هوكشتاين يرمي كرة الحلّ في ملعب لبنان... و"كرة النار" إلى تَدَحْرُج

... انفراجٌ كاملٌ بالتوصل إلى إبرام اتفاقِ وقْف الحرب وصورةٌ فرنسية - أميركية من باريس تقرع طبول إخماد طوفان النار قبل أن يحرق كل جسور العودة.... انهيارٌ للفرصة الأكبر في بلوغ صفقةٍ تُنْهي جولات القتل والتدمير المتصاعدة منذ شهرين وتالياً الدخول في أعتى موجاتِ التصعيد المجنون.... لا فشل ولا نجاح بل فتْحُ الباب أمام مزيدٍ من «الأخذ والردّ» حول نقاطٍ حساسة يُخشى أن «تَعْلَقَ» في شِباكها مَهمةُ المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين حتى توضَع «سمكةُ» إنهاءِ القتال في «سلّةِ» دونالد ترامب فتكون المرحلة الفاصلة عن 20 يناير محكومةً بتفاوضٍ «تحت النار» ولكن بأُفقٍ حلّ مهما تأخَّر فهو... آتٍ.

3 احتمالاتٍ لا رابِع لها «حامت» فوق لبنان في ساعاتٍ بالغة الحراجة، لفّها تفاؤلٌ مفرَط بما ستؤول إليه الزيارة التي كادت أن «تطير» لهوكشتاين اليوم إلى بيروت، قبل أن يهبَّ «تشاؤلٌ» أقرب الى التشاؤم مع ما أشيع عصر أمس في ضوء ما نقله موقع «أكسيوس» عن مسؤولين أميركيين من أن «المبعوث الاميركي أبلغ رئيس مجلس النواب نبيه بري تأجيل زيارته لحين توضيح موقف لبنان من اتفاق التسوية» مؤكدين أن «الكرة في ملعب الجانب اللبناني ونريد إجابات قبل مغادرة هوكشتاين إلى بيروت».
وعلى مدى بضع ساعات، بدا لبنان «تحت تأثير» هذا التطور الدراماتيكي والمُفاجىء الذي جاء وقعه أقرب الى الصدمة وسط انطباعٍ بأن ما أشيع كان في إطار التعبير عن عدم رضا واشنطن على ما اعتُبر استراتيجية «فنّ الغموضَ» حمّال الأوجه، وصيغة الاستفسارات التي ضمّنها الجانبُ اللبناني ردَّه على المقترح الأميركي للحل ولا سيما حول بنديْن أساسييْن والذي صيغ في قالبٍ من إيجابيةٍ متعمّدة من أهدافها أن «تحميه» من تحميله مسؤولية إجهاض الفرصة الأكثر جدية في بلوغ حلّ ورمي كرة إحباط هذا المسعى في ملعب اسرائيل بحال كانت «تكمن» للمقترح.

وبعد هذا المناخ الشديد السلبية والذي اعتُبر رسالة وإن ضمنية بربْط هوكشتاين، موفد «القبّعتين» (بدأ مهمّته موفداً كبيراً من إدارة الرئيس جو بايدن ويكملها بـ «إشارة مرورٍ» من ترامب) عودته الى بيروت (سينتقل منها الى اسرائيل الاربعاء) بإنهاء الجانب اللبناني «اللعب على الكلام» وتقديم جوابٍ لا لبس فيه على طريقة «يا ابيض با أسود»، عادت المعلومات وتحدثت عن ان هوكشتاين أقلع من واشنطن ويصل الى لبنان صباح اليوم، في مؤشر الى «شيء ما» حصل عليه ويلاقي ما كان أعلنه عن أنه لن يزور المنطقة ما لم يكن لإبرام اتفاق.

وإذ عَكَس تشدُّد هوكشتاين في رفْض أي محاولةٍ لاستنزاف مهمته دقة المرحلة التي استوجبتْ في الأساس استئناف ما قد يكون المسعى الأكثر جدية لاستيلادِ حلّ من فم البركان الذي تتطاير «حممه» في كل الاتجاهات وعلى عموم الخريطة اللبنانية، وصولاً إلى قلب بيروت الذي استُهدف أمس، بغارة طاولت غرفة عمليات تابعة للحزب قرب حسينية الزهراء في محلة زقاق البلاط (سقط العديد من الضحايا)، والأحد، مرتين في 6 ساعات (محلة رأس النبع ثم شارع مار الياس)، فإنّ هذا الأمر يعمّق المخاوفَ من حجم التعقيدات التي تتحكّم بمسار وقف الحرب، ومعها الخشيةَ من أن يخرج ثوران البركان عن كل إمكان احتواءٍ بحال بقي منطق «الثور الهائج» سائداً في تل أبيب، وتَمَسَّكت إيران بإدارة الحرب ومخرجاتها وفق حساباتٍ تُعْلي مصالح «المحور» وأولوية حماية حجر الزاوية (حزب الله) في قوس نفوذها المترامي في المنطقة.

«الآن وليس غداً»!

وفيما كان كل واحدٍ من السيناريوهات الثلاث ذات الصلة بما يمكن أن تخلص إليه أول عودة لهوكشتاين إلى «مَقاعد» الوساطة بعد فوز ترامب بالرئاسة، يُحاط بـ «حيثياتٍ» أو أسباب موجبة تعزّز خيارَ وضْع الحرب أوزارها «إن لم يكن الخميس فبحلولِ نهاية الأسبوع»، أو أن تجترَّ فصولاً أعنف من المواجهات الطاحنة أقله لشهرين إضافيين، أو أن تبقى مشتعلةً لحصْد المزيد من التنازلات ومن دون أن تحرق «مراكب» الرجوع إلى الاتفاق ولكن بـ «توقيتٍ ترامبيّ»، تساءلت أوساط سياسية هل يعني «تعليق» الموفد الأميركي عودته ثم قراره بالمجيء أن مَهمته هي أقرب إلى تعبير عن رغبةٍ في إبرام اتفاقٍ «الآن وليس غداً» وبعيداً من استعادة تجربة الدبلوماسية المكوكية التي تستجرّ شروطاً وشروطاً مضادة.

وكانت المناخات التي سبقت تريّث هوكشتاين في عودته إلى بيروت، تشي بأن مهمته هي من «طبقتيْن»، الأولى في لبنان، حيث كان سيسمع مباشرةً استفساراتِ بيروت (وحزب الله) حول بندين أساسييْن، والثانية في تل أبيب التي جرى افتراضُ أنه سينقل إليها ملاحظات «بلاد الأرز» ليُبنى على الشيء مقتضاه.

وتم التعاطي مع بدء هوكشتاين محطّته من بيروت ضمن هذه الأجواء، وبناءً على الإيجابية التي أشيعت في لبنان وضُمّنت الجواب الخطي، على أنه سيعني أن الإطاحة بالوساطة سيكون «على يد» تل أبيب إذا اعتبرت أن حتى المطالبة بتبديدِ التباساتٍ في بنود مفصلية هو رفْض للحل أو بحال أصرّت على مبدأ take it or leave it.

في السياق نفسه، كان «المسرح» المحيط بعودة هوكشتاين يتضمّن تقديراً بأن ما سيَحْكُمُ موقفَ بنيامين نتنياهو من التراجع عن تحبيذ منْح «أول هدية» وَقْفِ حربٍ لترامب، وليس لإدارة بايدن، يتمثّل في اقتناعه بأن الاتفاقَ المقترَح يترك له هامشَ التحرك والتصرف في لبنان للتصدّي لأي انتهاكٍ يتعلّق بمعاودةِ بناء حزب الله ترسانته العسكرية ومخزونه من السلاح أو عودةٍ له إلى جنوب الليطاني، وبأن آلية الإشراف والرقابة على تنفيذ القرار 1701 ومتمماته التي تراعي التطورات التي حصلت منذ 8 أكتوبر 2023 كافيةً لضمان «أمن مديد» لإسرائيل، وأن الحزب ضعف بالقدر الذي يسمح بـ «مكمّلٍ» سياسي عنوانه تقويض نفوذه بمفاصل الحكم في لبنان ووضع مجمل وضعيته العسكرية خارج الشرعية على الطاولة.

وفي الإطار، كان يسود تَرَقُّبٌ لكيفية تلقُّف نتنياهو «تساؤلاتٍ» لبنان حول بند «الدفاع عن النفس» والذي يطلّ حُكْماً بين سطوره على «حق التصرف» بإزاء أي تهديد وشيك ما لم تتصدّ له «آلية الرقابة»، كما حول لجنة الإشراف والمراقبة على تطبيق الـ 1701 وصلاحياتها والناظم لعملها وإطارها (مستقلّ عن لجنة الناقورة الثلاثية الحالية التي تضمّ ضباطاً من لبنان وإسرائيل واليونيفيل والقائمة منذ 2006)، مع انفتاحِ بيروت على إدخال الولايات المتحدة وفرنسا إليها ومرونةٍ حيال تكرار صيغة مجموعة مراقبة تفاهم أبريل 2006 عوض الذهاب إلى إطار «تأسيسي» جديدٍ يمكن أن ينطوي على تعديلٍ ضمني على الـ 1701 من باب التنفيذ وأدواته.

تشدّد نتنياهو

لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي، واكب إرجاء عودة هوكشتاين بإعلان أنه «لا يعتقد أن التسوية في لبنان ستكون قابلة للتطبيق»، مؤكداً أنه يطالب بحرية عمل للجيش الإسرائيلي ومنْع إدخال الأسلحة من سورية، «وهذا ما لا يتفق مع الوسطاء، وذلك ما دعمه أعضاء الكنيست في لجنة الخارجية والأمن»، موضحاً أنه سبق «أن قُدمت لنا 3 خيارات بشأن التعامل مع حزب الله لكن كان لي خيار رابع هو تدمير قدراته الصاروخية».

وتابع «سنمنع تعاظُم قدرات الحزب مجدداً، وحربنا أساساً مع جهة واحدة هي إيران التي تشكل تهديداً بثلاث وسائل، وهي أذرعها في المنطقة والصواريخ والبرنامج النووي»، وكاشفاً «أمرت بقتل (السيد حسن) نصرالله لأنه ليس قائداً لحزب الله فحسب بل لأنه كان قائداً مهماً جداً وهو الابن المدلل (للسيد علي) خامنئي والمشرف على خطة تدمير إسرائيل».

وأكد نتنياهو أن الهجوم على إيران في أكتوبر «أثر سلباً على قدراتها في مجالي الدفاع وإنتاج الصواريخ، وأصاب أيضاً جزءاً من برنامجها النووي».

وأضاف «هذا ليس سراً. هناك عنصر محدد في برنامجهم النووي أصيب في هذا الهجوم».

لكنه أوضح أن الطريق لايزال مفتوحاً أمام طهران لتصنيع سلاح نووي.

وتساءلت الأوساط عن مدى ارتباط التشدُّد «الاستباقي» والذي عبّر عنه نتنياهو أيضاً بتأكيده «أن ردّنا يجب أن يكون وقائياً وهو منْع إعادة بناء قدرات حزب الله ووقف تزويده بالسلاح عبر سورية، والمفاوضات تتم الآن تحت النيران والقصف ونطالب بإبعاد حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني»، بالخطوة السلبية من إدارة بايدن تجاه ملف الاستيطان ومخططاته المستقبلية والتي تمثلت في فرض الخزانة الأميركية عقوبات على منظمة «أمانا» الاستيطانية، التي تعمل في الضفة الغربية المحتلة.

وفي هذا الوقت، عبّرت الأوساط نفسها عن مخاوف كبرى من أن تتدحرج كرة التصعيد في الساعات والأيام المقبلة، ووفق ما ارتسم بالدم والدمار منذ الأحد، حيث تمددت بقعة النار إلى قلب بيروت حيث اغتيل مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف في رأس النبع وقيادي عسكري في الحزب (محمود ماضي) في شارع مار الياس، في اعتداءين سقط فيهما 10 أشخاص (بينهم امرأتان و4 من فريق عمل عفيف) وأصيب 45 آخرون بجروح.

بطاريات المدفعية

ولم يهدأ الميدان، غارات وقصفاً إسرائيلياً تركزا على الجنوب (النبطية ومدينة صور ومحيطها) ومواجهات على الحدود، وسط تطور بارز شكّله إعلان الجيش الإسرائيلي أن بطاريات المدفعية تنفذ عمليات قصف داخل الأراضي اللبنانية «وتهاجم أهدافاً لدعم القوات البرية خلال عملياتها».

وهذه المرة الأولى تعلن تل أبيب دخول بطاريات مدفعية إلى داخل لبنان.في المقابل، كثف «حزب الله» عملياته في العمق الإسرائيلي وصولاً إلى حيف واستهدف للمرة الأولى مستعمرتي حوسن وكيرِم بن زِمرا.