منظومة متكاملة وفِرَق تواصُل خفيّة فاتحة عا حسابا مع الصين من خارج إطار الدولة!

من سمح باتّخاذ قرار التفاوُض مع شركات صينية؟ وهل ان ذلك كلّه يتمّ بمعرفة الدولة اللّبنانية التامّة، وبعلمها الكامل بتفاصيل الأمور أو لا؟ وما هو موقف الحكومة اللّبنانية التي لم تتّفق بَعْد على قرار رسمي بالاتّجاه شرقاً؟ وماذا عن الرئاسة الأولى؟ وما هو موقفها من إمكانية تجاوز البعض الآليات الرسمية، في التعاطي مع شركات صينية؟

فبحسب بعض ما يتمّ تداوله، نسمع عن شركات صينية، بالإسم، تتحضّر للتواصُل مع الجانب اللّبناني، في وقت قريب جدّاً، وفي مجالات عدّة. وبغضّ النّظر عن المسار الذي ستسلكه الأمور في هذا الإطار، إلا أن ما يُنشَر ويُتداوَل، يُظهِر في بعض جوانبه أن جهات معيّنة "فاتحة على حسابها" مع الجانب الصّيني، من خارج الأُطُر الرسمية للدّولة، لأن الحكومة لم تتّخذ أي قرار رسمي يؤكّد المضيّ نحو الصّين أو روسيا.

 

"فِرَق خفيّة

وبالتالي، كيف يُسمَح للبعض بفتح خطوط تواصُل مع الصّينيّين؟ ومن سمح لهم؟ وهل انهم يفعلون ذلك في شكل لا يستفرد بالقرار الاقتصادي للدّولة اللّبنانية، وبسيادتها المالية؟ وما هي حقائق ما يبدو أنها "فِرَق تواصُل" خفيّة، تتشكّل للتنسيق والتواصُل مع الصّينيّين، من دون العودة الى الحكومة؟ ومن يحدّد الحدود التي يُمكن لهذا البعض أن يرسمها لنفسه، في حديثه مع القطاع الخاص في الصين؟

فلا بدّ من شرح ملابسات أي محادثات تحصل مع بكين حالياً، ومهما كان نوعها، للّبنانيين، بوضوح تامّ، وذلك حتى ولو كانت تحصل على مستوى القطاع الخاصّ، في شكل يُمكنه أن يكون عادياً ومشروعاً بالفعل.

فـ "من الآخر"، لا بدّ لنا من معرفة من يُفاوض القطاع الخاص الصيني؟ ولماذا؟ ومن يقف خلفه؟ لأسباب سياسية أولاً وأخيراً. فالثّقة شبه معدومة بين اللّبنانيّين، ولا نريد اقتصاداً جديداً وملتبساً، بعلاقات مُبهَمَة، لم نعرف من رسمه ولماذا، وما هو مداه الحقيقي، إلا بعد تكريسه كأمر واقع.

هذه الوقائع كلّها تشكّل مادّة لمتابعة سريعة، بمعزل عن نتائجها الإقتصادية والمالية المُمكنة أو غير المُمكنة، المفيدة أو غير المفيدة للدّولة اللّبنانية. والأهمّ هو الحفاظ على قرار مالي واقتصادي موحّد، للدّولة اللبنانية، على المستوى الاستراتيجي، لا التقني فقط.

 

متحفّظة

لفت الوزير السابق فارس بويز الى "أنني كنتُ أول من اقترح على جمهورية الصين الشعبية عام 1992، عندما قمتُ بزيارة رسمية إليها، كوزير للخارجية في الحكومة اللّبنانية آنذاك، اعتماد لبنان كممرّ اقتصادي لتجارتها باتّجاه الدول العربية، وكمستودع كبير لبضائعها في طريق تصديرها الى باقي الدول، نظراً الى موقعه الجغرافي، والتسهيلات المصرفية الموجودة فيه، في ذلك الوقت".

وأشار في حديث الى وكالة "أخبار اليوم" الى أن "السنوات مرّت في ما بَعْد، وكرّرتُ هذا الطرح مراراً خلال لقاءاتي مع المسؤولين الصينيّين في الخارج، ولم يحصل أي شيء من هذا حتى الساعة. وهذه ليست صدفة، وذلك لأن الصين الشعبية، وإن كانت أصبحت جبّاراً إقتصادياً كبيراً اليوم، إلا أنها لم تسلك طريق القيادة الإقتصادية أو السياسية العالمية بَعْد".

وأضاف:"الصين من أكبر الدول المُصنّعة والمُصدّرة، وربما تتجاوز الولايات المتحدة الأميركية في هذا الإطار، خلال السنوات العشر القادمة، بحسب بعض التقارير. ولكن هذا غير كافٍ لوحده للتعويل على علاقات إقتصادية للبنان معها. فهذا الأمر يحتاج الى قرار سياسي من قِبَلها، بالتوسُّع في العالم، على المستوى الإقتصادي. وأعتقد أنها لم تتّخذ هذا القرار حتى الساعة. وهي لا تزال متحفّظة على إنشاء علاقات توسّعية واستثنائية مع الدول، على سبيل القرار الاستراتيجي".

 

محصور بالحكومة

ورأى أن "من مصلحة لبنان أن يحصل ذلك، لأنه يمرّ بأزمة كبيرة، وعليه ان يدرس كل الطرق التي تمكّنه من تجاوزها. ولكن لا شعور بأن الصين مهتمّة بلبنان في شكل خاص واستثنائي في الوقت الراهن. فهي تهتمّ بتأمين حاجاتها النفطية في العالم، في شكل أساسي، وتتعامل مع الملف الإقتصادي والتجاري التبادُلي بمعايير عادية جداً، وليس بمعايير إستثنائية تجعلها تؤسّس كيانات إستثنائية في دول معيّنة".

وردّاً على سؤال حول وجوب حصر أي تعاطٍ مع بكين، بالدولة اللّبنانية، وعدم جعله ضمن أُطُر خاصّة، حتى ولو تمّ التواصُل على مستوى القطاع الخاصّ، أجاب بويز:"يتوجّب على الحكومة أن تدرس هي كلّ الاحتمالات، وأن تنظر الى مصالح البلد، والى إمكانية الانفتاح على الصين الآن، ولا سيّما على مستوى اعتمادها لبنان كمستودع ضخم أو قاعدة تصدير لها، لدول أخرى في المنطقة والعالم، وذلك رغم أن لا شعور واضحاً بأن بكين مهتمّة في الظروف الراهنة، بتأسيس علاقة مستقبلية استراتيجية وتأسيسية مع لبنان، على المستويَيْن السياسي والاقتصادي. ولكن يُمكننا جذبها مثلاً بالاستثمار النّفطي لدينا، وهذا كلّه يعود القرار في شأنه الى الحكومة اللّبنانية".

وختم:"أي توجّه لعلاقات إقتصادية فعليّة، يتعلّق بقرار سياسي، يجب أن يصدر عن الحكومتَيْن اللّبنانية والصينية. وبالتالي، فلا مانع من تعاطي بعض الأفرقاء مع شركات صينية. ولكن هذا يبقى ظرفياً، ولا يؤسّس لعلاقة استراتيجية إقتصادية شاملة بين البلدَيْن، وذات رؤية متكاملة".