المصدر: المدن
الكاتب: نزيه درويش
الخميس 17 تموز 2025 12:24:35
حسنًا فعل وزير الداخلية والبلديات في الشروع بتشكيل هيئة جديدة للإشراف على الانتخابات لتحلّ محل الهيئة السابقة التي انتهت ولايتها منذ تشرين الثاني 2022.
فأرسل كتبًا إلى مجلس القضاء الأعلى، ومجلس شورى الدولة، وديوان المحاسبة، ونقابتَي محامي بيروت وطرابلس، ونقابة الصحافة، والمجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، ونقابة خبراء المحاسبة المجازين، لتسمية ممثلين عنهم كما ينص القانون 44/2017 خلال فترة شهر من تاريخه. وسيُضاف إليهم ممثل عن هيئات المجتمع المدني من ذوي الخبرة في الانتخابات، وعضوان آخران من أصحاب الخبرة الواسعة في إختصاصات مرتبطة بالانتخابات يسميهما الوزير بنفسه (المادة 10). على أن يُعيَّن الأعضاء بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزير. (المادة 11).
في القانون
هيئة الإشراف على الانتخابات هي هيئة دائمة تمارس، وفقاً للمهام المحددة لها في القانون، بصورة مستقلة وبالتنسيق مع وزير الداخلية والبلديات الذي يواكب أعمالها، ويحدد مقرها، ويؤمن لها مقرًا خاصًا مستقلًا ويحضر اجتماعاتها عند الاقتضاء، من دون أن يشارك في التصويت. (المادة 9).
تبدأ ولاية أعضاء الهيئة من تاريخ صدور مرسوم تعيينهم بناء على قرار مجلس الوزراء، وتنتهي بعد ستة أشهر من تاريخ إتمام الانتخابات النيابية العامة. (المادة 11)
يقسُم أعضاء الهيئة قبل مباشرة مهامهم، أمام رئيس الجمهورية، خلال مهلة أقصاها خمسة عشر يومًا من تاريخ تعيينهم، اليمين الآتي نصه:
"أقسم بالله العظيم أن أقوم بعملي في هيئة الإشراف على الانتخابات بكل أمانة وتجرّد واخلاص واستقلال وأحرص على التقيد تقيداً مطلقًا بالقوانين والأنظمة ولا سيما تلك التي ترعى الانتخابات، تأمينًا لحريتها ونزاهتها وشفافيتها". (المادة 13)
تُعدّ الهيئة نظامها الداخلي وتعدّله، وهو يتضمن القواعد والأصول التي ترعى سير عملها تنفيذًا لأحكام هذا القانون. ويتم التصديق على هذا النظام والتعديل بقرار يتخذ في مجلس الوزراء خلال مهلة خمسة عشر يومًا من تاريخ إيداعه الأمانة العامة لمجلس الوزراء. (المادة 14)
يتقاضى رئيس الهيئة تعويضًا شهريًا، طيلة مدة ولايته، يحدَّد في مرسوم تشكيل الهيئة على أن ينقطع عن أي عمل آخر. أما سائر أعضاء الهيئة الآخرين فينقطعون عن أي عمل آخر خلال العملية الانتخابية ويتقاضون بدلًا مقطوعًا خلال هذه الفترة يحدد في مرسوم تشكيل الهيئة. (المادة 18)
يرتبط بالهيئة جهاز إداري ولها أن تتعاقد مع مَن تراه مناسبًا من أصحاب الاختصاص لمؤازرتها في أداء مهامها. كما للهيئة أن تطلب أن يلحق بها بصورة مؤقتة عدد من الموظفين العاملين في الإدارات والمؤسسات العامة من الفئة الرابعة أو ما يعادلها لقاء تعويضات تحدد من الوزير. يتم هذا الإلحاق بقرار من الوزير المختص بناءً على طلب الوزير المبني على اقتراح الهيئة وتحدد في هذا القرار مدة الالحاق. وتعدّ الهيئة مشروع موازنتها ويُخصص بناءً على اقتراح الوزير اعتمادات خاصة لموازنة الهيئة في موازنة وزارة الداخلية والبلديات . (المادة 23)
مهام الهيئة
للتذكير فإن الهيئة تتولى المهام والصلاحيات الآتية (المادة 19):
1. إصدار القرارات والتعاميم التي تدخل ضمن مهامها ورفع الاقتراحات التي تراها مناسبة إلى الوزير .
2. تلقي طلبات وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة والإلكترونية الراغبة بالمشاركة في تغطية عملية الاقتراع والفرز وتسليمها التصاريح اللازمة لذلك، ووضع قواعد سلوك للتغطية الإعلامية.
3. تلقي طلبات وسائل الإعلام الخاصة المقروءة والمرئية والمسموعة الراغبة في المشاركة في الإعلان الانتخابي المدفوع الأجر وفقا لأحكام هذا القانون.
4. مراقبة تقيّد اللوائح والمرشحين ووسائل الإعلام على اختلافها بالقوانين والأنظمة التي ترعى المنافسة الانتخابية وفقًا لأحكام هذا القانون.
5. تحديد شروط وأصول القيام بعمليات استطلاع الرأي وكذلك نشر أو بث او توزيع النتائج أثناء الحملة الانتخابية ومراقبة التقيّد بفترة الصمت الانتخابي.
6. استلام الكشوفات المالية العائدة للحملات الانتخابية والتدقيق فيها خلال مهلة شهر من تاريخ إجراء الانتخابات.
7. تلقي طلبات تسجيل المفوضين الماليين عن الحملة الانتخابية لكل مرشح وتسليمه إيصالًا بذلك.
8. ممارسة الرقابة على الإنفاق الانتخابي وفقا لأحكام هذا القانون.
9. قبول ودرس طلبات المراقبين الانتخابيين المحليين والدوليين ومنحهم التصاريح ووضع قواعد سلوك لهم.
10. نشر الثقافة الانتخابية وإرشاد الناخبين وتعزيز الممارسة الديموقراطية بالوسائل المتاحة كافة.
11. تلقي الشكاوى في القضايا المتعلقة بمهامها والفصل بها، ويعود لها أن تتحرك عفوًا عند تثبتها من أية مخالفة وإجراء المقتضى بشأنها.
12- يمكن للهيئة أن تستعين عند الضرورة بأصحاب الخبرة المشهودة في الاختصاصات المرتبطة بالانتخابات وشؤونها.
تقدم الهيئة تقريرًا بأعمالها مع انتهاء ولايتها وتحيله إلى كلّ من رئاسة الجمهورية، رئاسة مجلس النواب ورئاسة مجلس الوزراء ووزير الداخلية والبلديات ورئاسة المجلس الدستوري. ينشر هذا التقرير في الجريدة الرسمية.
ماذا ينتظرها؟
ولكن القانون الذي أولاها هذه المهام، لم يعطِ الهيئة أدوات وأنياب كافية لكي تعاقب المخالفين الذين رصدتهم من مرشحين وإعلام، ولكي تبتّ بالشكاوى فورًا، أو تحرّك النيابات العامة، وحتى الغرامات التي نصّ عليها لم يذكر كيف ومتى سيتمّ تقاضيها ومَن هي الجهة المخوّلة بذلك، إلى آخره من التوصيات التي يجدر بأي قانون جديد أن يلحظها، وقد فصّلناها سابقًا على صفحات "المدن". ومع ذلك وبسبب ذلك، على الهيئة الجديدة اتخاذ خطوات سريعة لاستعادة المبادرة وصنع فارق نوعي عن الممارسات السابقة التي لم تنجح مع الأسف في تطوير علاقة الجمهور بالعملية الانتخابية، بل أحيانًا زادت من التشويش عليها عندما سمحت بعرض نفسها للمساءَلة، بسبب إمكانياتها ومهاراتها الضئيلة، بدل أن تكون هي المحاسِب والمسائِل.
وقد نكون اليوم، مع هيئة جديدة ووزير جديد يحرص على ممارسات جديدة، أمام فرصة إصلاح الإعوجاج الذي رافق الهيئة السابقة طيلة ولايتها منذ تأسست في 2017.
أولى الخطوات المطلوبة من الهيئة الجديدة وضع استراتيجية تواصل وإعلام فعّالة تعيد ثقة المواطنين بالإدارة الانتخابية عمومًا وبعمل هيئة الإشراف خصوصًا. وتبني جسرًا معهم عماده الشفافية والحيادية إلى جانب الكفاءة والمهنية والفعّالية والتفاعلية، عبر اعتماد مختلف وسائط الاعلام الاجتماعي والتقليدي والهواتف وغيرها للنفاذ إلى مختلف الشرائح العمرية المعنية، بلغتها وأسلوبها، إضافة إلى موقع الكتروني رسمي دائم يحمل الذاكرة المؤسساتية للهيئة ويعرض الوثائق بطريقة يسهل استخدامها.
ثانيًا إعادة الاعتبار لشخصية الهيئة المعنوية والمادية عبر التعاطي مع الشكاوى والمخالفات بصورة صارمة ومختلفة عمّا كانت تقوم به الهيئة السابقة التي سمحت بأن تُستَضعف ومن ثم تُهمَش. كذلك عبر علاقتها بوسائل الاعلام المخالفة التي يجب أن تكون عادلة ومتساوية وبلا تمييز. ومن المستحسن أن تضع مع هذه الوسائل بروتوكول واضح سقفه الحدّ الأقصى مما يسمح به لها القانون وليس الحدّ الأدنى. والأهم أن لا يبقى حبرًا على ورق! كذلك عليها استخدام كامل صلاحياتها والقيام بكافة مهامها من دون أي نقص أو إهمال وعدم التذرّع بضيق ذات اليد للتقاعس عن ذلك، وحين تعجز في أمر عليها فورًا مكاشفة الرأي العام ونشر الوقائع والحقائق. هكذا فقط تكسب مصداقية الجمهور.
ثالثًا تأسيس علاقة واضحة مع وزير الداخلية والبلديات وآلية تعاون دائمة مع الوزارة لتلافي الخلل الكبير الذي كانت تعاني منه علاقة الهيئة السابقة بالوزارة. ومن أبرز ذلك تأخر هذه الأخيرة في صرف ميزانية الهيئة وتأمين احتياجاتها اللوجستية، ووضع يدها على بعض صلاحياتها كالقيام بحملات ونشاطات تثقيف الناخبين على سبيل المثال لا الحصر، أو عدم أخذ ملاحظاتها ومطالباتها المنصوص عنها في القانون على محمل الجد. فالهيئة مستقلة في قراراتها، ولكنّ هدفها وهدف الوزارة واحد وهو تطبيق كامل للقانون لتحقيق أكبر قدر ممكن من العدالة والانصاف وتساوي الفرص أمام المرشحين.
رابعًا وضع تصميم تفصيلي للجهاز الاداري الدائم الذي تحتاجه الهيئة للقيام بواجباتها على أكمل وجه، ومايتطلبه من موارد بشرية ومادية بما فيها وضع المواصفات الوظيفية والاختصاصات. والبحث مع الجهات المانحة (الاتحاد الاوروبي/برنامج الامم المتحدة الانمائي) في تمويل جهاز مستدام وليس موسمي.
خامسًا وضع تصميم تفصيلي لجهاز مراقبة الحملات والحسابات والاعلام التقني الذي تحتاجه الهيئة ومايتطلبه من موارد بشرية ومادية بما فيها وضع المواصفات الوظيفية والاختصاصات. والبحث مع الجهات المانحة (الاتحاد الاوروبي/برنامج الامم المتحدة الانمائي) في تمويله.
سادسًا وضع خطة استعانة بخبرات وموارد بشرية والتعاقد معها ومحاولة إقناعها بالعمل تطوّعيًا أو أقله لقاء أجر رمزي أو مكافآت معنوية، والتعاون مع الجمعيات اللبنانية المعنية للإستعانة بخبراتها الطويلة في العمل الانتخابي ومكافحة الفساد والرشاوى والرقابة والرصد. من دون أن يعني ذلك السماح لأحد التدخل في قرارات الهيئة أو التأثير فيها.
هذه بعض الاقتراحات الأولية التي من شأنها أن تعيد للهيئة اعتبارها وللانتخابات بعضًا من صدقيتها ونزاهتها المتأرجحة. على أمل أن لا تطلّ المحاصصة والمحسوبية برأسها في تعيين أعضائها على حساب الكفاءة والمهنية والحيادية فيضيع حبرنا هذا على الورق!