المصدر: النهار
الكاتب: سمير تويني
الجمعة 22 تشرين الثاني 2024 16:12:23
تشير مصادر غربية إلى أن تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "بحرب طويلة ستؤدي إلى دمار لبنان كما في غزة" والزيارات الإيرانية المتتالية لبيروت التي أعلنت أن القتال لن ينتهي في لبنان حتى تقول إيران ذلك، حولت لبنان إلى ساحة حرب بالوكالة بين إيران وإسرائيل. وجاءت هذه الحرب في أسوأ لحظة ممكنة، إذ يشهد البلد مأزقا سياسياً واقتصادياً ومالياً واجتماعياً ويحتاج إلى دعم دولي لوقف القتال.
وتعتبر المصادر أن الدولة متشققة ومنقسمة عمودياً على أسس طائفية، وتحولت الأحزاب السياسية إلى مجتمعات مختلفة، وأدت الحرب الدائرة إلى تفاقم هذه الانقسامات. لذا يتم البحث عن ديناميكية سياسية جديدة بعدما زعزع "حزب الله" التوازن السياسي الداخلي للبنان. وتضيف أن البلد يمر في لحظة خطيرة ولديه تاريخ من التسويات من خلال العنف، لكن يمكنه تجنب هذا الانفجار والاضطرابات المدنية من خلال حوار وطني صادق يدفع إلى رؤية شاملة للبلد يشارك فيه جميع الفرقاء لاستقرار المؤسسات. وتؤكد أن البلد بحاجة إلى دعم من المجتمع الدولي لتأمين الاستقرار الخارجي، بعدما تحولت حرب المساندة إلى حرب شاملة، وفشل رهان "حزب الله" على الحفاظ على صراع محدود، وكان لهجمات إسرائيل عواقب وخيمة، فتم وفق الإحصائيات تدمير نحو مئة ألف وحدة سكنية وتحولت 37 قرية في جنوب لبنان إلى أنقاض وتصل خسائر البلد إلى نحو 10 مليارات دولار حتى الآن وفقد نحو 166 ألف فرد وظائفهم وتوفي ما يقارب 3500 شخص وأصيب 14800 بجروح ونزح نحو مليون أو 20% من سكان لبنان ، ونظراً إلى حجم الدمار لن يتمكن النازحون من العودة إلى ديارهم عند إعلان وقف النار، ما سيخلق ضغطاً اضافياً على البنية التحتية والمجتمعات المضيفة والموارد الإجمالية.
وتشير المصادر من جهة أخرى إلى إعلان الجيش الإسرائيلي تحقيق أهدافه العسكرية في لبنان، ومع ذلك لم يقرر وقف النار لأنه يبدو أن أهدافه قد تغيرت. إذ كان هدف الحرب إعادة الإسرائيليين النازحين إلى ديارهم، أما الآن فإن نتنياهو يعد بـ "نظام إقليمي جديد وتغيير الواقع الاستراتيجي في الشرق الأوسط". وهذا يعني أنه في غياب الضغط الخارجي ستستمر إسرائيل في القتال خلال الأسابيع المقبلة حتى تسلُّم دونالد ترامب الرئاسة الأميركية في 20 كانون الثاني(يناير).
واستمرار الهجمات الإسرائيلية بمعزل عن الأضرار الإنسانية والاقتصادية يزيد الانقسام الطائفي في لبنان. فالتوترات بين المجتمعات المضيفة والنازحين ترتفع، واللبنانيون يعارضون جرّهم إلى صراع لم يكن لهم رأي فيه. وتحمل هذه المجتمعات الحزب مسؤولية وصول البلد إلى هذا الوضع لتدخّله في الصراعات الإقليمية. وقد لعب الحزب دوراً نشطاً في عرقلة الإصلاح بعد تعطيله تنفيذ المقررات الصادرة عن مؤتمرات باريس وأخيراً سيدر، ما سمح بازدهار الفساد. وشكّل مقتل أمينه العام حسن نصرالله منعطفاً للحزب، إذ أصبحت إيران أكثر انخراطاً في إدارة أنشطة الحزب السياسية والعسكرية وسيكون من الصعب إعادة بناء ترسانته العسكرية في السنوات المقبلة في حال تم التوافق على التسوية التي يديرها الموفد الأميركي آموس هوكشتاين بين لبنان وإسرائيل والتي ستؤدي إلى حل النقاط الخلافية حول الحدود، أي التوصل إلى تطبيع مع إسرائيل.
وفي هذا السياق تشير المصادر إلى سعي القوى المعارضة للحزب من الاستفادة من انخفاض هيمنته العسكرية لإعادة رسم الخريطة السياسية للبنان وإعادة إحياء اتفاق الطائف، ويدرك الحزب أنه كلما استمرت حربه مع إسرائيل سيزداد الضغط عليه من اللبنانيين ولا سيما داخل مجتمعه الذي فقد كل شيء (أمواله وأملاكه ومنازله وأفراد عائلته) ليتحول إلى نازح داخل بلده. لذلك وافق أمينه العام قبل اغتياله على وقف النار وتخلى عن شرط ربط وقف النار بغزة ووافق على تنفيذ القرار الدولي 1701 واحترام الحدود بين البلدين. ربما الحزب محبط ولكنه لن يستسلم، ولن يتنازل عن موقعه السياسي.
وتسأل المصادر في هذا السياق هل يمكن قيام مستقبل أفضل للبنان؟ وهل يوجد فرصة لإعادة تشكيل التوازن السياسي للبلد؟ أو تصحيح الشوائب السياسية بين اللاعبين في الداخل؟ وهل يمكن انتخاب رئيس وتشكيل حكومة دون موافقة الأطراف الفاعلة؟ وتجيب أن الفرقاء في الداخل يحتاجون إلى منع الارتدادات السلبية الداخلية لهذه الحرب إلى التعاون للتوصل إلى خارطة طريق تعيد البلد إلى المسار الصحيح، أي انتخاب رئيس للجمهورية على الفور وتشكيل حكومة طوارئ والبدء بحوار سياسي شامل حول مسار لبنان وبناء المؤسسات تشارك فيه جميع التيارات داخل المجتمع اللبناني.
وسيكون هدف الحوار صياغة رؤية تتضمن خطة بناء دولة لمواجهة التحديات ومنها النزوح، وإعادة ترتيب الوضع المصرفي لإتاحة وصول المودعين إلى حساباتهم المصرفية، ويجب أن يمهد الحوار لتنفيذ اتفاق الطائف ومن بنوده نزع السلاح غير الشرعي والبناء على "إعلان بعبدا " الذي وافقت عليه جميع الكتل لتجنب التداعيات السلبية للتوترات والأزمات الإقليمية، واحترام القرارات الدولية ومنها 1701. وسيتعين على القوى الخارجية المشاركة في تعزيز هذه الحوار.
وسيأتي إنهاء الصراع في لبنان كجزء من تسوية إقليمية أوسع قد تشمل فرنسا والولايات المتحدة وإيران والسعودية. ولا تزال مفاوضات وقف إطلاق النار تحاول تخطي الخلافات حول السيادة اللبنانية وضمان عدم إعادة تسليح الحزب دون أن يشكل ذلك استسلاماً من منظور الحزب. وسينفذ لبنان القرار الدولي 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي وسيقوم الجيش بالتعاون مع "اليونيفيل" بالانتشار في جنوب الليطاني على أن تضمن دول غربية تنفيذ هذا القرار.
وتختم المصادر أنه على المجتمع الدولي ممارسة أشد الضغوط على الأطراف لإنهاء الصراع في لبنان، لأن خلاف ذلك قد تؤدي هذه الحرب إلى "غياب لبنان" كما يقول الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، لأن ذلك يعني تراجع المجتمع الدولي عن دعم النموذج اللبناني للتنوع وفشل هذا التفرد من الاستمرار.