من يوقف "الزمن المجيد"؟!

لا يقتصر اثر التهديدات الإسرائيلية بتوسيع الحرب في لبنان، بعد سنة من حرب غزة والمواجهات الحربية في الجنوب اللبناني، على تجسيد الخطورة الفائقة للتفلت الحربي من دون قدرة دولية على وقف هذا الزلزال الدموي، بل تتمدد هذه الآثار الى واقع الازمة السياسية الوجودية داخل لبنان. مناسبة هذه الحقيقة القاتمة ان ثرثرة تضخيمية حول الازمة الرئاسية المقتربة من طي سنتها الثانية عادت تزاحم سيناريوات انفجار حرب واسعة في لبنان بالاستناد الى تحريك مجموعة من تجارب اثبتت سابقا فشلها في اختراق جدار "الحصار" التعطيلي حول النظام الدستوري برمته الذي يفرضه بتفوق كامل الثنائي الشيعي مع حلفائه الداخليين. لسنا نرى أين هي المعالم الجدية، باستثناء القلق الدولي المتعاظم من حرب واسعة في لبنان، التي تحمل على وهم اختراق ينعقد في ظله برلمان مشلول معطل مصادر بقوة الهيمنة المذهبية والفئوية المتكئة على ترسانة سلاح هائلة، لانتخاب رئيس "لا يطعن المقاومة في ظهرها". واذا كان سفراء مجموعة الدول الخمس الذين عاودوا اجتماعاتهم لا يزالون يبحثون عن مسالك الحل من دون مقاربة صريحة وموقف صريح من الفريق المعطل لتطبيق الدستور ، فلعله ينبغي تذكير الواهمين بإمكان انتخاب رئيس "في زمننا" الاتي بهذه الوقائع.

ان لكل من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر، منفردة او مجتمعة، مقاربات من الحربين في غزة والجنوب اللبناني مختلفة تمام الاختلاف عن الأخرى. وتالياً لا هذه الدول التي كلفت نفسها دور رعاية حل للازمة الرئاسية في لبنان تمكنت او نجحت في ردع الدور او النفوذ الإيراني التفويضي والتعطيلي في لبنان، ولا هي وسواها من كل المعسكر الغربي والخليجي نجحت او تمكنت من عزل الدور الإيراني الأساسي أيضا عن مجريات الحربين في غزة والجنوب اللبناني. واذا صحت الثرثرة حول مسببات إعادة ايفاد المبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الى بيروت في قابل الأيام استنادا الى دفع سعودي – فرنسي، فترانا فعلا نتساءل بإلحاح شديد: هل تكونت قناعة كافية لدى الدولتين وعبرهما لدى دول الخماسية مجتمعة، بان أي تحرك شكلي في زمن حربي مخيف يحاصر لبنان لم يعد جائزا القيام به، وتاليا أي مضمون جديد سيكون في حال "ركوب" فرنسا مغامرة جديدة تعرضها لمزيد من تآكل صدقيتها ومهابتها الديبلوماسية ان هي عادت الى التحرك على طريقة "الفن للفن" فقط ؟

تذهب الأوهام في هذا الزمن الحربي الى حيث لم تذهب سابقاً فيما بوصلة الازمة وحدها ثابتة ولا تتبدل. ولعل "حزب الله" أراد طوعاً في الآونة الأخيرة ان يفصح عن مكنونات تحسبه لإمكان توجيه الضغوط الدولية والمحلية في اتجاهه لجهة تعطيل الانتخابات الرئاسية وإصدار حكم الحرب منفردا على لبنان ، فكان ذاك التهديد "البالغ الاحترام والتهذيب" على لسان النائب السابق نواف الموسوي بإلحاق أي رئيس منتخب لا يعينه حزبه بمصير الرئيس المنتخب بشير الجميل. وما فات الموسوي أكمله اخرون من دوائر "المقاومة" بإنعاش ذاكرة اللبنانيين حيال "اليوم المجيد" في 7 أيار 2008 كنموذج "ملطف" أيضا عما ينتظره لبنان ان حصل كذا وكذا وكذا…

تبعا لكل ذلك قد تغدو الحاجة عاجلة وملحة أيضا الى إعادة إنعاش الذاكرة بان كل الاتي من التحركات لن تجدي نفعا ما دامت "الدول الكبرى" تتبارى معنا في طمر الرؤوس في رمال الهروب إلى الخلف.