المصدر: النهار
الكاتب: ليلي جرجس
السبت 6 كانون الثاني 2024 14:33:31
يواصل عدّاد الإصابات ارتفاعه. ثمة عوارض متشابهة لفيروسات مختلفة انتشرت منذ شهر في لبنان، وما تزال تنتشر. لا شيء يبدو غريباً في هذه الظاهرة وفق ما يؤكّد المتابعون، فالفيروسات موجودة منذ سنوات، لكن سيطرة كوفيد_19 خلال السنوات الماضية أدّى إلى تراجع انتشار الفيروسات الأخرى.
اليوم، تراجع فيروس كورونا، وعادت الفيروسات الأخرى في موسمها الاعتيادي (الأيام الباردة) لتُشكّل حالة قلق ومرض، مع إصابة الكثيرين بعوارض أشبه بعوارض بالرّشح، وما هي للرّشح!
ينتشر فيروس الأنفلونزا في مختلف المناطق اللبنانية. وبالرغم من غياب الإحصاءات الدقيقة بسبب عدم قدرة الناس على إجراء الفحوصات لأسباب عديدة، أو اللجوء إلى الصيدليات لمعالجة عوارضهم بأنفسهم من دون استشارة الطبيب، فإن الأنفلونزا هو الفيروس الأكثر انتشاراً عند اللبنانيين بعد فقدان المناعة الجماعيّة ضدّه.
لم تتوقف وزارة الصحة اللبنانية عن إصدار جدول ترصّد عدوى كوفيد_19. وفي آخر جدول لها بتاريخ 3 كانون الثاني بلغت نسبة الفحوصات الإيجابية 4.7 في المئة، في حين بلغت نسبة استعمال أسرّة العناية الفائقة 4 في المئة، ممّا يجعل مستوى تصنيف التفشّي المجتمعي على مستوى 2.
تتابع الوزارة كما المختبرات تطوّر انتشار الفيروسات في لبنان، كلّ حسب قدراته ونسبة الإقبال على الفحص والإبلاغ. وهذا ما توضحه نقيبة أصحاب المختبرات الطبية الدكتورة ميرنا جرمانوس في حديثها لـ"النهار".
تعترف بأن هناك زيادة في الإصابات، خصوصاً بفيروس الأنفلونزا. لكن الأرقام المرصودة هي في عهدة فريق الترصّد الوبائي في وزارة الصحة الذي يتابع بالتفصيل انتشار الفيروسات على الأراضي اللبنانية.
في الإطار، تؤكّد رئيسة برنامج الترصد الوبائي في وزارة الصحة الدكتورة ندى غصن لـ"النهار" أن لبنان يشهد حالياً موجة موسميّة من الأنفلونزا، وأكثر أنماطها انتشاراً في الوقت الحالي هو فيروس H1N1 وInfluenza A(H3) وانفلونزا B (Victoria)، حيث تُسجّل نِسب إيجابية عالية لفحوصات الأنفلونزا في شبكة المستشفيات والمراكز الصحية لترصّد العدوى التنفسيّة.
وتوضح بأن "هذه الموجة وطنيّة حيث بلغت نسبة الفحوص الايجابية لفيروس الانفلونزا خلال الـ 4 الأسابيع الماضية 38 في المئة للمرضى داخل المستشفى، في حين بلغت النسبة للمرضى الخارجيين 30 في المئة.
أما بالنسبة إلى فيروس كورونا، فتشير غصن إلى أن "نسب الفحوصات الإيجابية منخفصة، سواء في المستشفيات أم في المراكز الصحيّة حيث بلغت نسبة الفحوص الايجابية 4 في المئة داخل المستشفيات والمراكز الصحية و2 في المئة للفحوص الخارجية. ويعود السبب إلى أن لبنان يسجّل عادة موجتين من كوفيد: الأولى في الصيف، والثانية في الشتاء؛ وبالتالي، نحن بانتظار الموجة الشتوية".
من جهتها، تؤكّد جرمانوس توافر الفحوص للكشف عن فيروسَي الأنفلونزا والكورونا، سواء في الصيدلية أم في المختبرات، وتتراوح الأسعار من 800 ألف إلى مليون ليرة تقريباَ، حسب كلّ مختبر. ووفق ما نعرف، وبسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، وتراجع الخوف من الفيروس، تعزف شريحة من اللبنانيين عن إجراء الفحوصات، وتكتفي بمعالجة العوارض بنفسها أو بإشراف الصيادلة.
ولكن فيروس كورونا ليس الفيروس الوحيد المنتشر في لبنان، إذ اكتسب الناس المناعة ضدّه، بالرغم من مواصلة تحوّره. "ما يُرهق اللبنانيين فعلاً اليوم ويجعلهم أسرى المرض والعوارض الشديدة في الأيام الأولى من الإصابة يعود إلى فيروس الأنفلونزا، الذي تغيّر خلال السنوات الأربع الماضية، وبات يُصيب الناس الذين فقدوا المناعة ضدّه"، يؤكّد الاختصاصي في الأمراض الجرثوميّة في مستشفى "أوتيل ديو" الدكتور جاك شقير.
يعرف تماماً أن الحالات التي تُسجّل تعود بالدرجة الأولى إلى الأنفلونزا من مجموعة A ( H1N1-H3N2) والمجموعة B، بالإضافة إلى تسجيل إصابات بفيروس كورونا الذي لم يختف أصلاً، وفيروس الـRSV الذي يُصيب الأطفال بشكل خاص.
وبالرغم من أن الفيروسات تنتشر أكثر في فصل الشتاء، فإن عوامل كثيرة تؤدّي دوراً في زيادة الحالات، وفي نقل العدوى، أهمّها غياب الإجراءات الوقائية، التي كانت متّبعة مع انتشار فيروس كورونا، وانخفاض نسبة التطعيم، سواء لفيروس كورونا أم للأنفلونزا، والتجمع في داخل الأماكن المغلقة التي تزيد من سرعة انتشار الفيروسات.
يعترف شقير بأن أكثر الحالات المنتشرة تعود إلى الأنفلونزا، والسببُ تحوّر الفيروس خلال السنوات الأربع الماضية في الوقت الذي فقد الناس فيه المناعة نتيجة انتشار فيروس كورونا. وبالتالي، يحتاج الناس إلى اكتساب مناعة جديدة تحميهم من الأنفلونزا.
وبما أن العوارض تعتبر متشابهة بين الفيروسات الثلاثة (الكورونا-الأنفلونزا–الفيروس المخلويّ التنفسي RSV) فلا يمكن للفحص السريري تحديد نوع الفيروس، ونحتاج إلى إجراء فحص سريع أو مخبريّ للتأكد من نوع الإصابة.
وعليه، يُعدّد شقير أهم عوارض الأنفلونزا، التي تشمل:
* الحرارة المرتفعة
* الآلام في الجسم والعظام
* الآلام في الحلق
* السعال القويّ
* سيلان الأنف في بعض الحالات.
ومن المهم أن نعرف أن الشخص المصاب بالأنفلونزا يُمكن أن ينقل العدوى قبل يومين من ظهور العوارض، وبعد 5 أيام من إصابته. لذلك يعتبر شديد العدوى خصوصاً نتيجة الرذاذ الناتج من السعال.
ولا يخفى على أحد أنه بعد أن سجّل فيروس الأنفلونزا أدنى مستوياته في العام 2020 نتيجة جائحة كورونا، ها هو اليوم يعود إلى الانتشار السريع ويتسبّب بإصابات كثيرة.
ويشدّد شقير في حديثه على أهمية التطعيم للتخفيف من حدّة العوارض، خصوصاً عند الأشخاص الذين يعانون من مشكلات صحيّة.
أما العلاج فيتمثّل بإعطاء دواء Oseltamivir على مدى 5 أيام، ويعتبر علاجاً فعالاً للتخفيف من مخاطر المضاعفات وحتى الوفاة.
لكن ماذا عن متحور كورونا؟ لا يُخفي الاختصاصي في الأمراض الجرثومية في مستشفى "أوتيل ديو" أن الفيروس ما يزال موجوداً وسيبقى، إلا أن حدّته لن تكون كما كانت خلال أول ظهور له في العام 2019. وعليه، لم يعد الناس يخشون الفيروس كما كان الوضع سابقاً، ولم تعد العوارض بالشدّة والقوّة التي كانت عليها سابقاً.
ويشدّد شقير على أن بروتوكول العلاج اختلف، ويعتمد على الحالات الصحية؛ لذلك يتمّ الأخذ بعين الاعتبار عوامل الخطر عند الشخص (عمره-مشكلاته الصحية المزمنة-ضعف مناعة-الحمل...). وعليه، يتم وصف دواء للسيلان، والمقصود ليس دواء الأسبرين، بل دواء آخر.
وإن سُجّل انخفاص في مستوى الأوكسجين إلى ما دون الـ90، فعند ذلك يبدأ العلاج بالكورتيزون.
كذلك، يوصف دواء Paxlovid للأشخاص الذين هم عرضة للمضاعفات، ويتم إعطاؤه في أوّل خمسة أيام من تاريخ الإصابة. لكنه لا يُعطي نتيجة إن أعطي بعد تلك الفترة من الإصابة بالفيروس.
أما دواء Remdesivir فيُنصح بإعطائه في الأيام الأولى من الإصابة لتفادي تفاقم الحالة، لأنه لا يُعطي نتيجة فعّالة إن جرى وصفه لاحقاً.
في المقابل، تعتبر المضادات الحيوية الأخرى، والفيتامينات، مثل الفيتامين "سي" و"الزنك" علاجات خاطئة، ولم تعط أيّ نتيجة، ولم يعد الأطباء يصفونها.
ماذا عن الفيروس المخلوي التنفسي؟
يوضح شقير بأنّ هذا الفيروس ليس بجديد، ويُصيب عادة الأطفال، ويُسبّب لهم التهاباً في القصبات الهوائيّة أو ما يُعرف بالـBronchite. وتشمل عوارضه:
* الصفير في الصدر
* السّعال
* ضّيق التنفّس
* الحرارة.