هل تنقذ مصر لبنان؟

تتسارع الخطوات الدبلوماسية المصرية في بيروت، حيث زار وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، اليوم، ضمن جولة تهدف إلى منع لبنان من الانزلاق نحو مواجهة شاملة مع إسرائيل.

خلال الزيارة، أكد الوزير المصري بعد لقائه الرئيس جوزاف عون، أن الموقف المصري ينطلق من “محددات ترتكز على الدعم الكامل للبنان” مشدداً على أن القاهرة “لن تألو جهداً للعمل من أجل خفض التصعيد ونزع فتيل الأزمة” وأعرب عن خشيته “من أي احتمالات للتصعيد وعلى أمن واستقرار لبنان”.

كما شدد على دعم بلاده الكامل لقرار الحكومة اللبنانية بحصر السلاح، وأهمية التنسيق القائم بين البلدين، مؤكداً دعم القاهرة لمبادرة عون التي أعلنها خلال عيد الاستقلال، والقاضية باستعداد الجيش اللبناني لتسلّم جميع النقاط في جنوب لبنان.

وفي سياق متصل، تلقى الرئيس عون اتصالاً هاتفياً من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أمس الثلاثاء، هنأه خلاله بالذكرى الـ82 لاستقلال لبنان، مجدداً دعم مصر وتضامن شعبها مع لبنان في الظروف الراهنة.

ويرى مراقبون أن المبادرة المصرية، رغم تركيزها على وقف التصعيد بين لبنان وإسرائيل، تحمل بعداً استراتيجياً أوسع، يتمثل في تعزيز الدور العربي وتقليص النفوذ الإيراني في لبنان، بما يعزز مكانة القاهرة كوسيط إقليمي فاعل، خصوصاً بعد تراجع الدور السعودي على الساحة اللبنانية.

لماذا مصر؟
تمثل المبادرة المصرية “المسار الفعلي الوحيد لإنقاذ لبنان، في ظل الضغوط الأميركية والإسرائيلية للدفع نحو مفاوضات مباشرة بين لبنان وإسرائيل”، كما يقول الباحث في الشأن السياسي نضال السبع، ويضيف: “القاهرة استعادت دوراً مركزياً بعد مشاركتها في وقف الحرب على غزة، وزيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى شرم الشيخ، التي شكّلت تكريساً لدور مصر في المنطقة”.

وعن المقاربة الأميركية في اختيار الوسطاء، يشير السبع في حديث لموقع “الحرة” إلى أن “المبعوث الأميركي توم براك حدّد في جلسة خاصة قبل أسبوعين ثلاث دول قادرة على لعب هذا الدور: قطر، الإمارات، ومصر”، ويلفت إلى أن “قطر ما زالت تشعر بمرارة نتيجة تعرضها سابقاً لقصف إسرائيلي وإيراني، فيما الإمارات غير منخرطة بعمق في الملف اللبناني رغم امتلاكها قنوات تقنية بفعل انضمامها إلى اتفاقات إبراهام وعلاقتها مع طهران، لكنها لا تمتلك أيّ قناة اتصال مع حزب الله”.

ويضيف إن “ما يتيح للقاهرة التحرّك اليوم هو اتفاق السلام المصري – الإسرائيلي (1979)، وعلاقاتها مع إيران، إضافة إلى صلاتها برئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي وبحزب الله”.

وعن احتمال سعي القاهرة إلى وراثة الدور السعودي في لبنان، يستبعد السبع ذلك بشكل واضح، مؤكداً أن “السعودية هي صاحبة النفوذ الأوسع تاريخياً على الساحة اللبنانية، فمصر لديها هامش في الملفات الأمنية والتفاوضية، لكن ليس في الشق السياسي، الذي يبقى ضمن المجال الطبيعي للنفوذ السعودي”.

منهج التعامل المصري
تتعامل مصر مع الملف اللبناني بـ”منهج يركّز على تجنّب الصدام مع أيّ نفوذ إقليمي، حيث يتداخل دورها مع الأدوار الإقليمية الأخرى لمنع انزلاق الساحة اللبنانية نحو حرب جديدة والمساهمة في استقرار المنطقة”، كما يكشف الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، الدكتور المصري مصطفى أمين.

ويشير أمين في حديث لموقع “الحرة” إلى أن “هذه المقاربة ثابتة وتعتمد على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ما جعل القاهرة شريكاً إقليمياً موثوقاً في المنطقة”.

ويستند الدور المصري وفق أمين إلى “سجل طويل من الوساطات الإقليمية، وكون مصر طرفاً غير طامع في النفوذ داخل لبنان، وتحظى بعلاقات مقبولة مع جميع الأطراف اللبنانية ومحاور النفوذ فيه، سواء السعودية أو إيران أو حتى سوريا، ما يمكّنها من التحرك دون أن تتهم بالانحياز لأي طرف”.

استمرار الفوضى في لبنان يمثل كما يقول أمين “تهديداً مباشراً لمصالح مصر الاقتصادية في شرق المتوسط، ما يجعل استقرار لبنان عنصراً أساسياً في أمن المنطقة ويحفّز القاهرة على الانخراط لمنع تفاقم الأزمة”.

المبادرة وتحدياتها
يعمل الجانب المصري كما يكشف أمين على بلورة مبادرة تشمل “وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار يمتد لأشهر، يليها تنفيذ إجراءات متبادلة بين إسرائيل وحزب الله، تشمل تبادل الأسرى، وتسليم حزب الله للسلاح، إلى جانب إطلاق حوافز اقتصادية لدعم إعادة إعمار المناطق المتضررة في لبنان، وانسحاب إسرائيل من النقاط المتواجدة فيها جنوب لبنان، بهدف بناء الثقة بين الطرفين، كما تتضمن المبادرة إنشاء آلية رقابة دولية على وقف النار تشمل الولايات المتحدة ودولاً إقليمية من بينها مصر”.

أما السبع فيشدد على أن بنود المبادرة المصرية لا تزال غير معلنة رسمياً، إذ “لا يمتلك أحد النص الكامل لها حتى الآن. لكن ما تسرّب يشير إلى خطوط عريضة تشبه اتفاق وقف النار، وتشمل سحب السلاح جنوب الليطاني، ثم الانتقال إلى مرحلة لاحقة عنوانها تجميد السلاح الثقيل، وهي عناوين فضفاضة”.

ويشير السبع إلى أن إسرائيل تتحرّك على مسارين متوازيين “أمني – عسكري عبر الاغتيالات والضربات المكثفة وبناء الجدار الوقائي جنوب لبنان، ومسار تفاوضي يجري بالتزامن”.

ورغم الجهود المصرية، تواجه المبادرة عدة معوقات، أبرزها بحسب أمين “رفض حزب الله التخلي عن سلاحه، الذي تعتبره إسرائيل شرطاً للتهدئة، إضافة إلى هشاشة الوضع الأمني داخل لبنان، ومحدودية قدرة الجيش اللبناني على نزع السلاح وفرض السيطرة، إلى جانب تحدّيات حشد إرادة إقليمية ودولية لإعادة الإعمار”.

وينفي السبع ما يشاع إعلامياً عن فشل المبادرة، موضحاً أن “انتقال مدير المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد من إسرائيل بعد لقائه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلى بيروت، في أكتوبر الماضي، يشكّل مؤشراً واضحاً إلى حمله مقترحات مهمة.

وكانت الأسابيع الماضية شهدت سلسلة لقاءات بين المسؤولين المصريين واللبنانيين، منها زيارة رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام إلى القاهرة مطلع الشهر الجاري، حيث التقى نظيره المصري مصطفى مدبولي.