المصدر: Kataeb.org
الكاتب: ليا الرامي وميليسا مانوشاكيان
الجمعة 11 نيسان 2025 15:16:42
كتبت كل من ليا الرامي وميليسا مانوشاكيان:
لم يكن أمام الصحافية صفاء عياد خيار سوى اصطحاب طفلتها معها خلال بعض التغطيات الميدانية أثناء الحرب، خوفًا من أن تؤدي الضربات الإسرائيلية إلى عزلها عنها.
تصف صفاء تجربتها خلال حرب أيلول 2024 قائلة: "وجدت نفسي أمام مسؤوليات متشابكة: تأمين عائلتي التي نزحت من الجنوب، البحث عن مأوى لعائلتي الصغيرة، ومواصلة عملي الصحفي رغم كل التحديات."
وتؤكد عياد أن الحرب فرضت عليها تحديات مزدوجة، بين التزامها المهني بتغطية الأحداث، ومسؤولياتها الشخصية كأم، إذ تقول: "ابنتي كانت تعيش تجربة الحرب للمرة الأولى، وجدت نفسها فجأة في واقع جديد بعيد عن الطمأنينة التي اعتادت عليها، بينما كنت أنا غارقة في العمل لساعات طويلة تصل إلى 20 ساعة يوميًا."وتضيف: "شعرت بالذنب لعجزي عن منحها الأمان أو حتى فرصة للعيش بعيدًا عن أجواء الحرب."
تواجه الصحافيات في مناطق النزاع تحديات متفاقمة، حيث تمتزج المعاناة الشخصية بالواجب المهني. الصحافية إيمان، التي نزحت من بلدة بليدا الجنوبية، تروي تجربتها قائلة: "عندما أغطي أوضاع النازحين، أرى أهلي وناسي. لكنني لم أكن دائمًا قادرة على الاستماع أو الكتابة. كنت أعود إلى المنزل منهارة، فثقل التجربة كان أكبر مما أحتمل."
ورغم انتقالها إلى بيروت، إلا أن ضيق المساحة في منزلها الجديد صعّب عليها إيجاد بيئة مناسبة للعمل. "اضطررت للعمل من منازل أصدقائي، لكن القلق على عائلتي لم يفارقني، خاصة أثناء القصف." إلى جانب الضغط النفسي، عانت ايمان من آثار جسدية فرضها التوتر المستمر: "النوم، التركيز، التوازن الهرموني... كل شيء يتأثر."
وتتقاطع هذه التحديات مع ما عاشته الصحافية لور أيوب، التي اضطُرّت للنزوح من منزلها في الضاحية مع عائلتها، لتقيم مؤقتًا لدى شقيقتها. تقول: "لم أكن أملك ما يكفي من الملابس، ونسيت أن أحمل معي الضروريات. وجدت نفسي بلا خصوصية وبلا طاقة." وتضيف: "كوني أعمل من المنزل كصحافية مستقلة، لم أكن أملك مساحة خاصة أو هادئة للعمل أو لإجراء مكالماتي المهنية."
رغم توفر الإنترنت، لم تكن لور قادرة على أداء مهامها. ومع ازدياد الطلب على المساكن خلال التهجير، خسرَت منزلها بعد ثلاثة أسابيع من النزوح. "لم أعمل لأكثر من شهرين"، تقول، مضيفة أن الدعم الأكثر انتظامًا جاء من المبادرات الفردية المنقذة.
غياب الدعم الرسمي يقابله بعض المبادرات الفردية المنقذة
في ظل غياب استراتيجية رسمية لدعم الصحافيين خلال النزوح، برزت مبادرات مدنية ومؤسسات إعلامية مستقلة لتقديم المساندة. حصلت ايمان على دعم من مؤسسة مهارات، نقابة الصحافيين البديلة (RSF) ,مؤسسة سمير قصير ، شمل جلسات دعم نفسي مجانية، تغطية جزئية لأجار المنزل، ومعدات للعمل الميداني.
وتقول ايمان إنّ "الدعم الذي تلقيناه من هذه المؤسسات التي تدعم الصحافيين، شكّل صدمة ايجابية لدينا في الوقت الذي كنا نشعر فيه بضعف كبير خصوصا في ظلّ غياب الدولة وغياب أي أطر لحماية الصحافيين وتأمين حاجاتهم"
ورغم غياب سياسات واضحة تراعي الفروقات الجندرية في تأثيرات الحرب على الصحافيين، تبقى الصحافة للبعض وسيلة للبقاء وسط الفوضى. تقول الصحافية ميسا عطوي: "الصحافة منحتني شعورًا بالمسؤولية، لكنها استنزفتني نفسيًا. شعرت بالحزن والخوف والوحدة... لكن عملي كان الملاذ الوحيد."
تحديات المرأة في الميدان: بين التمييز والمخاطر الأمنية
تسلّط الصحافية فاطمة البسام، التي اضطرت للنزوح من الضاحية بسبب الحرب، الضوء على التحديات العديدة التي تواجهها النساء في الصحافة، لا سيما النظرة المجتمعية التي تشكك بقدراتهن في الميدان، إذ تقول إنّه "كثيرًا ما يُطرح السؤال: لماذا لم يتم إرسال صحفي رجل بدلاً منك؟ وكأن المرأة أقل قدرة على التحمل أو أكثر عرضة للانهيار."
تضيف البسام أن "بعض الجهات ترى في وجود الصحافية على الأرض عائقًا أكثر منه إضافة، متجاهلين أن وجودها يوفّر إمكانية للوصول إلى مصادر ومجتمعات غالبًا ما تُهمل في التغطيات التقليدية، وأن حضورها المهني يضيف منظورًا مختلفًا وضروريًا لفهم أعمق للواقع. "العمل في الميدان يتطلب كبح المشاعر والتركيز التام على نقل الحقيقة، مما يفرض ضغطًا نفسيًا هائلًا علينا كصحافيات، خاصة في أوقات الأزمات."
أما ميسا عطوي، فتصف تهجيرها بأنه كان مرهقًا على المستويين المهني والشخصي، حيث وجدت نفسها مضطرة للموازنة بين تأمين عائلتها ومواصلة العمل إذ تروي: "اضطررت إلى التنقل وحدي في مناطق غير مألوفة، وسط مخاوف من المضايقات أو التهديدات. في بعض الأحيان، وجدت نفسي أمام خيار صعب بين تغطية قصة مهمة أو الحفاظ على سلامتي الشخصية." وتضيف عطوي أن انقطاع الكهرباء والإنترنت وصعوبة الوصول إلى المصادر زادت من تعقيد المهمة الصحافية خلال الحرب.
من جهتها، أجبرت الصحافية فالنتين نسر، على مغادرة منزلها خلال الحرب إذ تصف نصر تجربتها بأنها "كانت تجربة مرهقة وشكّلت تحديًا كبيرًا في التوفيق بين العمل الصحافي والمتابعة الميدانية، وسط صعوبة العثور على اتصال إنترنت مستقر أو أماكن هادئة للعمل."
وتضيف أن أبرز التحديات التي واجهتها تمثلت في ضعف خدمات الإنترنت، وانعدام الأمان، والضغط النفسي الناتج عن تسارع وتيرة الأحداث. كما أشارت إلى أن صعوبة التنقل لتغطية المستجدات، وندرة الموارد الأساسية وارتفاع أسعارها، فاقم من صعوبة العمل الصحافي خلال النزوح. على المستوى الشخصي، تؤكد نصر أن الأزمة تركت أثرًا نفسيًا بالغًا عليها، حيث عانت من الإنهاك والتأقلم مع حياة جديدة في بيئة غير مألوفة.
مبادرات دعم محدودة في ظل غياب استراتيجيات مؤسسية
مع استمرار الحرب، قدمت منظمة "إدراك" للصحة النفسية سلسلة من التدخلات لدعم الصحافيين والصحافيات، وفق ما توضح ناتالي أكيليان، مديرة العمليات والتواصل في المعهد. شملت هذه التدخلات تدريبات حول السلامة النفسية، أساليب التعامل مع الصدمات، وجلسات استشارية فردية عند الطلب.
وتشير أكيليان إلى أن "أبرز المشكلات النفسية التي واجهها الصحافيون النازحون تمثلت في القلق المستمر، والخوف على سلامتهم وسلامة عائلاتهم، والإرهاق الناتج عن العمل في بيئة غير مستقرة".
ورغم هذه الجهود، لا يزال غياب استراتيجيات الدعم النفسي على مستوى الدولة والمؤسسات الإعلامية يشكل تحديًا رئيسيًا. وبينما تسهم بعض المنظمات في توفير الدعم، يبقى الحل المستدام مرتبطًا بتبني سياسات مؤسسية شاملة تضمن حصول الصحافيين/ات على الموارد والأدوات اللازمة لحماية صحتهم النفسية. فمن دون هذا الدعم، يصبح استمرار الصحافيين في أداء دورهم المهني تحت وطأة النزاعات مهمة شاقة قد تتجاوز قدرتهم على التحمل والاستمرار.
تم إعداد هذا التقرير في إطار مشروع "مساحة معلومات آمنة لتعزيز مشاركة النساء في المجال العام" بدعم من هيئة الأمم المتحدة للمرأة - لبنان - والسفارة البريطانية في بيروت. إن محتوى هذا المقال لا يعكس بالضرورة وجهات نظر هيئة الأمم المتحدة للمرأة والسفارة البريطانية في بيروت.