المصدر: الأخبار
السبت 17 نيسان 2021 08:17:42
"الموسيقيون لا يتقاعدون. يتوقفون حين لا يعود هناك مزيد من الموسيقى فيهم"، بحسب مقولة شهيرة لعازف الجاز الأسطوري الأميركي لويس أرمسترونغ... وأيضاً حين تنهار العملة ولا يعود لديهم ما يأكلونه، بحسب الواقع اللبناني.
«قطاع الموسيقى» من بين القطاعات التي ضربتها الأزمة الاقتصادية ورمتها في هاوية الانهيار، حتى أصبح كثيرون من «أهل المهنة» يعيشون على «كراتين الإعاشة». فـ«منذ سنة ونصف سنة نعيش في وضع مزر»، يقول نقيب محترفي الموسيقى والغناء في لبنان فريد بو سعيد، لافتاً إلى «أننا كنا أول من تضرر من الأزمة الاقتصاديّة وفيروس كورونا، ونحن آخر من يفترض أن نعود إلى عملنا بشكل طبيعي». مئات الموسيقيين والمغنين يعيشون اليوم على الإعانات، إذ «عملنا في النقابة على فرز المنتسبين بين من يملكون وظيفة ثابتة في الكونسرفاتوار أو التعليم أو غيرهما ومن لا يملكون مدخولاً ثابتاً ويصعب عليهم تأمين قوتهم إذا انقطعوا عن العمل. الفئة الثانية تضم 500 موسيقي ومغنّ، أمّنا لهم حصصاً غذائية وأدوية، إضافة إلى المساعدة (للأسر الأكثر فقراً) بقيمة 400 ألف ليرة التي أقرتها الحكومة».
الأزمة انسحبت أيضاً على المدارس والمعاهد ومحال بيع الآلات الموسيقية. أعداد الطلاب المسجلين في المعهد الوطني العالي للموسيقى (الكونسرفاتوار) شهدت تراجعاً ملحوظاً، والأمر نفسه سُجّل أيضاً في كثير من المدارس الموسيقية، في ظل غلاء أسعار الآلات الموسيقية وارتفاع كلفة صيانتها وإصلاحها. ويؤكّد أصحاب متاجر للأدوات الموسيقية (التي لا تزال تعمل) تراجع المبيعات بأكثر من 80%.
«هل يعقل، مثلاً، أن أطلب أكثر من 200 مليون ليرة ثمناً لبيانو؟ حتى لو كان السعر دقيقاً، لكنك تشعر بأن الأمر خيالي. لذلك، وجدت أن من الأنسب أن أسكّر». يقول عبدو بيلوني الذي قرّر قبل شهرين إقفال متجره للأدوات الموسيقية «بسبب كورونا والأزمة الاقتصاديّة وتدهور القدرة الشرائية للناس وعدم قدرتنا على شراء آلات جديدة طالما أن أموالنا محجوزة في المصارف». فضلاً عن «تذاكي بعض الزبائن الذين قبلنا أن نقسّط لهم الأدوات الموسيقية، وخصوصاً الثمينة منها كالبيانو الكبير الذي يتخطّى سعره 17 ألف دولار، وبقوا بعد انهيار سعر صرف العملة يسددون بالليرة ما عرّضنا لخسائر كبيرة».
الفرع الرئيسي لشركة «موزار شاهين» العريقة في مجال بيع الأدوات الموسيقية أقفل أبوابه قبل نحو شهر بعد أكثر من نصف قرن على تأسيسه. شانت باجاكيان، مدير العمليات في الشركة، يوضح أنه الى جانب إغلاق فرع الأشرفية، «اضطرت الشركة منذ عامين إلى إغلاق فرعين آخرين من أصل فروعها الأربعة ولم يعد هناك سوى فرع واحد. كما فرض فيروس كورونا علينا إغلاق مدرستين لتعليم الموسيقى كانتا تضمّان أكثر من 1000 تلميذ وتلميذة».
عملياً، كل الآلات الموسيقية مسعّرة بالدولار, إذ إن الغالبية الكاسحة من هذه الأدوات مستوردة. يوضح باجاكيان أن أرخص غيتار بسعر 100 دولار، يساوي اليوم 1.2 مليون ليرة بدل 150 ألفاً. وحتى القطع الأساسية التي لا غنى عنها للعزف، أصبح سعرها يفوق سعر الغيتار حسب سعر الصرف الرسمي! مثلاً، طقم الأوتار الجيد لا يقل سعره عن 15 دولاراً، أي 180 ألف ليرة. وهذه تحتاج إلى تبديل مستمر بحسب معدل استهلاكها، قد يصل إلى مرة كل شهر كحد أقصى وأحياناً كل أسبوعين للعازفين المحترفين، وهو ما يدفع الغالبية إلى تأجيل تغييرها كل 6 أشهر أو حتى تتقطّع نهائياً!
أما ما يُصنّع من الآلات محلياً، وتحديداً الشرقية منها، فتحتاج لتصنيعها إلى مواد أوليّة وآلات تستورد بالكامل. صانع الأعواد حسن عمار يلفت الى أن «أحسن عود ثمنه 250 دولاراً كانت تساوي 375 ألف ليرة، وزادت اليوم الى أكثر من 3 ملايين ليرة»، مشيراً الى أن كل المواد والأدوات المستخدمة في تصنيعه مستوردة. «تخيّل أن طقم الأوتار الصيني الذي لا نستخدمه يزيد سعره على 8 دولارات أي حوالى 100 ألف ليرة!». أثّر ذلك على هذه الحرفة بشكل كبير، إذ «كنا نصنع 25 إلى 30 عوداً كل شهر ونصف شهر أو كل شهرين. حالياً، لا نصنع أكثر من عودين أو ثلاثة وحسب الطلب».
طلاب الموسيقى ومعلّموها، أيضاً، بين أكثر المتضرّرين من الأزمة. «انقطاع الطلاب عن الدراسة والتدرب يفقدهم الكثير من مواهبهم وحماستهم واندفاعهم بما يصعب تعويضه مع الزمن» بحسب المؤلف الموسيقي رمزي بو كامل. كما «أثّرت الظروف الاقتصاديّة الكارثية بشكل كبير في حياة معلّمي الموسيقى، وخصوصاً المتفرغين للتعليم. كنا نتقاضى بدل الساعة 50 دولاراً، أي 75 ألف ليرة، حالياً نطلب 50 ألف ليرة فقط، أي حوالى 4 دولارات».
مسار لن يقود إلا إلى «مزيد من الانحدار الفني والتراجع في نوعية الموسيقى والغناء في لبنان» وفقاً للمغنية المحترفة كريستينا حداد. فـ«كثيرون من المغنّين المتمرّسين بدأوا بالرحيل والبقية ينتظرون الفرصة، ما يترك الساحة خالية للمبتدئين، المظلومين لأنهم لن يجدوا من يساعدهم في تطوير أدائهم وصقل موهبتهم». ولفتت الى أن معظم المطاعم والحانات والملاهي تحاول أن تخفض الكلفة قدر المستطاع، ومشهد المغني مع فرقة موسيقية أصبح ترفاً من الماضي.