"مزّق شهادتي وحرمني من المال والطعام"... حياة تروي مأساة زواجها: رحلت لكي أعيش

كتبت ايسامار لطيف في النهار:

 

مجتمعنا ذكوري للغاية في ما يتعلق بقضايا العنف ضدّ المرأة، والكارثة الكبرى تكمن في اعتبار بعض النساء أنواع العنف مشروعة من الزوج، لا بل هي أحد حقوقه عليها، وما أدراكم ماذا يحصل بين الزوجين بعد إقفال الباب عليهما.

 

عادة ما يرى المجتمع أنّ العنف ضدّ المرأة يتخذ شكلاً واحداً وحسب، وهو الضرب أو الاعتداء الجسديّ، فهل سمعتم عن رجل يُعنّف زوجته اقتصادياً لدرجة البكاء من الجوع و"القلّة" ليلاً؟

 

"أحببته رغم عيوبه ظنّاً منّي أن الحب كفيل بتغييره، ولكنني أعيش في كابوس لا يُصدّق"، بهذه الكلمات عبّرت السيّدة حياة إبراهيم (32 عاماً) عن حياتها الزوجية مع الرجل الذي تزوجته بعد قصة عشق وهُيام دامت 3 سنوات، لتكتشف لاحقاً أن "الحب وحده لا يكفي لبناء أسرة وإنجاب أطفال".

 

درست حياة الأدب الفرنسيّ في الجامعة اللبنانيّة، وكانت تحلم بزيارة مدينة الحب الباريسيّة مع زوجها ذات يوم أو حتّى الذهاب إلى هناك للعمل، ولا سيّما أن رواتب الأساتذة مرتفعة في أوروبا، غير أنّها لم تكن تعلم أن شهادتها ستُحبس في إطار زجاجي على حائط الصالون، وأن أحلامها المهنية ستبقى في خيالها فقط بعدما رفض زوجها رفضاً قاطعاً السماح لها بالعمل أو استكمال دراستها تحت شعار "مكان المرأة بيت زوجها ولن أجعلك تحتاجين إلى أيّ شيء... ثقي بي"!

 

تروي حياة لـ"النهار" لحظات انكسارها وصمتها خشيةً من كلام المجتمع أو نظرته إليها إذا قرّرت الطلاق أو الانفصال عن زوجها، "كنت أتمنّى أحياناً أن يصفعني لأن ما يقوم به كان أقسى من الضرب وأشدّ إيلاماً، فتخيّلوا أنّه مزّق شهادتي الجامعية، قائلاً: هالكرتونة انسيها، شو يعني رح تغنينا؟... خلص تعلمتي برافو منعرفك فهمانة ما في داعي تكبّريها".

 

لياليَ قاسية عاشت حياة في زواجها، فالحب الكبير الذي آمنت به تحوّل إلى امتلاك وطغيان، ومن ثمّ إلى عنف نفسيّ واقتصاديّ. "منعني من الخروج من المنزل في أغلب الأوقات، والسماح لي بالعمل، مع العلم بأن ظروفنا المعيشية تراجعت ولا سيّما خلال فترة الحجر الصحيّ وكورونا، وفوق كل هذا لم يكن يعطيني المال لشراء حاجات البيت أو الطعام، أو حتّى لشراء فستان أو قلم حمرة. أحياناً أفكّر بيني وبين نفسي، هل يفعل كل ذلك عمداً لكي أبقى إلى جانبه؟ هل يحاول تقييدي بدافع الحب والغيرة أو الخوف الزائد؟ ولكن سرعان ما أعود إلى حقيقتي المؤلمة وأتذكّر أن الطيبة الزائدة وتبريري الدائم له كانا السبب في حالتي هذه... يكفي".

 

في 9 نيسان 2021، انتفضت حياة على زوجها وحزمت حقائبها لمغادرة المنزل، فإذا به يقف أمامها ممانعاً، واعداً إيّاها بالتغيير.

 

"صدّقته، فكان ينظر إليّ تماماً كأيّام خطوبتنا، فأنا أؤمن بأن كلّ إنسان يُخطئ، والمحبّ لا يقسو أو يتخلّى بسهولة، ظننت أنها فرصتي لتحقيق أحلامي مع زوجي وحبيبي الذي رسمته في عقلي بعيداً عن حقيقته الواضحة أمامي... يا لغبائي"، تقول حياة.

 

المعنّف عادة يتميّز بالذكاء الاحتياليّ، أو بمعنى أصحّ الذكاء الماكر، الذي يجعله يفعل أيّ شيء لتُصدّقه الضحيّة، ثمّ يعود ليكشف عن وجهه الحقيقيّ، فهدفه الأسمى إشباع غرائزه وتغذيتها على حساب فريسته. بالنسبة إلى زوج حياة، لا شكّ في أنّه أحبّها حباً شديداً، ولكنه أحبّ نفسه أكثر، فعوضاً عن حمايتها ودعم طموحاتها، كسرها ودمّرها واحتال عليها ليُمارس تعنيفه بطرق مختلفة كحرمانها من المال والعمل وأحياناً الطعام.

 

"في الفترة الأولى، حاول أن يظهر أمامي وكأنّه تغيّر، ولكن ثمّة أمور صغيرة بين الزوج والزوجة تفضح المستور، وما كنت أخشاه حصل، فعاد زوجي إلى حقيقته ولكن هذه المرة مع تحديث جديد، وكأن تعنيفه لي ليس كافياً، فضربني، وهذه كانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير، فانتظرته حتّى ذهب إلى العمل في اليوم الثاني، ورحلت... دون أن ألتفت ورائي أو أن أهتم لرأي أهلي الذين عارضوا فكرة انفصالي لأنني امرأة والمجتمع لا يرحم... ذهبت لأنني تحمّلت كثيراً وهو تمادى أكثر، فلا حبّي نفع ولا مسامحتي له، ولن أقبل بأن ينتهي الأمر بي جثة ملقاة على الأرض كغيري من النساء، حينها لن ينفعني المجتمع ولا رأي أحد، لأنني سأكون وحدي في تابوت خشبيّ وهم سيقولون: حرام بعدا صبيّة، ما بتستاهل".

 

في سياق متصل، تُفيد جمعية "كفى" التي تُعنى بقضايا العنف ضدّ المرأة لـ"النهار" بأن "حالات العنف بأنواعها المختلفة ارتفعت مؤخراً خصوصاً خلال الشهرين الماضيَين، في ظل تراجع عدد الإخبارات في الفترة الأخيرة ممّا يُشير إلى أن الناس فقدوا الأمل بالحصول على نتيجة إذا لجأوا إلى القضاء، ولا سيّما في ظلّ اعتكاف القضاة وصعوبة المضيّ بالإجراءات القانونية من جرّائه".

 

وتكشف "كفى" أنّه في شهر حزيران الماضي، بلغت نسبة النساء المعنّفات من قبل أزواجهن 93 في المئة من مجمل عدد النساء اللواتي لجأن الى "كفى"، حيث 39 في المئة منهن في جبل لبنان، 31 في المئة في بيروت، 42 في المئة في البقاع و14 في المئة في الشمال، وهذه الأرقام فعلياً كارثية.

 

بالأرقام، تلقّت "كفى" من تاريخ 1\9\2022 حتّى 16\9\2022 23 حالة طارئة من شكاوى العنف الأسري من جرّاء الضرب والإيذاء، والاعتداء الجنسيّ إضافة إلى طلبات الحماية ومراكز الإيواء، فيما سُجّلت 4 إخبارات من تاريخ 5\9\2022 حتّى 16 أيلول الجاري، بحق أزواج اعتدوا على زوجاتهنّ من بينها 3 حالات في جبل لبنان.

 

كيف يُفسّر علم النفس ظاهرة العنف الاقتصاديّ والنفسيّ؟

 

لا تزال فكرة العنف ضدّ النساء تُعدّ من "التابوهات" التي لا يجوز المسّ بها ولا سيّما عند الحديث عن علاقة الزوج بزوجته، لأن البعض يعتبرها من الخصوصيات الفردية التي يُفسّرها كل أحد على هواه بعيداً عن واقعها الحقيقيّ. أمّا بالنسبة لعلم النفس، فتؤكّد الاختصاصية غيتا الحايك لـ"النهار" أن "المعنّف الاقتصادي لا يختلف عن المعنف الجسديّ أو المغتصب إذ قد يتحوّل عنفه إلى أيّ نوع آخر وفقاً لحالته الاجتماعيّة وصحّته النفسيّة والعقلية والضغوط التي يُعاني منها".

 

وتشرح في سياق كلامها أن "الضحيّة عادة ما تضيع ولا تعرف كيفية التصرّف في مثل هذه الحالات لأنها ليست شائعة ولا يوجد توعية كافية حولها، وهنا تكمن خطورتها".

 

على الصعيد الزوجي أو العائليّ، ترى الحايك أن "فيروس كورونا والظروف الاقتصادية الراهنة فاقمت الأمر سوءاً في لبنان تحديداً، فأصبحنا نسمع كثيراً عن حالات مشابهة بعضها ينتهي بالطلاق أو الانفصال فيما البعض الآخر لا يزال يُعاني إمّا لجهة عدم قدرة الزوجة على اتخاذ قرار الاستقلال عن زوجها أو لخوفها من كلام المجتمع ونظرته إليها، وخاصة إن كانت آتية من بيئة محافظة"، مشدّدة على "ضرورة نشر التوعية بين النساء في هذا الإطار وتشجيعهن على التحدّث وتقديم البلاغ القانونيّ عند الضرورة، أو اللجوء للمساعدة النفسيّة قبل فوات الأوان".

 

تشكل تجربة حياة نموذجاً لمعاناة عشرات السيدات اللاتي يعانين التهميش والتعنيف في الأصل، وجاءت الأزمة الاقتصادية الراهنة لتعمّق معاناتهن. فهؤلاء يواجهن تدخلاً زوجياً أو عائلياً حتّى، يتعرّضهن لخطر أكبر وأكثر خطورة مستقبلاً إن لم تتمّ المعالجة بالطرق الصحيّة السليمة.