نتائج اجتماع باريس: تسوية لا تشبه التسويات السابقة؟

يُحكى في لبنان عن فشل اجتماع باريس. وأنه لم يخرج بنتائج "متوافقة" بين الوفود الممثلة للدول الخمس. إلا أن ذلك لا يبدو دقيقاً لجملة أسباب. أولها، ما تقوله مصادر متابعة أن الاتفاق على الخطوط العريضة للاجتماع ونتائجه كان قد حصل قبل انعقاده. ولو لم تتوفر تلك المقومات لما ذهبت الوفود. كذلك، فإن موضوع الاجتماع حضر في لقاء وزيرة الخارجية الفرنسية مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وعلى إثر هذا اللقاء تم تثبيت الموعد وأعطيت التعليمات للوفد السعودي للتوجه إلى العاصمة الفرنسية. كذلك، فإن المشاورات التي حصلت بين الدول الخمس وسبقت موعد الاجتماع، كانت ترتكز على مسألة مقاربة الأزمة اللبنانية بواقعية، بهدف الوصول إلى حلّ وعدم استفزاز أي طرف.

خطوط عريضة
في بيروت أيضاً، تُسرد روايات كثيرة حول "الانقسام" بين الوفود. فثمة من اعتبر أن السعودية وقطر وأميركا وقفوا في صف، بمقابل وقوف فرنسا ومصر في صف آخر. وهناك من وضع السعودية والولايات المتحدة بصف، في مقابل الدول الثلاث. إلا أن مصادر متابعة تنفي كل هذه التصنيفات، وتقول إن تجنب هذه الخلافات أو الاختلافات قد حصل بعدم الدخول في تفاصيل وأسماء، وإحالة هذا الأمر على  اللبنانيين. ولذلك، ما كان مقرراً هو وضع خطوط عريضة لخريطة طريق سياسية واقتصادية، يفترض باللبنانيين السير بها للخروج من مأزقهم، وللحصول على دعم خارجي، ولدفع الدول الخارجية إلى الرعاية والمساهمة.

ربما لو دخلت هذه الوفود في تفاصيل التفاصيل، وأريد لها تبني أسماء أو ما شاكل، لكان الإشكال قد وقع، ولكن هذا ما تم تجاوزه. صحيح أن هناك خمسة عقول على الطاولة، وهناك من يفضل المقاربة بطريقة مختلفة عن الآخر، إلا أن ذلك لم يكن موضوع البحث. وصحيح أن التباين في الموقفين السعودي والفرنسي قد حصل سابقاً، بسبب تسريبات متعددة حول محاولة باريس طرح أسماء على الرياض، فيما رفضت الأخيرة ذلك، لكن حتى عندما كان الاختلاف في هذه المقاربات قائماً، نجح الطرفان في إصدار بيانات مشتركة، كالبيان الذي صدر عن الاجتماع بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي، أو بالنسبة إلى البيان الصادر عن أميركا، فرنسا، السعودية في نيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. أما عربياً، فإن السعودية كانت قد بحثت مع قطر ومصر وكذلك مع دول مجلس التعاون، في رؤيتها للحل اللبناني، وذلك من خلال جولة ولي العهد السعودي على دول الخليج قبل أشهر وإصدار مواقف متطابقة حول لبنان، أو حتى بالنسبة إلى الورقة الكويتية. وكذلك مع مصر من خلال البيان الذي تناول الملف اللبناني، بعد اجتماع وزيري خارجية البلدين خلال زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى الرياض.

في غياب البيان 
عملياً، لم تخرج مداولات اجتماع باريس عن هذه النقاط، وسط معطيات تفيد بأن المقاربات كانت عقلانية، حول ضرورة الوصول إلى تسوية لا تشبه التسويات السابقة. وتجدد المصادر المتابعة التركيز على العناوين الأساسية لأي حلّ للازمة اللبنانية، وهي الالتزام باتفاق الطائف، إنجاز الإستحقاقات الدستورية بما فيها انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة يحظيان بثقة المجتمع الدولي، مكافحة الفساد، ووضع خطة اقتصادية إصلاحية شاملة.

أثار تأخر صدور بيان عن اللقاء الخماسي أو عن الخارجية الفرنسية الكثير من اللغط، فتوقفت جهات متابعة أمام عدم صدور البيان، للإشارة إلى فشل الاجتماع أو عدم تحقيق توافق. بينما تقول مصادر متابعة إن تأخر صدور البيان جاء بسبب اضطرار كل وفد لإرسال مضمون المداولات والنقاشات إلى عاصمته للتنسيق معها. على أن تتولى باريس النقاش مع المسؤولين اللبنانيين ووضعهم في صورة ما حصل. فبذلك تكون الكرة قد رميت في الملعب اللبناني للذهاب إلى إنجاز تسوية وتوافق. باريس إلى جانب دولة قطر سيكون لهما الدور الأبرز في توفير مقومات التوافق. وبحال تحققت نتائج إيجابية، فإن اجتماعاً آخر سيعقد، إما على المستوى نفسه أو على مستوى أعلى.

الحوار السعودي الإيراني
لن يكون من مصحلة أحد في لبنان حالياً الاستعجال في إبداء الرأي. لا بد من انتظار ما سيتبلغه الأفرقاء اللبنانيون. ولكن في موازاة الاجتماع الفرنسي كانت تعقد مباحثات سعودية مع وفود يمنية من صنعاء، في سبيل الوصول إلى تسوية. وهذا يبقى معطوفاً على محاولات إيجابية لإحياء الحوار السعودي الإيراني وسط رسائل متبادل بين الجانبين. وهنا أيضاً ثمة دور أساسي لقطر في هذا المجال. كل هذه الملفات يمكنها أن تنعكس إيجاباً على الملف اللبناني، إلا أن ذلك يحتاج إلى مزيد من الوقت أولاً، وثانياً لن يلجأ أي طرف إلى رمي أوراقه كاملة على الطاولة، أو التخلي عن ورقة ترشيح أو التمسك بترشيح، بانتظار بلوغ المفاوضات مراحل متقدمة حول آلية تركيب السلطة وإنتاجها.