وزير التربية في ملف فساد الوزارة: مقصّر أم متواطئ؟

حتى الآن، لم يتّخذ وزير التربية، عباس الحلبي أي قرار أو إجراءات مؤقّتة لحماية الأدلة والمستندات الورقية والإلكترونية في ملف رشاوى معادلات شهادات الطلاب العراقيين. فقد عادت رئيسة دائرة الامتحانات الرسمية وأمينة سرّ لجنة المعادلات ما قبل التعليم الجامعي بالتكليف المدَّعى عليها أمل شعبان إلى مزاولة عملها الطبيعي في اليوم الثاني لإخلاء سبيلها، فيما الملف لا يزال مفتوحاً والتحقيق القضائي لا يزال مستمراً مع وجود استنابات قضائية لفرع المعلومات بالتوسّع فيه.

ورغم أن الوزير أكّد، مع بداية التوقيفات لموظفي الوزارة أنه لا يغطي أياً منهم، إلا أنه لم يقم بواجباته الإدارية البديهية، فلم يؤلّف لجنة تحقيق داخلي، ولم يراسل التفتيش المركزي لمتابعة الملف، ولم يُعْفِ شعبان من مهامها رغم ما ذكُر في التحقيقات عن مستندات موجودة في خزنة مكتبها، والتي لا يملك أحد مفتاحها ورقمها سوى شعبان والموظف في لجنة المعادلات الموقوف رودي باسيم. فهل من المنطقي أن تبقى المدَّعى عليها تتحكّم بالملفات، ولا سيما أنها خرجت بإخلاء سبيل بكفالة مالية وليس بمنع محاكمة، حتى لو كانت تستفيد من قرينة البراءة قانوناً؟ وألا يُعد تواطؤاً أن يكتفي الحلبي طوال هذه الفترة بالتصريح بأنه يرفع الغطاء عن الجميع، في حين أن كل ما فعله في ملف شعبان هو حمايتها، بدءاً من بيان مكتبه الإعلامي الذي دافع فيه عنها، ما عُدّ تدخلاً فاضحاً في التحقيق، خصوصاً بعد توقيفها.

وعلمت «الأخبار» أنّ شعبان حضرت إلى الوزارة، الجمعة الماضي، حين كان الوزير والمدير العام، رئيس لجنة المعادلات ما قبل التعليم الجامعي، عماد الأشقر، في جولة على مدارس رسمية في مناطق لبنانية عدة، وقد وقّعت المعادلات القديمة التي طرأت عليها بعض التصحيحات، وكانت هناك تعليمات بعدم طباعة معادلات على رقم جلسات قديمة، كما كان يحصل سابقاً، فيما وضعت كل المعادلات التي تسلّمها الموظفون خلال فترة غيابها، بتاريخ جلسة الجمعة التي انعقدت مرة جديدة بغياب الأشقر.

فهل اطّلعت شعبان على صحة الإجراءات لهذه المعاملات المتأخّرة خلال توقيفها؟ وما مصير ملفات المعادلات للطلاب العراقيين التي كانت موجودة في مكتبها حصراً قبل التوقيف؟ هل وُقعت؟ وهل أصبحت جاهزة للتسلّم أم لم تُوقّع؟ ولماذا لم تُوقّع؟

ربما من المفيد العودة إلى بداية التوقيفات كي يتسنّى للرأي العام الحكم على الطريقة التي أدار فيها وزير التربية فساد وزارته والرشاوى التي ضجّ بها البلد.

ما حصل أنّ فرع المعلومات باغت الموظفين في مديرية التعليم العالي، إذ حضر فجأة إلى الطبقة السادسة وطوّقها، وصادر هواتف الموظفين الذين لم يكن لديهم وقت لإخفاء الأدلة الموجودة فيها. لكن في مرحلة التعليم ما قبل الجامعي لم يكن الحال كذلك، إذ تأخّرت الإجراءات، والإشارة من القضاء إلى البدء بالتحقيقات. وهنا أخذ الموظفون في هذه الدائرة الوقت الكافي للتخلص من هواتفهم وغالبية الأدلة. وبحسب ما ورد في تحقيق المعلومات، فإن العديد منهم غيّر هاتفه أكثر من مرة، فضلاً عن إخفاء مستندات، فيما تتحدث معلومات عن إخفاء مستندات داخل الوزارة.

وبدأت الضغوط تمارس من اليوم الأول في كل الاتجاهات، وهناك محادثات، نُشرت على بعض مواقع التواصل الاجتماعي، بين مسؤول قطاع التربية والتعليم في تيار المستقبل مدير التعليم الثانوي بالتكليف خالد الفايد وبعض المديرين يبلغون فيه المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان بالتطورات لحظة بلحظة.  

الضغوط مورست كي لا يتم التحقيق من الأساس في ملف المعادلات ما قبل التعليم الجامعي، لكنّ إصرار فرع المعلومات نتيجة المعطيات والتحقيقات المتوافرة لديه أدّى إلى استدعاء الموظفين في هذه الدائرة، ما أتاح لشعبان، بحسب مصادر إدارية، ولا سيما بعد توقيف باسيم، الاجتماع مع الموظفين الذين استُدعوا إلى التحقيق وإعطاءهم التعليمات التي زوّدها بها محاميها حول ما ينبغي أن يقولوه في التحقيق. وبعدما علم عثمان أنّ مواجهة ستحصل بين الموظفين الموقوفين واحتمال توقيف شعبان، سارع ليل 22 - 23 كانون الأول الماضي إلى إغلاق الملف خلافاً لأحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية. كما زارت النائبة السابقة بهية الحريري الوزارة بحجة مشروع تدعمه وأبلغت وزير التربية بضرورة إغلاق الملف. لذلك، على الحلبي أن يثبت للرأي العام ولو متأخّراً حياديته من خلال مساواة شعبان بموظفي التعليم العالي، فإما أن يضعها في التصرف، أو يعفيها، بالحد الأدنى، من مركزيْها اللذين كانت تشغلهما قبل التوقيف، ولا سيما أن دائرة الامتحانات الرسمية لا تقلّ فساداً والمخالفات فيها أكبر من لجنة المعادلات ما قبل التعليم الجامعي.

«الأخبار» علمت من مصادر مطّلعة أنّ ما يقلق الحلبي ويجعله متردّداً في اتخاد القرار بإعفاء شعبان هو ما أثير العام الماضي بشأن تعويضات الامتحانات الرسمية، والتباين الفاضح بين الرقم الذي أدلت به شعبان وهو مليونا دولار، والرقم الذي أدلى به الأشقر الذي يشغل منصب رئيس اللجان الفاحصة، والذي تبنّاه الوزير وهو 8.9 ملايين دولار، أي بفارق 6.9 ملايين دولار، قبل لفلفة الموضوع من دون أي تحقيق ومن دون معرفة التسوية التي تمّ التوصل إليها.