مخالفة دستورية في عدم استمرار جلسات الانتخاب الرئاسية

​من الواضح، والمؤكد، أن الجدل الدستوري بشأن دستورية ان تتولى الحكومة المستقيلة صلاحيات رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ، المنتهية ولايته الدستورية منذ الاول من شهر تشرين الثاني 2022 الجاري ، سيبقى سيد الساحة السياسية اللبنانية ، وشاغل أفكار عدد لا بأس به من الناس داخل لبنان وخارجه. وستبقى الاجتهادات والتفسيرات تهطل على اللبنانيين  " كوابل من سجيّل" دعما" لرأي هذا الفريق وتسفيها" لرأي الفريق الآخر.

​والملاحظ أن الآراء ، كلها ، تتمحور حول ثلاث مواد من الدستور تتحدث عن نصاب الجلسات وخلو سدة الرئاسة  الاولى، لأي علة كانت ، وعن دستورية ان تمارس الحكومة الميقاتية، صلاحيات رئيس الجمهورية، وكالة" ، الى حين انتخاب رئيس جديد. وتبرز المواد 32 و62 و64 من الدستور في طليعة اهتمامات المجتهدين والشارحين الدستوريين لتغليب رأي على آخر في هذه المعمعة الجدلية.

​وفي قراءة هادئة ، عقلانية ، غير متحيزة أو منحازة لأي جهة سياسية ، يظهر أن المادة 34 من الدستور جزمت بأن  "لا يكون اجتماع المجلس (النيابي) قانونيا"ما لم تحضره الاكثرية من الاعضاء الذين يؤلفونه وتتخذ القرارات بغالبية الاصوات .." وبالاستناد الى هذا النص قال رئيس المجلس نبيه بري  "تصوروا ان يُنتخب رئيس جمهورية ب 33 صوتا" .." وهو محق في قوله لو لم يكن تفسيره لهذه المادة منقوضا" بنص المادة 49 القائلة " يُنتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الاولى ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي... " فالنص هنا لم يقل "بغالبية الاصوات" كما هو في المادة 34 بل قال بالاغلبية المطلقة التي هي نصف عدد اعضاء مجلس النواب وبزيادة نائب واحد. أي أن هذه الاغلبية المطلقة هي في المجلس الحالي 65 صوتا"وليست 33 صوتا". مع الملاحظة  ان المادة 34 هذه قالت بسقوط أي مشروع تتعادل الاصوات بشأنه ولم تجعل صوت رئيس المجلس مُرجِّحا" كما في حالات أخرى.

​أما اللجوء الى الدعوة لعقد جلسات متتالية لانتخاب رئيس الجمهورية ، كما هو حاصل راهنا" ، فهو مخالفة دستورية واضحة للفقرة الثانية من المادة 49 من الدستور التي تقول "يُنتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السرّي بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الاولى ويُكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي.." فالنص يتحدث عن "دورات" وليس عن "جلسات" ما يعني ان الدورات تتم في الجلسة عينها كما جرى عند انتخاب رئيس المجلس نفسه بعيد الانتخابات النيابية وليس في جلسة عقدت مجددا" بعد رفع الجلسة الاولى بذريعة فقدان النصاب.

​ان اقتناع النواب بأن دورات الانتخاب ستتوالى في الجلسة عينها التي اجريت فيها الدورة الاولى سيفرض عليهم البقاء في القاعة والمشاركة في الانتخاب مهما تعددت الدورات إنفاذا" لما نصت عليه المادة 49 من الدستور. ولو بقيت صلاحية تفسير الدستور من اختصاص المجلس الدستوري، كما تقرر في "اتفاق الطائف" ، ولم يأخذها النواب لانفسهم ثم تنازاوا عنها لرئيس المجلس وحده لما كان هناك مجال لهذه الاجتهادات الدستورية المتضاربة ولوجد رئيس المجلس نفسه ملزما" بابقاء جلسة الانتخاب مفتوحة لاجراء الدورات الانتخابية حتى ينال احد المرشحين 65 صوتا" تمثل الاغلبية المطلقة للمجلس المؤلف من 128 نائبا". 

​وفقدان النصاب ، هذا، يقود الى التساؤل هل أُلغي مبدأ الانتخاب في لبنان حتى صار التوافق هو القاعدة و هو الدستور؟ وكيف يكون النظام اللبناني ديموقراطيا" بدون ممارسة الانتخاب الذي هو أساس النظام الديموقراطي؟ لقد عايشت شخصيا" الحياة السياسية في لبنان منذ العام 1943 وبدأت عملي الصحافي في العام 1952 مندوبا" برلمانيا" ولم أشهد مثل هذا الواقع السياسي السوريالي الذي يعمه فيه لبنان هذه الايام