المصدر: اساس ميديا
الاثنين 18 كانون الثاني 2021 11:53:02
تسير السلطات اللبنانية في مقاربة العقوبات الأميركية، كذاك الذي يسير بين نقاط المطر. فعلى الرغم من أنّ العقوبات لم تطل حتّى اللحظة أجهزة الدولة اللبنانية ومؤسساتها، وتنحصر باستهداف الشخصيات السياسية فقط، إلاّ أنّ سلوك السلطة يوحي بأنّها لا تتورّع في البحث عن المتاعب بـ"السراج والفتيلة".
لم يكفنا خطّ التهريب "السائب" على طول الحدود السورية نفطاً وسلعاً، ولا التفاصيل الجديدة التي كشفت عن دور النظام السوري باستقدام "بابور الموت" بنيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت، وإنما فوق هذا كله عاد الطيران السوري لاستئناف رحلاته بين بيروت وحلب ودمشق بعد انقطاع دام نحو عشر سنوات.
وليس مفهوماً إن كانت السلطات اللبنانية ومن هم خلفها، يقومون بإطلاق "بالونات حرارية" لاستطلاع مزاج الإدارة الأميركية الجديدة، أم أنهّم يفعلون ذلك عن قناعة راسخة بضرورة التعاون مع النظام؟ لأنّ هذا السلوك سينتهي بنا بلا شكّ: دولة معاقبة أميركياً.
مصدر في الخطوط الجوية السورية العائدة للدولة السورية، كشف لـ"أساس" أنّ الرحلات التي استأنفها الطيران السوري الأسبوع الفائت بين بيروت وحلب، ستكون أسبوعية وستصل إلى مطار رفيق الحريري الدولي فجر كل يوم جمعة وستتنقّل بين دمشق وحلب وبيروت.
المصدر كشف أنّ شركة Syrian Air بصدد التقدّم من الأمن العام اللبناني اليوم الاثنين، بإذنٍ خاص لإجراء عمليات الـHandling وتحضير الـ Load sheetsالخاصّة بالطائرة السورية وتشغيل خدمات ركابها يدوياً. لأنّ الطيران السوري محظور من استعمال نظام Amadeus الأوروبي المختصّ بهذه العمليات، منذ تشرين الأول الفائت.
المعلومات تكشف أنّ جهاز الأمن العام الموجود في مطار رفيق الحريري الدولي، لا حلّ أمامه سوى الموافقة على هذا الطلب. كما تكشف المعلومات أيضاً، أنّه جرى في السابق التحايل على الأوروبيين من خلال تبديل بيانات بعض الرحلات السورية المقبلة من الشام في الأشهر الفائتة، وذلك من أجل تمرير الخدمات بموجب هذا النظام، إلاّ أن هذه الآلية لم تصمد طويلاً بسبب اكتشاف هذه الحِيَل. فدفعت Amadeus صوب المزيد من التشدّد، من خلال رفضها بشكل قاطع إدراج أي بيانات تخصّ اسم سوريا وطائراتها ضمن برنامجها خوفاً من "قانون قيصر".
وعلى الرغم من أنّ طيران Syrian Air لا يخضع للعقوبات الأميركية على غرار الطيران الإيراني (بخلاف شركة أجنحة الشام للطيران "Cham wings" المدرجة على لوائح العقوبات الأميركية منذ العام 2016) إلا أنّ الغوص في تفاصيل "قيصر" يكشف أنّ القانون قد ترك الباب مفتوحاً أمام أي إدارة أميركية، حالية أم مقبلة، لتفسّره بما يرضي تطلعاتها السياسية. وبالتالي فإنّ القانون يترك الأبواب مشرّعه أمام فرض العقوبات على كل جهة أجنبية تتعاون مع النظام في مجال النفط أو الطيران المدني والعسكري أو الصفقات أو الخدمات... وخلافه.
بحسب "قيصر" فإنّ الرئيس الأميركي يفرض العقوبات ضدّ كلّ شخص أجنبي:
- يوفر عن علم دعماً مالياً أو مادياً أو تقنياً مهماً، أو ينخرط عن علم في صفقة كبيرة مع النظام بما في ذلك أي كيان يملكه أو يسيطر عليه أو شخصية سياسية رفيعة في النظام السوري.
- يبيع أو يقدم سلعاً أو خدمات أو تكنولوجيا أو معلومات أو دعماً مهماً أو أي دعم آخر يسهّل بشكل كبير صيانة أو توسيع الإنتاج المحلي للنظام، للغاز الطبيعي أو البترول أو المنتجات البترولية.
- يبيع أو يقدم عن عمد قطع غيار للطائرات أو قطع الغيار التي تُستخدم لأغراض عسكرية في سوريا لصالح أو نيابة عن النظام لأيّ شخص أجنبي يعمل في منطقة تخضع لسيطرة مباشرة أو غير مباشرة من قبله أو القوات الأجنبية المرتبطة به.
- يوفر عن علم سلعًا أو خدمات هامة مرتبطة بتشغيل الطائرات التي تستخدم لأغراض عسكرية في سوريا لصالح أو نيابة عن النظام لأيّ شخص أجنبي يعمل في منطقة موصوفة في الفقرة الفرعية (إضافة إلى بنود أخرى خارج موضوعنا).
إذاً، الفقرات الثلاث الأولى تكشف أنّ الدعم التكنولوجي والتقني في مجال النفط ومنتجاته وقطع الطائرات التي تخصّ النظام السوري وتقديم الخدمات، تعرّض مسهليها لخطر العقوبات.
وفي هذا الصدد، يقول مدير مركز المشرق للسؤون الاستراتيجية الدكتور سامي نادر إنّ التغيير داخل البيت الأبيض يُعدّ "فترة انتقالية" لدى الأطراف كلها. فالأميركي كما الإيراني "يسعيان إلى تحصيل المكاسب والأوراق" وخصوصاً إيران من أجل إيجاد "أمر واقع أو De facto situation لكسب المزيد من النقاط" قبل المفاوضات، وبالتالي "فإذا كان هناك أمراً واقعاً يمكن فرضه من خلال إعادة العلاقة مع النظام السوري أو التطبيع معه، فسيوضع الآن على الطاولة".
أما بالنسبة إلى احتمال فرضع عقوبات على لبنان بموجب "قانون قيصر" بسبب الرحلات السورية، فيدعو نادر إلى التأكّد مما إذا كان بدلات مالية يتلقاها الطيران المدني أو مطار رفيق الحريري الدولي من الطيران السوري لقاء خدمات محدّدة مثل الوقود أو بعض الخدمات. فهذه النقطة في نظر نادر "مهمة لتحديد شكل العلاقة بين الطرفين".
لكن من المعروف أنّ الشركات المولجة بتزويد الطائرات بالوقود ترفض تزويد الطيران السوري به، وهذا ما سبق أن أكده مدير مطار رفيق الحريري الدولي فادي الحسن في حديث مع "الشرق الأوسط" قبل أيام، واعتذر عن عدم الردّ على أسئلة "أساس" بسبب خضوعه للحجر نتيجة إصابته بفيروس كورونا.
معلومات خاصة بـ"أساس" كشفت أنّ تزويد الطائرات بالوقود بشكل عام ينتج عنه إصدار إيصال من نسختين. النسخة الأولى لقبطان الطائرة يسلّمها لشركته عند وصوله إلى بلده، والثانية تبقى مع الشركة النفطية (في لبنان هناك 3 شركات هي توتال وكورال والوردية) وتُدرج ضمن سجلات المحاسبة لديها. وهذا ما منع الشركات الثلاث، بالاتفاق فيما بينها، من تزويد الطائرات السورية والإيرانية بالوقود خوفاً من مخاطر "قيصر". إلاّ أنّ المعلومات تكشف في المقابل عن علاقة مالية بين لبنان وبين الطيران السوري، من نوع آخر. علاقة "غير مثبّتة" بأي مستند!
مصادر في المطار تؤكد أنّ ثمة أموال تُدفع من الطيران السوري لقاء خدمات الـHandling (ولو يدوياً كما يُحكى) وهناك رسوم تسمى Government tax تُدفع للمطار، إضافة إلى رسوم أخرى مثل بدل الإنارة وركن الطائرة تُدفع للطيران المدني. هذه الأموال تُدفع "كاش" وبموجب إيصالات وهمية (Ad hoc) من خارج نظام الفوترة المعتمد... وهذا كلّه يؤكد أنّ احتمال خضوع المطار ومؤسساته للعقوبات الأميركية أمر وارد في أي لحظة، لكنّه يبقى استنسابياً وورقة بيد الإدارة الأميركية الجديدة.
فالكل ينتظر دخول جو بايدن الأبيت الأبيض ليختبر سلوكه وليُبنى على الشيء مقتضاه... فلننتظر لنرى إلى أين سيقودنا استهتار هذه السلطة!