كتب منير الربيع في المدن:
"تصّر مصادر لبنانية رفيعة أن بعضاً مما يدور في بيروت يَبني على ما جرى الإتفاق عليه بالدوحة؛ وتؤكد أن اجتماع الدوحة الخماسي كان اجتماعاً تأسيسياً، تضمن اتفاقاً على فتح مسار جديد يتصل بالإستحقاقات اللبنانية، وهذا المسار يختلف عن ما كان عليه الوضع سابقاً من خلال التفرد الفرنسي بالخطوات المتخذة. لا يتوهم أحد في لبنان سرعة الوصول إلى صيغة إتفاق أو تسوية، فهي تحتاج لوقت طويل ولتوفر ظروف إنضاجها، في محاكاة شبيهة تماماً بمسار الوصول إلى اتفاق الدوحة في العام 2008. إذ في تلك الفترة استمرت اللجنة الثلاثية بالعمل على مدار أشهر طويلة قبل الوصول إلى الإتفاق.
تنسيق وتكامل
ما تم تكريسه في إجتماع الدوحة، هو أن يكون التحرك الفرنسي لبنانياً منطلقاً من انسجام وتنسيق مع الدول الأربعة، على أن تتحرك هذه الدول بقوتها الديبلوماسية وعلاقاتها داخلياً وخارجياً. في هذا السياق، هناك من يسارع إلى الإستنتاج بأن المسار أصبح معروفاً وفي نهايته سيكون هناك تفاهم على انتخاب قائد الجيش كمرشح تسوية على غرار تسوية 2008. اللافت في هذه المرحلة، أنه ما بعد الإجتماع تكثفت التحركات الديبلوماسية على الساحة اللبنانية، خصوصاً أن لبنان ينتظر المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان والذي سيجول على غالبية المسؤولين، فيما برزت زيارة السفير السعودي وليد البخاري إلى دار الفتوى وأطلق موقفاً واضحاً حيال الحفاظ على اتفاق الطائف.
المسار الطويل
في الموازاة، تتحدث بعض المعلومات عن استكمال العاصمة القطرية الدوحة لمسارها الديبلوماسي في تهيئة الأرضية اللازمة داخلياً وخارجياً ليكون أي تحرك ستقدم عليه محصّناً من دون الخوض في تفاصيل كان قد غرق بها الفرنسيون سابقاً واصطدموا من خلالها بالكثير من العقبات والعثرات. هنا تؤكد مصادر متابعة الإنسجام والتنسيق بين السعودية وقطر والولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً أن الدول الثلاث لن تمانع، مثلاً ، في تأييد قائد الجيش في حال كان الإتجاه يميل إليه. لا شك أن ذلك سيكون بحاجة إلى مسار طويل، حتى أن المجمتمعين في الدوحة قد وضعوا موعداً مبدئياً لاجتماعهم مجدداً في شهر أيلول المقبل أي بعد شهرين.
منعاً للفراغ في قيادة الجيش
تقول مصادر ديبلوماسية غربية متابعة أنه في الفترة المقبلة، سيتم تكثيف التحركات على الساحة اللبنانية، وبين الدول المعنية والمهتمة بالملف اللبناني، إذ لا أحد يريد الوصول إلى مرحلة الإنهيار الكبير في لبنان، ولا أحد يريد أن يتكرر ما يحصل في مسألة حاكمية مصرف لبنان وعدم الإتفاق أو القدرة على تعيين حاكم بديل والضياع في معالجة هذه المشكلة، وهو ما لا يراد أن يحصل في منصب قيادة الجيش، لذلك فإن الخريف المقبل سيشهد تحركاً على مستوى كبير لإنضاج الحلّ قبل الوصول إلى 10 كانون الثاني 2024 موعد انتهاء ولاية قائد الجيش جوزيف عون.
ما سيدفع إلى تفعيل هذه التحركات، هو مسار الوضع المالي والإقتصادي الذي سيشتّد ويتصعّب أكثر بعد خروج رياض سلامة من منصبه، وهو ما سيكون له تداعيات سلبية على وضع الليرة وسيشكل عنصراً ضاغطاً على كل القوى السياسية أيضاً.
كذلك، يدور همس كبير في الكواليس السياسية حول الدخول في مرحلة تفاوضية تتصل بالإتفاق على النقاط الحدودية المختلف عليها في الجنوب وتثبيتها، وهو سيكون عنصراً أساسياً من عناصر التفاوض أيضاً، بالإضافة إلى بدء مرحلة التنقيب عن النفط والغاز والتي، في المرحلة التالية، ستكون بحاجة إلى وجود رئيس للجمهورية وحكومة أصيلة لمواكبة كل هذه الإستحقاقات والتطورات، وهو ما سيفرض تكثيفاً للجهود الدولية في سبيل الوصول إلى اتفاق."