ما الذي يهدد بحصول أزمة دواء؟

منذ العام 2020، بدأت أزمة الدواء تلوح في الأفق وتتفاقم بسبب الأزمة المالية في لبنان، مع انخفاض احتياطي العملات الأجنبية والنقص في الدولار للاستيراد. ومع ظروف الحرب الراهنة، تجددت الأزمة وأَُضيف إليها معطيات ظاهرة النزوح الكثيف والمفاجئ، مع أسئلة مقلقة عن إمكانية انقطاع إمدادات الأدوية.

وبالاستعادة، قبل العام 2020 تولى مصرف لبنان دعم استيراد الأدوية. ومع الأزمة المالية آنذاك، ظهرت التحديات وعمت الفوضى في قطاع الأدوية. بات المواطنون يتنقلون بين الصيدليات لتوفير أدويتهم نتيجة تقطُّع إمداداتها، وباتت السوق السوداء الحل البديل لتأمين الأدوية ولو بأسعار تفوق الخيال، حتى أصبح المواطن رهينة عصابات السوق السوداء.

خيال أزمة 2020 ووقائع الحرب الراهنة

وآنذاك، أشار  أطباء إلى وجود أدوية توافرت في لبنان في السوق السوداء، لكنها قليلة التوافر في بلدان اخرى. وبالتالي، توجّه بعض المواطنين إلى تركيا مثلاً لتوفير أدويتهم، ما شكَّل معاناة حقيقية خصوصاً لمن يعانون أمراضاً مزمنة أو امراضاً مستعصية، نظراً للتكاليف الباهظة والضغط النفسي الزائد المتأتي من إمكانية انقطاع أدويتهم بشكل يهدد حياتهم. اليوم، مع ظروف الحرب والتهديد بإمكانية مواجهة خطر الحصار البري والجوي والبحري وحالة القلق العامة السائدة في البلد، تكثَّفَت العوامل التي تنذر باحتمال مواجهة أزمة دواء جديدة.

وبالتالي، تحرَّكَتْ مخاوف بين المواطنين من العودة إلى تلك المرحلة الصعبة التي كانوا يواجهون فيها الموت بسبب انقطاع الأدوية التي يحتاجونها.
وكذلك تعززت تلك المشاعر مع تصريحات نقيب الصيادلة الدكتور جو سلوم بشأن الصعوبات والتحديات في استيراد الأدوية ، خصوصاً بعد أن خرجت عشرات الصيدليات في المناطق المستهدفة عن الخدمة، ما أثار حالة هلع بين الناس. ووصل الأمر إلى البدء بتناقل رسائل تدعو المواطنين لتخزين الأدوية خوفاً من خطر انقطاعها في المستقبل القريب. وفي سنوات سابقة، كان تخزين الأدوية في المنازل من العوامل التي أسهمت في تعزيز انقطاعها من الأسواق.

وفي مقابل تلك المعطيات، ورد ردٌّ من نقيب مستوردي الأدوية جو غريب على أسئلة المواطنين في هذا الشأن. وقد بدا النقيب مطمئناً، إذ نفى وجود أزمة دواء تلوح في الأفق، مشيراً إلى أن تصريحات نقيب الصيادلة استندت إلى استنتاجات لا إلى معطيات موثوقة.

المخزون كافٍ لكن استمرار الحرب مشكلة

وأضاف، "لدينا مخزون احتياطي يكفي لمدة اربعة أشهر إضافية، وهو متوفر لدى الشركات والصيدليات. وبالنسبة إلى المخزون الاستراتيجي فيدخل ضمنه المخزون الاحتياطي وخطوط الإمداد وغيرها. وحتى اللحظة، تعتبر حركة الشحن عبر المرفأ طبيعية، ولم يحصل تغيير في الشحنات المبرمجة بشكل محدد. أما بالنسبة إلى الشحن عبر الجو، فمن الطبيعي أن نتأثر بتعليق رحلات كافة شركات الطيران، إلا أن وزير الصحة العامة الدكتور فراس الأبيض أوصى بإعطاء الأولوية للدواء في الشحن لطيران الشرق الأوسط، وثمة التزام جدي بذلك".

وأضاف غريب، "تجدر الإشارة إلى أن الأدوية التي تصلنا بالبحر هي تلك التي تتميز بالحجم الكبير، فيما تصل الأصغر حجماً عبر النقل الجوي. ويشار  إلى أن الحاجة من الأدوية لا تتخطى الــ22 طناً في كل طائرة. وبالتالي، أمكن التعويض عن توقف شركات الطيران الأخرى. ونحن في غاية الحرص للعمل على زيادة المخزون".
طالما أن حركة المرافق الجوية والبحرية مفتوحة، لا يتفاقم خطر توقف استيراد الأدوية وتوافرها في الأسواق . وقد وضعت خطط بديلة في حال اضطراب الحركة الجوية مثلاً، لكن يفضل غريب عدم التركيز عليها لأن تلك الحركة ما زالت طبيعية.

وبالتالي، يرى غريب أن لا أزمة دواء في المدى المنظور . ولكن، ثمة ضرورة للتوضيح بأن مخزون الأربعة أشهر قد يتفاوت بحسب الأدوية، فمنها ما يتوافر مخزون لها يكفي لشهر واحد ربماأ وأخرى لثمانية أشهر، إلا أن المعدل العام هو أربعة أشهر. 

مشكلة تخزين الأدوية

وبالنسبة إلى مشكلة تخزين الأدوية التي أسهمت في تفاقم أزمة الـ2020، تؤكد الأرقام أن الطلب على الأدوية زاد بما لا يتجاوز الـ5 أو الـ10 في المئة. وتعتبر تلك الزيادة غير دراماتيكية، إذ يمكن ربطها بظروف الحرب والنزوح. ويشار أيضاً إلى أن تلك الزيادة سجّلت بشكل خاص في الشوف والشمال التي تركزت فيهما حركة النزوح.

وكذلك لا يوجد في الأفق حدوث أي زيادة في أسعار الأدوية، بما أنها تُحدد  بواسطة وزارة الصحة العامة عبر لائحة أسعار معروفة، ويمكن مراجعتها والتبليغ عن أي تلاعب بالأسعار والتقدم بشكوى. 
في مسار متصل، ثمة إشكالية اخرى تتمثل بخروج مجموعة من الصيدليات عن الخدمة في مناطق معينة من لبنان مثل الجنوب والضاحية والبقاع. وفي تصريحاته، دعا سلوم إلى الحفاظ على هذا المخزون ونقله إلى مناطق آمنة للاستفادة منه.

في المقابل، يرى غريّب أن مخزون تلك الصيدليات المعنية لا يزيد عن 10 في المئة من المخزون العام، وكذلك فإن استهلاك بعض المناطق لا يشكّل  نسبة كبيرة من الاستهلاك العام في البلد. وكذلك يوضح سلوم، في حديث مع" النهار" أن مخزون هذه الصيدليات ملك لأصحابها، والمطلوب تأمين طريق آمن لهم لنقل مخزون الأدوية دون التعرض لخطر القصف في المناطق المتضررة والتي تتعرض لقصف متواصل. وكذلك أكّد سلوم أن هذه الصيدليات تشكل نحو ربع صيدليات لبنان، وبالتالي خروجها عن الخدمة مسألة لا يمكن الاستهانة بها، ولا بد من الحرص على مخزونها. وأضاف: "يتمثل همنا الأساسي بألا ينقطع الدواء عن المواطنين. وهناك أهميةلنقل مخزون الصيدليات التي خرجت عن الخدمة إلى مناطق أخرى للاستفادة منها.

ويُشار أيضاً إلى أن 80 في المئة من الأدوية متوافرة بالفعل في لبنان ولا مشكلة بشأنها. وضمن الأدوية غير المتوفرة أنواع كانت مقطوعة في السابق، وبعضها انقطع بشكل مستجد. ومن الضروري الحرص على تأمين الأدوية بمعدلات كبرى في المناطق التي تركز النزوح فيها حتى لا تواجه مشكلة انقطاع، بما أن الطلب زاد فيها.
واستكمالاً، تشرف وزارة الصحة على توزيع الأدوية التي وصلت  كمساعدات من دول عدة، على مراكز الإيواء حصراً. وتصدر الوزارة تقريراً يومياً مفصلاً عن طرق توزيع هذه المساعدات على مختلف المراكز والمناطق. ويشير سلوم أيضاً إلى وجود صيادلة متطوعين في مراكز الإيواء.
هناك تطمينات من الجهات المعنية بشأن الأدوية، خصوصاً بوجود المساعدات، ما يبعد تأثير الحرب وحركة النزوح الكثيفة في المستقبل القريب. وبالتالي، ما من أزمة مرتقبة إلا في حال توقف حركة المرافق الجوية والبحرية، لأن ذلك سيؤثر بشكل مباشر على حركة شحن واستيراد الأدوية ويؤدي حكماً إلى انقطاع الأدوية نتيجة الشح واستهلاك المخزون.