من حروب الظلّ إلى الصراع المباشر.. إسرائيل تحضّر لهجوم أكبر على إيران؟

بعد سنوات من المواجهات الخفية، انتقلت الحرب الإسرائيلية – الإيرانية من أقبية الظل إلى ميادين العلن، فشنّت إسرائيل أوّل هجوم مباشر على إيران فجر السبت، استهدفت خلاله مواقع تصنيع أسلحة ودفاعات جوّية، بعدما هاجمت إيران إسرائيل مرّتين بصواريخ ومسيّرات هذا العام، وبذلك يكون الاشتباك الإقليمي قد بدأ يتخذ أوجهاً جديدة أكثر حدّة وخطورة تُنذر باقتراب الانفجار في المنطقة.

هذه المواجهات المباشرة اشتعلت إثر التصعيد بين إسرائيل والتنظيمات المدعومة من إيران، بعد سنوات من حرب الظل التي خاضها الطرفان وتمثّلت بعمليات اغتيال وتخريب وتجسّس، كاغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده، وتخريب مواقع نووية إيرانية، وتجنيد شبكات تجسّس داخل إسرائيل.

ستيفن إيرلانغر، كبير المراسلين الديبلوماسيين لصحيفة "نيويورك تايمز" في أوروبا، يرى في مقال له أنّ هناك "مرحلة جديدة من الصراع" بين إيران وإسرائيل، وينقل عن محلّلين قولهم إن الهجوم الأخير كان بمثابة "بداية مرحلة جديدة وأكثر خطورة في الصراع". وفي هذا السياق، ترى إيللي جيرانميه، الخبيرة في شؤون إيران في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن الحرب الخفية باتت "صراعاً مفتوحاً بالكامل".

المواجهات المباشرة قد تحمل مخاطر أكبر من الحرب الخفية، وتهدّد باشتعال إقليمي. يُشير يوئيل غوزانسكي، الخبير الإسرائيلي في شؤون إيران في معهد دراسات الأمن القومي، إلى أن "هذه بداية لمرحلة جديدة وخطيرة"، وإن كانت إيران تُحاول التقليل من حجم الهجوم الإسرائيلي في سياق مُحاولاتها لتجنّب الحرب الشاملة.

أشعلت إسرائيل هذا الصراع منذ قصفت القنصلية الإيرانية في دمشق في 1 نيسان (أبريل) الماضي، وتُسأل عن سبب الانتقال من المواجهات الخفية إلى الاشتباك المباشر رغم مخاطره الكبير. وفي هذا السياق، يقول عساف زوران، الباحث في مركز "بلفر" التابع لكلية كينيدي بجامعة "هارفرد" بمقال في مجلّة "ذا ناشيونال إنترست"، إنّ إسرائيل ترغب في استهداف "رأس الأخطبوط" بدلاً من الاكتفاء بإضعاف "مخالب الوكلاء" فحسب، وهذا النهج مدفوع بالدعم الشعبي، كون المجتمع الإسرائيلي "أصبح متطرّفاً" ويبدو أنّه "تقبل التكاليف" المرتبطة بالقتال الإقليمي.

تهدف إسرائيل إلى ردع الهجمات الإيرانية المباشرة وقطع الأوتار التي تربط طهران بشبكة وكلائها، وفق ما يقول مقال "ذا ناشيونال إنترست"، لكنْ ثمّة أهداف استراتيجية تتمثّل بإرسال تحذير "صارم" تجاه البرنامج النووي الإيراني من خلال استهداف دفاعات جوّية وضرب موقع كان يرتبط سابقاً ببرنامج الأسلحة النووية، وهذه الرسالة تتزامن مع تصاعد المخاوف من إنتاج سلاح نووي.

أليكس فاتانكا، المدير المؤسس لبرنامج إيران في معهد الشرق الأوسط ومقرّه واشنطن، يعتقد أن إيران وإسرائيل "لا يُريدان رؤية الحرب الشاملة تندلع" في ظل الظروف الحالية، فالإيرانيون "ليسوا جاهزين لهذه الحرب"، ولا إشارات إلى أنهم "يشعرون بثقة أن عليهم خوض هذه الحرب أو الفوز بها". 


ويُضيف في حديث خاص لـ"النهار": "على المقلب الآخر، فإن الحالة الوحيدة التي يُمكن أن تدخل إسرائيل هذه الحرب وتكون واثقة من تحقيقها النصر هو إذا وقفت الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل، وهذا ليس الحال اليوم، فواشنطن تريد دعم تل أبيب في الدفاع عن نفسها، لكن هذا الأمر مختلف عن مساعدتها بالدخول بحرب واسعة مع طهران".

هجوم مستقبلي أكبر وتصعيد؟

الهجمات المباشرة قد تساعد تل أبيب إما بإرغام طهران على تقديم تنازلات بشأن برنامجها النووي أو استفزازها لتسريعه، وبالتالي تبرير حملة دولية أوسع نطاقاً، وهذا الطرح يفتح الباب أمام احتمال شن المزيد من الهجمات. وفي الإطار، ينقل مقال "نيويورك تايمز" عن محلّلين خشيتهم من أن تكون إسرائيل قد أعدت المسرح لشن هجوم أكبر.


الهجوم الأكبر قد يحصل بُعيد انتهاء الانتخابات الأميركية، كون الولايات المتحدة ستكون منشغلة بعملية انتقال السلطة حسب محلّلين. سوف يتضاءل خلال هذه المرحلة نفوذ واشنطن على تل أبيب وتركيزها على الصراع بين الأخيرة وطهران. وتتقاطع جيرانميه مع هذه السردية وتتخوّف من أن يكون ضبط أميركا لرد إسرائيل قدرة "موقّتة" قبل تجدّد الهجمات بهدف استنزاف القدرات الإيرانية.

رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية محمد محسن أبو النور، يرى في حديث لـ"النهار" أسباباً عدّة خلف التحوّل من حرب الظل إلى الحرب المباشرة، في طليعتها خرق إسرائيل للخطوط الحمراء في قواعد الاشتباك بعد مهاجمة الداخل الإيراني أكثر من مرّة ونقل المعركة إلى داخل إيران، وتوجُّه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بكلمة للشعب الإيراني يدعو خلالها لإسقاط النظام.

رد إيراني وشيك؟

في ظل هذا الواقع، فإن صنّاع القرار في إيران قد يشعرون بأنهم مجبرون على مواصلة التبادل العسكري الحالي لمنع المزيد من تآكل قدرات الردع. وفي حال استمر اختلال توازن الردع بين الطرفين لصالح إسرائيل، كون الخبراء يتفقون على أن هجماتها كانت أكثر فعالية من الردود الإيرانية، فإن هذه المشهدية قد تفرض على إيران تغيير عقيدتها الأمنية.

في هذا السياق، يتوقّع أبو النور  اندلاع اشتباكات أكثر بين إسرائيل وإيران وتصاعد حدّة الصراع بين الطرفين إذا خرقت إسرائيل المزيد من الخطوط الحمراء وقامت بعمليات اغتيال جديدة أو عمليات استخبارية في الداخل الإيراني، كما يتوقع أن تُطلق إيران عملية "الوعد الصادق 3" بعد  إطلاق عمليتي "الوعد الصادق 1 و2" بهدف ردع إسرائيل.

قد لا تردع إسرائيل!

وإن كان الرد الإسرائيلي على إيران مضبوطاً بحكم الضغوط الأميركية لتجنيب استهداف مواقع مرتبطة بالبرنامج النووي وأخرى بالطاقة، فإن مقال "ذا ناشيونال إنترست" يرى أن الهجوم الإسرائيلي يُشير إلى أن تل أبيب قد تتجاهل في المستقبل بشكل متزايد دعوات واشنطن إلى ضبط النفس، وهو ما قد يشجع إسرائيل على الشروع في المزيد من الأعمال الهجومية، خصوصاً ضد مواقع نووية.

وما يعزّز هذا الاعتقاد تحمّل إسرائيل المسؤولية المباشرة وإظهار الاستقلال الهجومي والتعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة والتفوّق العملياتي ودقة الاستخبارات، وفق المجلّة الأميركية، لكن في الإطار نفسه، فإن محلّلين يُشيرون إلى إرسال واشنطن نظام "ثاد" للدفاع الجوي إلى تل أبيب لإيصال رسالة مفادها أن إسرائيل غير قادرة على الدفاع عن نفسها وحدها وستبقى محكومة بالضوابط الأميركية.

لكن فاتانكا يعتبر  في حديثه لـ"النهار" أنّه "لو كانت إسرائيل قادرة على تدمير البرنامج النووي الإيراني لكانت فعلت ذلك منذ زمن، وإيقاف البرنامج النووي عبر عملية أو سلسلة عمليات ليس واقعياً، إلّا أن إسرائيل قد تؤخّر هذا البرنامج، لكن برأي الأميركيين، فإن تأخير البرنامج (من خلال عمليات عسكرية) سيُعطي إيران الدوافع من أجل التسليح بسبب الهجوم الإسرائيلي".

في المحصّلة، لا نهاية تلوح بالأفق لصراع انتقل من الظل إلى العلن، بل إن التصعيد قد يكون سيّد الموقف بعد كسر حاجز العمليات المباشرة، في حين ترى إسرائيل فرصة استثنائية قد لا تعوّض مستقبلاً لاستهداف إيران وفصائلها بشكل عنيف وخلق توازنات ردع جديدة في المرحلة المقبلة تحول دون تطوير إيران قدراتها العسكرية وبرامجها النووية.