مطار حزب الله جنوبًا.. "شاهد" على أهداف إسرائيلية أم تصعيد "لتقريش" اتفاقية ترسيم الحدود؟

بعد عامٍ على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي وقّعها لبنان الرسمي المُعيّن من قبل حزب الله، والتي اعترف من خلالها بدولة اسرائيل حيث حصدت الأخيرة ضماناتٍ أمنية لمنصّات الغاز في عرض بحرنا المسلوب بقوّة التنازلات، توازي هدنة تبدو طويلة الأمد، والإسرائيلي استطاع أن يأخذ من حزب الله بالسلم ما كان لبنانيًا في اتفاقية 17 أيار وسط الحرب. إلّا أن التقلّبات على مسرح الجنوب عسكريًا عادت إلى الواجهة خصوصًا بعد الاشتباكات الدائرة في مخيم عين الحلوة بين فتح والجماعات المدعومة إيرانيًا والمناهضة للسلطة الفلسطينية، بالتوازي مع اتّهام وزير الدفاع الإسرائيلي إيران بإنشاء مطار في جنوب لبنان لإتاحة شن هجمات على إسرائيل بطائراتٍ (من دون طيّار) مداها يلامس الـ 2000 كيلومتر. ترابط الأحداث وتزامنها يُنذران بالأسوأ بظلّ التهديد الإسرائيلي الدائم بإقامة عملية عسكرية خاطفة، فهل بات الخطر قريبًا؟

حزب الله يتبنى بطريقةٍ غير رسمية
لم يعترف حزب الله بشكلٍ رسمي ببناء مطار للمسيّرات على بعد 20 كيلومترًا من الحدود الجنوبية، وبعد ادّعاءات وزير الدفاع الإسرائيلي لم يصدر أي بيان نفي أو تأكيد عن "الحزب" بشأن حقيقة إنشاء هذا المطار، لكن قنواته غير الرسمية تحدثت عنه عبر موقع X من خلال صحافيين تابعين له، وكتب مراسل المنار علي شعيب عبر X: " بتسليط الضوء على "مطار" المقاومة في هذا التوقيت للتجييش على إيران وحزب الله في الخارج، عمليًا القيادة الصهيونية وضعت نفسها بمأزق إضافي أمام الجمهور الإسرائيلي وهي التي لم تخرج بعد من إحراج خيمة حزب الله. الخارج لن يستجيب والعدو العاجز عن إزالة خيمة لهو أعجز عن التعرض للمطار"، أمّا الصحافي جمال شعيب فأعاد نشر ما كتبه "علي" وأرفقها بـ " خيمة "المطار" أكبر.

مطارٌ إيراني جنوب لبنان.. هل يكون نقطة انطلاق مسيّرات شاهد الانتحارية و"بعيدة المدى"؟
اتّهم وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، إيران، الاثنين، بإنشاء مطار في جنوب لبنان، لإتاحة شن هجمات على إسرائيل، وقال الوزير خلال كلمة له في المؤتمر السنوي لمعهد سياسة مكافحة الإرهاب في جامعة رايخمان في هرتسليا: "أكشف هنا لأول مرة صورًا لمطار لأغراض إرهابية تبنيه إيران في قلعة جبور في جنوب لبنان يبعد 20 كيلومترًا عن الحدود الإسرائيلية، ويمكن رؤية العلم الإيراني في الصور (..) يخطط نظام آية الله للعمل ضد مواطني إسرائيل. بعبارة أخرى: الأرض لبنانية، والسيطرة إيرانية، والهدف إسرائيل". ووفقًا لرويترز إن المكان الذي ذكره يقع بالقرب من قرية بركة جبور ومدينة جزين اللبنانيتين، وتقعان على بعد نحو 20 كيلومترًا شمالي بلدة المطلة على الحدود مع إسرائيل.
العميد المتقاعد خليل الحلو اعتبر أن من واجبات الدولة والحكومة ووزير الدفاع التحرّك، وتوكيل القوى الأمنية والجيش اللبناني كشف حقيقة إقامة هكذا مطار للرأي العام، لأنه في حال بنائه يُشكّل خرقًا فاضحًا لقرار مجلس الأمن 1701.
الحلو وفي حديثٍ عبر  kataeb.org  قال: "في حال وجود مدرج لمسيّرات في جنوب لبنان، ووفقًا للصور المتداولة نرى أن هناك مدرجًا لطائرات مُسيّرة ومهبطًا لطوافاتٍ مُسيّرة أيضًا، وهناك أنواع عدّة من المسيّرات التي تعتمدها إيران، منها مُسيّرات إنتحارية على غرار "شاهد 136" والتي يستعملها الجيش الروسي في ضرباته في أوكرانيا، وهناك مُسيّرات استطلاع وهي بحاجة لمدرج كونها تطير لتنفيذ مُهمّة وتعود إلى مطارها".
وتابع الحلو: "لافتٌ إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت عن المطار الذي ساعدت إيران على إنشائه في جنوب لبنان على بعد 20 كيلومترًا من الحدود، خصوصًا أنّه جاء بعد حوالى 15 يومًا من إعلان الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي عن طائرة من دون طيّار تحت مُسمّى "مُهاجر – 10" التي باستطاعتها حمل صواريخ دقيقة ورؤوس حربية متقدّمة ويصل مداها إلى 2000 كيلومتر ناهيك عن قدرتها على الطيران لما يقارب الـ 24 ساعة متواصلة، وهي مستنسخة تقنيًا وتكنولوجيًا من الطائرة الأميركية (من دون طيّار) “MQ-9 Reaper” وذلك بعد إسقاط إيران لإحدى هذه الطائرات في الماضي القريب".
واستغرب الحلو بناء هكذا مطار بالقرب من الحدود الجنوبية بمسافةٍ تُقارب الـ 20 كيلومترًا كونه مكشوفًا عسكريًا ومُعرّضًا للاستهداف بطريقةٍ سهلة على حدّ وصفه، وقال: "في حال وجود هذا المطار باستطاعة الطيران الإسرائيلي قصفه من دون الحاجة إلى اختراق الأجواء اللبنانية، وعلى سبيل المثال تحدثت تقارير صحافية عام 2015 عن بناء مدرج للمسيّرات في منطقة الهرمل لاستخدامه من قبل حزب الله في انخراطه في الحرب السورية، الأمر المنطقي الذي يمكن تصديقه".
وشدّد الحلو على أنّه لا قوّة أو قدرة عسكرية لهكذا مطار على أرض الواقع، وفي حال وجوده يمكن تشبيهه بالخيم التي نصبها حزب الله في منطقة مزارع شبعا وذلك لإرسال رسائل جديدة وفق حديثه، وأضاف: "من الممكن أن تتذرع إسرائيل بالمطار المزعوم لتبرير عملية عسكرية لكن على أرض الواقع فلا حرب تلوح في الأفق، لأن كلا الطرفين لن يستفيدا من أي حربٍ مفتوحة وحزب الله لن تكون له القدرة على إعادة الإعمار في حال حدوثها، وإنّما من الممكن حدوث مناوشات لتعزيز الموقف الداخلي لكل من نتانياهو في إسرائيل، وتذرّع حزب الله بعدوان جديد للإبقاء على سلاحه، لكن يبقى هناك سيناريو بعيد من الواقع وهو بناء هذا المطار لنشر سلاح جديد قد يكون مجهولًا لدى الإسرائيليين، أو لنصب كمينٍ مُعيّن".
لكن مع احتدام الكباش السياسي الداخلي، وبالرغم من الترسانة العسكرية التي يتباهى بها حزب الله، ومع فشل فريقه السياسي في محور الممانعة بفرض مرشحه رئيسًا للجمهورية اللبنانية للمرّة الثانية على التوالي، فهل يكون هذا المطار رسالةً إلى الداخل العصي على سياسة الفرض هذه قبل الخارج؟

هي خطوة كبيرة لحصول حزب الله على طائرات من دون طيّار متطوّرة وبعيدة المدى إذًا، ونشرها بطريقةٍ يسهل ضربها بالقرب من الحدود الجنوبية في حال وجودها مستغرب أيضاً ولا يصبّ إلّا بخانة التهويل العسكري والتصعيد مُقابل خفض التصعيد (على الطريقة الروسية)، لكن تاريخ "الحزب" بالمغامرات غير المحسوبة حافل، فأمينه العام قال بعد حرب تموز 2006 "لو كنت أعلم لما فعلتها"، وإنّما ما يحصل اليوم قد يكون بعيدًا كل البعد عن الحرب المفتوحة، لكن لا بدّ من الإشارة إلى أن تنازل حزب الله عن الحدود البحرية في اتفاقية الترسيم العام الفائت لم يكن مُقابل "لا شيء"، فهل يستعرض "الحزب" بانتظار تنفيذ وعودٍ حصلت من تحت طاولة المفاوضات الرسمية بتسليمه زمام الأمور مرّةً لكلّ المرّات في لبنان؟