المصدر: النهار
الكاتب: سابين عويس
الأربعاء 27 آذار 2024 07:36:12
منذ اندلاع حرب غزة وإعلان "حزب الله" قراره الانخراط فيها من خلال إسناد حركة "حماس" من الحدود اللبنانية مع إسرائيل، تبدو الحكومة اللبنانية في موقف ضعيف ومحرج ومربك نتيجة العجز عن المواءمة بين موقفها الرسمي الرافض للانخراط في الحرب أو الانزلاق إليها، وبين تغطية الحزب في المواجهات التي يخوضها ضد إسرائيل وتدفع بالأخيرة إلى رفع وتيرة تهديداتها للبنان، فضلاً عن رفضها التفريق بين لبنان الرسمي وبين الحزب.
انسحب هذا الإحراج والارتباك على وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب، الذي لا يوفر إطلالة إعلامية تتناول ملف الجنوب أو الحزب، إلا يتعرض فيها للانتقاد، من دون أن يدفعه ذلك إلى إعادة النظر في مواقفه وما تخلفه من تداعيات على الحكومة ككل، انطلاقاً من موقعه على رأس الديبلوماسية اللبنانية.
في إطلالته الأخيرة على قناة "الحرة" قبل يومين، كانت للوزير بو حبيب مواقف لافتة ونافرة حيال دور الحزب في القرار السياسي، انطلاقاً من الدور الذي اضطلع به في ملف المعتقلين في الإمارات العربية المتحدة. فهو كشف رداً على سؤال عن هذا الموضوع، أنه سمع بزيارة مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا للإمارات من الصحف، مشيراً إلى أن "هناك عدداً كبيراً من الأسرى اللبنانيين في الإمارات وقد عملنا على هذا الملف سابقاً، لكن يجب أن يكون هناك اتفاق بين الحزب والإمارات لأننا لا نستطيع إعطاء الإمارات أيّ شيء، كما لا يمكننا أن نمون على الحزب"، معتبراً أن "اتفاق الإمارات مع الحزب يمكن أن يؤدي إلى عودة الديبلوماسيين إلى السفارة الإماراتية في لبنان، كما يسهم في وضع اللبنانيين في الإمارات".
أثار هذا الموقف انتقادات داخلية في الوسط السياسي، نظراً إلى ما يرتبه من استقالة الحكومة من دورها أو مسؤوليتها في إدارة أي مفاوضات في شأن الرعايا اللبنانيين في الخارج، بقطع النظر عن الأسباب التي تقف وراء توقيفهم. فوزير الخارجية اعترف في شكل واضح وصريح بأن حكومته عجزت عن التوصل إلى أي تفاهم مع السلطات الإماراتية، واضعاً الحل في عهدة الحزب والاتفاق مع دولة الإمارات، على نحو يكون الحزب هو الجهة الرسمية التي تتولى التفاوض المباشر، والأخطر، أنه يحصل من دون أي تنسيق أو تكليف من السلطات اللبنانية، إذ نفى بو حبيب علمه بزيارة صفا عبر قنوات خاصة، بل علم بها من الإعلام، ما يعني أن الحزب يتفرد كذلك في إدارة المفاوضات، كما يتفرد في اتخاذ القرارات، في ملف الأسرى اللبنانيين، كما في قرار الحرب والسلم الذي يتولاه منفرداً في التفاوض غير المباشر مع إسرائيل من خلال الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الذي يحصر بدوره مفاوضاته مع رئيس المجلس نبيه بري الذي يمثل عملياً الحزب.
لا تخلو تصريحات سابقة لوزير الخارجية من مواقف مماثلة مثل قوله إن الحكومة تفاوض ولكن لا تستطيع فرض قرارها على الحزب، أو مثل قوله "إننا لا نستطيع التكلم باسم الحزب وبدوره، فهو لا يأخذ إذناً منا للدخول في أي حرب"، أو حتى عندما وجّه توبيخاً للسفير البريطاني على خلفية زيارة وزير الخارجية للبنان واستثنائه من جولة اللقاءات.
لعل مواقف كهذه والانتقادات التي رافقتها دفعت الوزير إلى التراجع عنها، إذ أعلن أخيراً أن "ما قلته عن استعداد لبنان للدخول في الحرب مع إسرائيل كان هفوة أو غلطة"، وذلك في رسالة واضحة إلى حرص الحكومة على عدم الانزلاق إلى تصعيد تدفع نحوه إسرائيل، أي توريط لبنان الرسمي في الحرب، مستندة إلى كلام يصدر عن رأس الديبلوماسية اللبنانية، الذي يورّط لبنان عملياً في الحرب، ويسقط أي ذرائع للنأي به عن الانجرار إليها.
هذا حصل أيضاً بعد مواقفه التصعيدية قبل أسبوع، حيث زار السرايا والتقى رئيس الحكومة وأعلن على الأثر "أننا لسنا طلاب حرب ونريدها أن تتوقف، ونريد استقلال لبنان وسيادته".
بهذا المنطلق، تتلقف السرايا الحكومية مواقف وزير الخارجية، وتسعى إلى احتواء أي مفاعيل سلبية لها، خصوصاً أنها على دراية أن لا خلفيات سياسية أو أجندات تتحكم بتلك المواقف. وبحسب أوساط قريبة من رئيس الحكومة، إن الموقف الرسمي للبنان تعبّر عنه الحكومة أو رئيسها. وهذا الموقف تم إبلاغه في كل اللقاءات الرسمية والمحافل الدولية بأن لبنان يلتزم تطبيق القرار ١٧٠١، ويدعو إلى الضغط على إسرائيل لإلزامها بتطبيقه لأن عدم التزامها واستمرارها بالانتهاكات لسيادة لبنان سيؤدّي إلى زيادة التوترات.
تقلل أوساط ميقاتي من أهمية كلام بو حبيب، داعية إلى عدم تحميله أكثر مما يحتمل خصوصاً أنه تراجع عنه واعتبره هفوة. وقالت إن المطلوب اليوم في هذه المرحلة الدقيقة التروي في إطلاق المواقف لأن الانفعال يرتب تداعيات سلبية ليس هذا أوانها أبداً ولا يمكن الركون الى نتائجها.