من هنا يمكن القول، بأن تأثر لبنان بما يجري في المنطقة، أمراً طبيعياً وبديهياً، بسبب عوامل الجغرافيا السياسية، والأوضاع الجيوسياسية، إلا أن التأثيرات على الاقتصاد، شكلت محور قلق مرتفع لدى الفئات الشابة من لبنان، والتي تعتبر الرأس المال الحقيقي للبنان. وبالتالي مع انحدار الاقتصاد وتسارع انهياره، فإن الشباب اللبناني سيكون الحلقة الأضعف، فإما سيكون عرضة للدخول إلى دائرة البطالة بشكل علني وواضح، وإما أن يتّجه الى الهجرة، وفي كلتا الحالتين، فإن لبنان سيخسر رأس ماله الحقيقي، ما يزيد من صعوبة الخروج من الأزمة.