مستغلاً غياب الرئيس… برّي يفاوض متناسياً الدستور

تثير المفاوضات الحالية التي يقودها رئيس مجلس النواب نبيه بري بشأن اتفاق وقف إطلاق النار بين "حزب الله" وإسرائيل، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية اللبنانية.

وتعتبر مصادر معارضة عبر "نداء الوطن" أن هناك خروقات دستورية وميثاقية، حيث أن صلاحيات التفاوض تعود دستورياً لرئيس الجمهورية أو للحكومة مجتمعة في حال الشغور الرئاسي، وليس لرئيس مجلس النواب.

وترى هذه المصادر أن غياب رئيس الجمهورية يتيح لبري مساحة للهيمنة على القرار السياسيّ من دون رقابة أو محاسبة، ما يعزز دوره على حساب المؤسسات الدستورية القائمة. كما تشير إلى أن هذه المفاوضات تقام عملياً بين حزب الله، الذي يمثل أجندة إيران، وإسرائيل، بعيداً من مشاركة الدولة اللبنانية أو القوى السيادية التي تطالب بتطبيق القرارات الدولية مثل القرار 1701 والقرار 1559 لحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وحدها والقرار 1680.

صادر: المفاوضات ليست بين الدولة اللبنانية وإسرائيل

الرئيس السابق لمجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر أوضح من جهته أن "الدستور اللبناني ينصّ على أن رئيس الجمهورية هو من يتولى التفاوض بشأن المعاهدات الدولية".

وقال لـ"نداء الوطن": "في ظل الشغور الرئاسي، من المفترض أن تنتقل صلاحيات الرئيس إلى الحكومة مجتمعة، ولكن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال، ما يعقّد الأمور خصوصاً في ظل الحرب القائمة".

أضاف: "المفاوضات التي شهدناها مؤخراً لم تكن بين الدولة اللبنانية وإسرائيل، بل بين إسرائيل وحزب الله، حيث فوّض الأخير الرئيس بري التفاوض مع الجانب الأميركي". وأكد أن أي اتفاق يتم التوصل إليه يجب أن يُعرض على مجلس النواب للتصديق عليه، بغض النظر عن أسبابه أو مضمونه.

وعن مقارنة الوضع الحالي بأحداث العام 2006، أشار صادر إلى أن "الحكومة آنذاك كانت أصيلة وغير مستقيلة، وتولى الرئيس فؤاد السنيورة التفاوض مع مجلس الأمن لإيقاف الحرب، ما أفضى إلى صدور القرار 1701". أما اليوم، فالوضع مختلف لأن حكومة تصريف الأعمال غير مؤهلة دستورياً للقيام بهذا الدور، مما يجعل بري يتولى المهمة استثنائياً، كما وصف الأمر قائلاً: "يا عنتر مين عنترك؟ عنترت وما حدا وقفني".

وختم صادر بالتشديد على أن "دور مجلس النواب يقتصر على إعطاء صفة النفاذ لأي قرار يتم اتخاذه في هذه المبادرات، ولا يمكن أن يتولى صلاحيات التفاوض".

زغريني: مفاوضات بري غير دستورية

بدورها، أوضحت عضو نقابة المحامين في بيروت مايا زغريني أن "الدستور اللبناني، وفق المادتين 52 و65، يحدد أن رئيس الجمهورية هو المسؤول عن إجراء المفاوضات باسم الدولة اللبنانية وتوقيع المعاهدات الدولية، والدولة وحدها هي صاحبة القرار بالحرب أو السلم".

أضافت: "ما يحدث اليوم أن بري لا يفاوض باسم الدولة اللبنانية، بل باسم الجهة التي اتخذت قرار الحرب، وهي حزب الله ومن خلفه إيران. لذلك، هذه المفاوضات غير دستورية وغير قانونية، وهي غير ملزمة للدولة اللبنانية".

وأكدت زغريني أن "الحلّ الوحيد يكمن في انتخاب رئيس جديد للجمهورية ليتولى التفاوض باسم لبنان بشكل دستوري، لأن صلاحية التفاوض وتوقيع المعاهدات لا تنتقل للحكومة أو أي جهة أخرى في ظل الشغور".

وعن مقارنة الوضع بأحداث 2006، أوضحت أن "الحكومة الحالية، بصفتها حكومة تصريف أعمال، منقوصة الصلاحيات وغير قادرة على تحمل هذا النوع من المسؤوليات".

المفاوضات في ملعب تل أبيب

ومع انتهاء المفاوضات على الجانب اللبناني، بات الكرة الآن في ملعب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي سيجتمع اليوم الخميس مع المبعوث الأميركي آموس هوكستين لبحث الاقتراحات المطروحة.

لكن ورغم الظروف الأمنية التي تواجهها إسرائيل، لا تزال مؤسساتها الدستورية فاعلة، حيث تُتخذ القرارات ضمن إطار قانونيّ واضح، وفي المقابل، يسود في لبنان غياب الالتزام بالدستور، مع تغييب المؤسسات الرسمية لحساب مصالح فئوية.

إذاً، وبالمختصر تتزايد المخاوف من أن تؤدي هذه الممارسات إلى فرض أعراف سياسية ودستورية جديدة تخدم أجندات خارجية، ما يشكل تهديداً لمصلحة لبنان وسيادته على المدى الطويل.