رفض البنك الدولي الخطة الخمسية لوزارة التربية بعدما تبين أن لا مخرجات جدية ستأتي منها، وأرقامها غير واضحة، ولا تحاكي الأزمة التي يعيشها لبنان، وذلك بعد جهود قامت بها النائبة حليمة القعقور، التي قدمت دراسة مفصلة تظهر عدم جدوى الخطة، التي لم تتغير منذ تاريخ وضعها، رغم تبدل كل ظروف البلد.
أفكار ما يطلبه المموّل
وكانت وزارة التربية أطلقت في العام 2020 خطة خمسية تهدف إلى إنقاذ القطاع التربوي وللوصول إلى تعليم نوعي-مرن للجميع، وكانت كلفتها تزيد عن 800 مليون دولار. ثم عادت الوزارة وعدلت الخطة في عهد الوزير الحالي عباس الحلبي، وعرضتها أمام وسفراء وممثلين عن المنظمات الدولية والجهات المانحة، بغية استقطاب التمويل للنهوض بالقطاع على أسس جديدة، تقوم على الشفافية والوضوح والحوكمة. وأكدت الوزارة أن الهدف هو استمرارية القطاع وتأمين جودة التعليم. وهي مقسمة إلى ثلاثة أسس: الأول يتعلق بالتعليم العالي والدمج المدرسي. والثاني بالحوكمة وإدارة المال وتطوير القدرات الإدارية في الإدارة المركزية والمناطق التربوية والمدارس، وفي التعليم المهني والتقني، والمركز التربوي للبحوث والإنماء. والثالث يعنى بوسائل خفض النفقات وترشيدها ومنع الهدر في المصاريف.
أفكار الخطة كانت بمثابة ما يطلبه المجتمع الدولي من الوزارة لتمويل برامج ومشاريع الوزارة، أي الحوكمة الرشيدة وخفض الإنفاق والشفافية المالية. وسبق وأعطى البنك الدولي موافقة مبدئية. لكن بعد دراسة الخطة لم يقتنع المسؤولون بها، لأن ركائزها هي عينها ما جاء في مشاريع سابقة ممولة من البنك الدولي مثل مشروع S2R2، الذي لم ينتج عنه المخرجات المطلوبة، رغم أن تقييمه على الورق كان جيداً.
رفض تعديل الأرقام
تقوم الخطة على مبدأ حق الوصول إلى التعليم للجميع، وعلى وضع أسس لنظام يؤمن جودة التعليم وتحسين طرائق التعليم، من خلال تدريب المعلمين وتعزيز الإدارة وحوكمتها. وهي مبادئ شبيهة بما جاء في مشروع S2R2، لكن تبين أن التسرب المدرسي ارتفع عن السابق (لا وصول للتعليم) وتبين أن التدريب يقوم به مشروع كتابي (هدر المال) وتبين أن جودة التعليم تراجعت، وتبين أن الفساد زاد استشراساً. وعليه رفض البنك الدولي الخطة لعدم إمكانية قياس المخرجات ولعدم وضوح الأرقام. وطالب بإعادة وضع خطة جديدة.
ووفق المصادر، طلبت الوزارة من البنك الدولي استمهالها للقيام بتعديل الأرقام، لكن البنك الدولي رفض الأمر. وطلب إعادة وضع خطة جديدة تحاكي طبيعة الأزمة التي يمر بها لبنان والفاقد التعلمي الحاصل.
عملياً، لم يقتنع البنك الدولي بخطة الوزارة، رغم أنه سبق وأعطى موافقة مبدئية. وكانت الدراسة التي قدمتها النائبة حليمة القعقور إلى البنك الدولي أساسية في لفت نظر المسؤولين فيه لعدم إنفاق أموال على خطط فضفاضة. وبينت القعقور في الدراسة أن طبيعة الأزمة الحالية في القطاع لا تنطبق مع الخطة التي وضعت سابقاً. هذا فضلاً عن وجود تلاعب بالأرقام، بين ما تقدمه الوزارة وما يقدمه المركز التربوي. وكشفت عن ثغرات كبيرة، لا سيما أن مشاريع عدة سابقة وضعت أهدافاً هي عينها في الخطة ولم تنفذ، رغم إنفاق ملايين الدولارات عليها.
وطالبت القعقور البنك الدولي بإلزام الوزارة بوضع خطة قابلة للقياس والتقييم السنوي، كي يتم مساءلة المسؤولين وفقها. فلا يجوز وضع خطة تربوية لا يمكن قياس مخرجاتها، وغير قائمة على رؤية واضحة لطبيعة المخرجات التي ستنتج عنها. فالمسألة لا تتعلق بسرقة أو الهدر المال. بل بكيفية إنفاق المال والوصول إلى الأهداف. ولا يجوز أن يمول البنك الدولي خطة من دون وجود أسس يمكن على أساسها قياس مدى تطبيقها فعلياً ووسائل متابعة وتقييم سنوية لمدى الفعالية. ولا يجوز أن تقوم الخطة على ما يطلبه الممولون مثل الشفافية. فقد يكون تنفيذ أي مشروع قائم على مبدأ صفر سرقة، لكن بلا تحقيق الهدف المرصود. وتكون النتيجة أن الخطط هي بمثابة هدر للمال، رغم كل الشفافية.