المصدر: النهار
الخميس 18 نيسان 2024 07:27:51
لطالما شكلت صناعة التأمين في لبنان طوال تاريخها وعملها مع المؤسسات والشركات عموماً، ومع الأفراد خصوصاً، ركناً من أركان الاستقرار والأمان الاجتماعي والاقتصادي، ورافداً مهماً لخزينة الدولة وسوق العمل اللبنانية.
نجاح اللبنانيين في الأعمال التأمينية أوصلهم إلى قيادة كبريات شركات التأمين العالمية والعربية، بيد أنه لم يشفع لهم محلياً، حيث القطاع يعاني كما أترابه من القطاعات الاقتصادية من الارتدادات الموجعة للانهيار النقدي والمالي، وكذلك غياب الدولة عن مواكبة حاجاته ومشاكله التي تقع أحياناً على تماس مباشر مع صحة المواطن وأمانه الاقتصادي.
تكشّفت الكثير من الثغرات في أداء قطاع التأمين بعد الانهيار النقدي، وزادت التجاوزات تحديداً بعد انفجار المرفأ، وإمعان بعض الشركات في ابتزاز المؤمّنين لديها، ووضع حملة البوالص أمام أمر واقع: إما القبول بتعويضات بـ"اللولار" أو انتظار انتهاء التحقيقات بالانفجار وصدور الأحكام النهائية. وهذا الأمر يعرف الجميع أنه لا ولن يحصل بسبب التعقيدات السياسية والقضائية التي ترافقها، فيما يعلم أهل الخبرة والقطاع أن الشركات كانت ستقبض جميع التعويضات من شركات إعادة التأمين في الخارج بالدولار "الفريش".
ولا تقتصر ممارسات شركات التأمين "المجحفة" على متضرري المرفأ وربط مصيرهم بمصير التحقيقات، بل تعدّتها إلى الكثير من محاولات التملص من واجباتها تجاه المؤمّنين، ومنها سداد مستحقات بوالص التأمين على الحياة باللولار، علماً بأن ثمة أكثر من 800 مليون دولار تستثمر في برنامج التأمين "الحياة". وفي السياق، شكا بعض الزبائن ممن يملكون بوالص "الحياة" من أن بعض شركات التأمين تتصل بهم للحصول على ما هو في ذمّتها من مال استثماري بـ"اللولار"، على خلفية أنها اتخذت قراراً بتعليق هذا الفرع الى حين معالجة الموضوع مع الجهات المعنية.
والمعروف أن غالبية الشركات تعمل على استثمار نصف أموال الزبائن في صناديق استثمارية في الخارج والنصف الآخر في لبنان (سندات اليوروبوندز). وإن كان الاستثمار في لبنان خسر مع انهيار أسعار السندات وتدهور سعر الصرف، بيد أن الاستثمار في صناديق أجنبية لم يخسر بما يعني أنها لم تخسر من قيمتها وفق ما تدّعي بعض الشركات.
وفيما أكثر من ملف بات اليوم أمام القضاء للبت بمسألة دولرة التعويضات على الحياة، يؤكد رئيس جمعية شركات التأمين في لبنان أسعد ميرزا أن كل المدفوعات متوقفة حالياً في انتظار معالجة الموضوع مع وزارة الاقتصاد. ويستغرب تصرّف بعض الشركات التي تصر على الدفع لزبائنها الذين يحبذون تصفية بوليصتهم باللولار، فيما يُفترض بالشركات التي استثمرت أموال زبائنها في الخارج أن تدفع لزبائنها بالـ"فريش دولار". ولكنه يستدرك بالقول "إن كان استثمار الشركة في لبنان، فقد أصابها ما أصاب الودائع في المصارف واليوروبوندز، علماً بأن قرار الاستثمار، إن كان في لبنان أو الخارج يعود الى الزبون، إذ إن بعضهم كان يفضّل استثمار أمواله في سندات اليوروبوندز على اعتبار أن الفائدة كانت مرتفعة. وأشار الى أن أموال الشركات المقدرة بنحو مليار و200 مليون دولار (بين سندات يوروبوندز وأموال كاش) محتجزة في المصارف، وتالياً فإن الشركات مقيّدة"، آملاً الوصول الى معالجة قريبة لملفّ التأمين.
وأمام تعنّت بعض الشركات في عدم التعامل بشفافية مع الزبائن، يؤكد ميرزا أنه ليس للجمعية أي سلطة على شركات التأمين، ولكن يمكن للزبون أن يشتكي لدى لجنة مراقبة هيئات الضمان في وزارة الاقتصاد.
مسؤولية لجنة مراقبة هيئات الضمان؟
يتطلب القطاع الكثير من العناية المركزة، فهو ضامن صحّي واستشفائي لعدد غير قليل من اللبنانيين وعائلاتهم، ومورد رزق لآلاف الموظفين والعمال، وكذلك عائد هام للمالية العامة، وليس من الحكمة في شيء أن يبقى ويستمر يعاني من بعض الفوضى غير المعتادة فيه، أو من بضعة طارئين على الصناعة الذين تغلب لديهم شراهة الربح على المهنية.
ويحتاج القطاع إلى تعديلات تواكب خدماته ونموّه، وتتماهى مع القوانين والمستجدات في الأسواق العالمية، فالتأمين عموماً ليس قطاعاً محلياً فحسب، بل يرتبط ارتباطاً وثيقاً مع مظلات التأمين الدولية، برغم لبنانية نشاطه وإدارته ورأسماله.
ويتطلع أهل القطاع الى ما ستؤول إليه الخطة التي سيضعها رئيس لجنة مراقبة هيئات الضمان بالإنابة نديم حداد الذي عُيّن حديثاً، والاجتماعات التي ستعقد معه، لعل القطاع يعود الى سابق عهده، وتحديداً معالجة ملف التأمين على الحياة.
وتؤكد مصادر في لجنة مراقبة هيئات الضمان لـ"النهار" أن أي بوليصة تلحظ استثماراً خارج لبنان، مهما يكن المبلغ، فإن الشركات ملزمة الدفع بالفريش دولار. ولكن الإشكالية الكبيرة تبقى في المبالغ المودعة في حسابات مصرفية في لبنان، هذه هي الكارثة الكبرى التي تقع فيها الشركات، والمواطن هو الخاسر.
وتقر المصادر بأن ثمة شركات استغلت الموضوع مع بدء الأزمة، فبدأت تتصل بالزبائن بغية التوصّل معهم الى تسوية عبر تسديد كامل المبلغ بـ"اللولار"، علماً بأن العام الماضي أصدر الوزير تعميماً للشركات لوقف هذه التسويات إلى حين إيجاد تسوية شاملة للمؤمّنين كافة.
وفيما بعض الشركات مستمرة باعتماد هذا الأسلوب، تؤكد المصادر أن ثمة زبائن يصرّون على الوصول الى تسوية مع الشركات على خلفية حاجتهم الى المال، ولكن يُمنع على الشركة أن تفرض على الزبائن إقفال البوليصة عبر تسوية ما"، مع الإشارة الى أن بعض الشركات توصلت الى تسويات مع زبائنها عبر إقناعهم بالاستمرار معها 3 أو 4 سنوات والدفع بالفريش ويحصلون في المقابل على كامل المبلغ المستحق بالفريش. وفي الانتظار، تؤكد المصادر أن اللجنة تعمل على معالجة معينة لملف الزبائن الذين يريدون تصفية مستحقاتهم مع الشركات التي اقترح بعضها أن تسدّد 20% فريش للزبائن، لكن اللجنة رفضت. وإذ أشارت المصادر الى أنه يجب الأخذ في الاعتبار أن ما يفوق المليار ونصف المليار لشركات التأمين عالقة في المصارف، أكدت أن العقود الجديدة شهدت إعادة صياغة بحيث أصبحت جميعها بالفريش دولار، حتى بوليصة التأمين الإلزامي التي كانت قبل الأزمة نحو 65 ألف ليرة تغطي لحدود 750 مليون ليرة، أي نصف مليون دولار، أما حالياً فأصبحت 35 دولاراً مع تغطية لحدود 400 ألف دولار فريش.
وإذ أكدت المصادر أن 70% من مشكلات قطاع التأمين تمت معالجتها، وعاد الوضع كما قبل خصوصاً مع بدء التعامل بالفريش، لفت الى أن الـ30% من المشكلات متعلقة بالتأمين على الحياة، علماً بأنه كان لدينا توجّه أن يصدر قرار بشأن بوالص الـlife أن نجبر الشركات على دفع نسبة معيّنة للزبائن، لكن المشكلة أن الشركات تلجأ للطعن عند مجلس الشورى الذي يكسر قرار الوزير، لذا نعمد إلى إيجاد تسوية معهم.
وذكّرت المصادر بقرار هيئة الأسواق المالية رقم 71/2021 المتعلق بالعملاء الذين يملكون محافظ أدوات مالية خارج لبنان، والذي عمّمته لجنة مراقبة هيئات الضمان على جميع شركات التأمين، حيث يوجب الإعلام المذكور على المؤسسات المالية إذا قرر العميل تصفية أدواته المالية الموجودة خارج لبنان، أن تقوم بتحويل صافي الأموال إلى حساب العميل بالأموال الجديدة أو الفريش داخل لبنان، أو إلى حساب له في الخارج وفقاً لطلبه.
مصادر عاملة في قطاع التأمين تؤكد أن بعض الشركات تستثمر نصف مبالغ المؤمّنين لديها بسندات الخزينة (يوروبوندز) والنصف الآخر في أدوات مالية في الخارج. وتالياً، إذا أراد الزبون وقف البوليصة، فإن الشركة تعمد الى دفع مستحقاته التي سددها قبل 2019 نصف المبلغ فريش والنصف الآخر "لولار". أما المبالغ التي دفعت بعد أزمة 2019 فلا يشملها هذا العرض، ويدفع باللولار لأن الشركة لم تستطع الاستثمار في الخارج.
أما الشركات التي لم تتعامل على هذا النحو وتصر على الدفع لزبائنها باللولار، فتستند الى العقد الموقع مع الزبون، إذ إن البعض فضّل استثمار أمواله في لبنان بسندات اليوروبوندز أو بصناديق لبنانية (Lebanon Account)، وتالياً فإن الاستثمار فيها خسر كلياً مع تدهور سعر صرف الليرة وأزمة الدولار في المصارف.