المصدر: cafein.press
الكاتب: كلوديت سركيس
الاثنين 1 أيلول 2025 15:09:13
لا يُحسَد نقيب المحامين في بيروت، فادي المصري، على الظروف العامة التي كان لبنان يجتازها عندما تسلّم ولايته على رأس نقابة المحامين في بيروت، بينما كانت حرب غزة تمتد إلى لبنان.
واجهته تحديات صعبة، تمكّن هو ومجلس النقابة من التصدّي لها وإحاطة عائلة المحامين الكبرى والمقر النقابي الأم.
من التحديات المالية إلى اللامركزية النقابية
وفي حديث خصّ به النقيب المصري "كافيين دوت برس"، تناول هذه التحديات. وبرز في مقدمتها "الظروف المالية نتيجة الأزمة الاقتصادية والمصرفية في لبنان، ما ألقى على عاتق النقابة بناء ماليتها من جديد؛ لأنها محتجزة في المصارف. وهذا الأمر كان صعبًا جدًا علينا في وقت لم يكن اشتراك الرسم السنوي للمحامي (800 ألف ليرة) كافيًا لتغذية الأصول المالية ما أمكن. أول ما أقدمت عليه هو عقد جمعية عمومية لتمكين النقابة من الاستمرارية.
تجاوب المحامون، وبنتيجة ذلك رُفع هذا الرسم إلى 200 دولار، مكّننا جزء منه من تأمين الحد الأدنى من المتطلبات لصندوق التقاعد، ورفع الراتب التقاعدي لـ1200 محامٍ في زيادة تصاعدية من 12 دولارًا إلى 250 دولارًا. وفي المقابل، تمكّنا من دعم المركز الرئيسي للنقابة و26 مركزًا في المناطق والمحاكم، ما تطلّب الكثير من التضحيات مني ومن مجلس النقابة والإدارة النقابية".
وفي تحدٍّ موازٍ، يضيف نقيب المحامين: "مواجهة انعكاسات الحرب على لبنان وما خلفته من تدمير قرى وتهجير الأهالي بينهم محامون؛ فقد أصابت الحرب منازلهم ومكاتبهم".
ويستذكر تلك الحقبة غير البعيدة والضرر الذي لحق بالمحامين، حيث "وقفنا إلى جانب المحامين على قدر المستطاع". وبهدف التواصل معهم، "استحدثنا منصة إلكترونية خاصة بهم تلبية لطلباتهم بطريقة سرية".
بسبب ظروف تلك الحرب، أُرجئت الانتخابات الفرعية لاختيار أربعة أعضاء جدد في مجلس النقابة في تشرين الثاني الماضي. ويشير النقيب المصري إلى أن "الإرجاء حصل قسرًا، حرصًا على سلامة المحامين وأمنهم؛ لأن القصف طاول بيروت وقتذاك. كما كان هذا الإرجاء تضامنًا مع المحامين والجسم النقابي، وضمانًا لسلامة العملية الانتخابية وصحة التمثيل".
مستقبل نقابة المحامين في زمن الرقمنة والدولة القوية
تستحوذ العصرنة والتكنولوجيا على اهتمام النقابة التي كانت سبّاقة في إحداث التصويت الإلكتروني. ويفخر النقيب المصري اليوم بمولود جديد في النقابة هو بطاقة التحول الرقمي. لقد انتهى العمل بإعدادها. ويوضح أن "هذه البطاقة تخوّل المحامين إنجاز معاملاتهم الإدارية في النقابة عن بُعد عبر منصة خاصة بهم لجهة تسجيل الوكالات ودفع الرسوم السنوية والحصول على الإفادات وتسهيلات أخرى".
ويصف "هذا التطور بالإنجاز الكبير الأول من نوعه بين النقابات الحرة في لبنان وربما في الشرق الأوسط، يعتمد هذه التقنية الحديثة". وبإبصار هذه المنصة النور، اعتبر النقيب المصري "أننا حققنا اللامركزية الإدارية النقابية، لاسيما أن نقابة بيروت تمتد من الهرمل إلى الناقورة ومن مرجعيون إلى جبيل.
هي خطوة مهمة جدًا توفر على المحامي عناء قطع المسافات وتكبّد المصاريف للحضور بشكل مستمر إلى النقابة من أجل إنجاز هذه المعاملات.
تسجّل في المنصة عدد كبير من المحامين، وسيستمرون في الإقبال عليها لتشجيع بعضهم على الدخول في عصر الرقمنة. لقد شكّلت هذه الخطوة الحداثة الحقيقية، وكذلك اللامركزية الحقيقية لجهة السهولة في إنجاز المعاملات والشفافية في الحسابات"، متطلعًا إلى المزيد عبرها بالتعاون مع وزارتي العدل والتكنولوجيا، إلى الدخول إلى ملفات المحامين في المحاكم عن بُعد وتبادل اللوائح إلكترونيًا.
وفي رأي النقيب "يجب أن يكون جسم المحاماة جاهزًا عندما تصل الدولة إلى هذه المرحلة من خلال هويته الرقمية. وهذا ما حققناه من خلال إحداث المنصة". وتحدث في السياق عن "اجتماع عُقد أواخر الأسبوع الماضي في إطار إعداد مشروع متكامل للدولة في سياق المكننة والتكنولوجيا".
وتمنّى أن يصبح هذا المشروع متكاملًا في عهد الحكومة الحالية ليكون في خدمة المواطن والمتقاضي والمحامي.
مواجهة الأزمة المالية بحلول رقمية
وعلى هذا الصعيد، ذكر نقيب المحامين أن "دخول عصر الرقمنة متّخذ على صعيدي الحكومة والإدارات العامة، وينتظران إنجاز البنية التحتية لتليها المرحلة التنفيذية والتطبيقية، وما قد تتطلبه من تعديل بعض القوانين، خصوصًا لجهة التوقيع الإلكتروني والتبادل الإلكتروني. ونحن نحضّ على الوصول إلى مرحلة التطبيق الإلكتروني".
يصف النقيب المصري علاقته بوزير العدل عادل نصار بـ"الممتازة، لاسيما أنه محامٍ. وأعتقد أنه يشعر بكل متطلبات الحداثة والعصرنة. ونحن جاهزون وعلى تواصل معه لمؤازرته في ورشة عمل قانونية وتشريعية وإدارية مواكبة لعصر الرقمنة".
وعن رأيه في التشكيلات القضائية الجديدة حيث سيبدأ القضاة بتسلّم مراكزهم بموجبها مع بدء السنة القضائية في 15 أيلول الحالي، قال: "من الموجود جود، لجهة عديد القضاة والخبرات والقدرات الموجودة. هي أُنجزت بأفضل طريقة ممكنة.
يعاني القضاء من نقص في عدد القضاة والمراكز. نأمل سدّه بقضاة جدد عبر معهد الدروس القضائية ليصبح القاضي في مركزه الأصيل فحسب، وغير منتدب إلى مركز آخر في الوقت نفسه".
وقال ردًا على سؤال عن انتقاد هذه التشكيلات، إن "الهيئة الجديدة لمجلس القضاء الأعلى برئاسة القاضي سهيل عبود أتمّت واجباتها على أكمل وجه. أعتقد أن هذه التشكيلات جيدة. وقضاة المجلس قاموا بما هم قادرون على عمله. لا يوجد شيء كامل ومثالي. هم تمكّنوا من وضعها بالتعاون مع وزير العدل الذي نفخ فيهم روح الدينامية".
وخالف النقيب المصري منتقدي قانون استقلال السلطة القضائية، ورأى فيه "خطوة في الاتجاه الصحيح. ولا يوجد قانون جديد ثوري وكامل وناجز. هو خاضع للتطوير والتعديل وفق الحاجات والتطبيق؛ لأن ثمة عقبات ونواقص وثغرات قد تطرأ في عملية التطبيق، وعلينا التعاون لسدّها وتحسينها".
خطة الدولة
في الشق الوطني، قال النقيب المصري: "نحن على الطريق الصحيح، والدولة اللبنانية ماضية في الخطة التي طرحتها، إن في عناوين ومبادئ خطاب القسم أو في تفاصيل البيان الوزاري، من أجل بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحماية حدودها بقواها الذاتية وضبط المرافق العامة وضبط حصرية ممارسة سلطتها العامة بقدراتها الذاتية.
وهذه العملية في نظره لا تتم بعصا سحرية. هي أولًا إرادة، وثانيًا رؤية، وثالثًا خارطة طريق.
ونحن ماضون بتأنٍّ وحكمة ولكن بحزم. وهذا الأمر ضروري جدًا؛ لأن عودة الثقة إلى لبنان لا تُبنى إلا من خلال دولة قادرة قوية وحصرية، ستؤدي إلى تنشيط الاقتصاد وعودة المستثمر متكلًا على عمودين أساسيين هما الأمن والعدل. ونحن نسير بهما على الطريق الصحيح".
وشدد على "اقتضاء تعاون كل اللبنانيين حتى الذين يعتقدون أن ثمة ما يضر بهم. أرى على العكس، كلنا مستفيدون من تسليم أمرنا للدولة. الدولة القوية والقادرة ولكن العادلة لنتمكن من الاستفادة منها على المديين المتوسط والبعيد. فلبنان لا يكون بالشعارات والشكليات والمهرجانات، إنما يكون بأن يكون دولة. والدولة لا تكون علبة فارغة، إنما تُبنى من أبسط موظف يؤدي عمله إلى المؤسسات الدستورية كافة، وصولًا إلى الوزير والرؤساء الثلاثة. هي عمل مؤسساتي أولًا، وتثبت أن ثمة دولة حقيقية ثانيًا".
نكران الذات
وبسؤاله، اعتبر أن تحقيق ذلك يحتاج إلى وقت ولكننا بدأنا، "أولًا بتصويب البوصلة، وثانيًا بوضع القطار على السكة.
وعلينا تأمين الوقود والطاقة اللازمتين للتمكن من المضي على السكة الصحيحة. أعتقد أننا على الطريق الصحيح. نحتاج إلى وعي أكثر وتضامن أكثر ومحبة أكبر لبعضنا البعض، ومحبة عظمى لوطننا.
فمن يحب وطنه عليه نكران الذات من أجل مصلحة الوطن والجماعة، إذ ذاك نكون فعلًا بدأنا مسيرة بنيان الدولة. هذه أمنياتي.
هي نمط عملي وعمل النقابة في هذا الإطار، إطار دولة الحق والمؤسسات من أجل الإنسان والحرية التي هي مكوِّنه وجوهره".
وأعرب النقيب المصري عن ثقته بأن "الدولة بأركانها الحاليين والطريقة التي يُعاد فيها بناؤها ماضية في الشكل الصحيح، إنما تحتاج إلى محبة أكثر للبنان وثقة بين اللبنانيين والمؤسسات. يجب أن تتجلى الأمة اللبنانية واحدة موحدة في سبيل لبنان، وأن يحصل اندماج بين أبنائه". وأمل "ببنيان الثقة بين بعضهم البعض من أجل الأجيال القادمة".
ولادة جديدة
رفض النقيب المصري الرد على سؤال سياسي الطابع في إطار الخطة الأمنية المرتقبة لحصر السلاح. وقال: "نحن كنقابة محامين ننأى بنفسنا عن الدخول في الزواريب السياسية. يجب أن نبقى محل إجماع اللبنانيين وثقتهم؛ لأن موقف نقيب المحامين والنقابة هو لمصلحة لبنان أولًا".
وأضاف أن "الآليات التنفيذية التي تضعها السلطة التنفيذية من أجل تطبيق المبادئ التي ذكرتها لجهة بناء الدولة وحصرية ممارسة سلطتها على كل أراضيها وحماية أبنائها من الاعتداءات الخارجية والأخطار الخارجية ومن أي خلل داخلي بالأمن، هي مبادئنا وشعاراتنا وما نعمل له".
داعيًا إلى أن "ننتظر لنرى ماهية الخطة الأمنية وكيف ستُنفذ، وأعود لأقول، بتأنٍ وحكمة لكن بحزم. وأترك للسلطة التنفيذية وضع الآليات لتنفيذ ما نربو إليه". أضاف: "علينا النظر إلى الأمور بواقعية. لا شعور لدي بالعودة إلى أيام سود.
على العكس، أشعر أنه لدى الجميع من الحكمة والوعي، ويجب تجاوز هذه المرحلة الحساسة. علينا النظر إلى الأمور بواقعية، وأن كل قرار يجب أن يكون قابلًا للتنفيذ وقادرين على تنفيذه بأقل ضرر ممكن وبالطريقة الأسلم".
أخيرًا، دعا إلى "التفاؤل وتقدير الأمور الإيجابية والبناء عليها لإزالة السلبيات والهواجس المبنية على مخاوف في غير محلها أحيانًا. وأن نثق ببعضنا البعض وبدولتنا؛ لأن لبنان لا يموت. لقد مرّ بمطبّات ومحن عبر الزمن أكبر مما نعيشه اليوم، وكانت إرادة لبنانية بأن لبنان باقٍ وأن اللبنانيين متجذّرون في أرضهم، مثلما أؤمن أن ثمة نوعًا من الإرادة السماوية والحماية الإلهية لبلدنا؛ لأن لبنان ضرورة للإنسان.
وأؤمن أيضًا أنها جعلت كل هذه المجموعات على أرضه لسبب ما وهدف ما. هذا إيماني كشخص ومحامٍ ونقيب للمحامين. وبوجود هذا الإيمان، فلا خوف، إنما عمل يومي وتقدم يومي، فيصحح أخطاءه ويعترف بخطئه ليتمكن من الحصول على ثقة شريكه، فيتمكن الأخير من المضي معه. لقد اجتاز لبنان أيامًا صعبة، وسيجتازها غدًا. ومن الصعوبة والوجع مخاض لولادة جديدة للبنان".