منذ بدء الحرب في غزّة وجنوب لبنان، بدأت عمليات تشويش على التردّدات المرتبطة بتطبيقات تحديد المواقع، والـGPS خاصةً، ويرجّح أن إسرائيل تقف وراءها لأهداف عسكرية، إلّا أن تبعات هذا التشويش غير محصورة بالميدان الحربي، بل تعدّته لتطال مؤسسات مختلفة، بينها مطار "رفيق الحريري الدولي"، الذي يستخدم تقنية تحديد المواقع المذكورة (GPS).

 لم تتأثر سلامة الطيران حتى الساعة بالتشويش الحاصل، إذ لم تُسجّل أي حادثة، لكن علامات استفهام بدأت تُطرح حول أسباب هذا التشويش والمستويات التي قد يصل إليها والنتائج التي سيستتبعها، وهل سيتضاعف الخطر في الفترة المقبلة، فيؤثّر مباشرةً على سلامة الملاحة الجوية وقطاعات أخرى.

في هذا السياق، تحدّث وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية بعد جلسة مجلس الوزراء، فكشف عن التشويش الحاصل والذي يؤثّر على #مطار بيروت وكامل الأجواء في شرق المتوسط، وأعلن اتخاذ القرار في مجلس الوزراء بإرسال شكوى بشأن هذا الموضوع إلى الأمم المتحدة.
 
ووفق حمية، تم إقرار اعتماد مالي للجيش اللبناني لمؤازرة المديرية العامة للطيران المدني بالنسبة للمراقبين الجويين، وستُزوّد الملاحة الجوية بنحو 15 ضابطاً من الجيش وتم تأمين التمويل اللازم له.

ما سبب التشويش؟

 لجهة الأسباب، فإن الترجيحات تُشير إلى أن إسرائيل تلجأ إلى التشويش على ترددات الـGPS لحماية مناطقها من هجمات "حزب الله" الصاروخية الدقيقة، لكن حركة الطيران تتأثر بهذا الإجراء لأنها تعتمد على هذا النظام، وفق ما تذكر صحيفة "بوليتيكو"، التي تقول إن الصواريخ الدقيقة تستخدم نظام GPS، فيما تنقل صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عن "فوكس نيوز" معلومات مفادها أن "إيران سلّمت "حزب الله" أجهزة GPS، وذلك بهدف تحويل الصواريخ غير الموجّهة التي يمتلكها الحزب إلى صواريخ موجّهة دقيقة".

المستشار في شؤون تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عمر طبش يُشير إلى أن "التشويش بدأ مع بداية الحرب بين "حزب الله" والجيش الإسرائيلي، وتطوّر مع وصول الأساطيل البحرية الأميركية والبريطانية، ووصل إلى أعلى مستوياته مع بدء الحوثيين القصف على إسرائيل، ويتأثر المطار بهذا التشويش كما مؤسسات أخرى، بالإضافة إلى الصيادين الذين يعتمدون على التقنيات".

وفي حديث لـ"النهار"، يلفت إلى أن "سبب التشويش هو تحليق طيران رصد إلكتروني (أميركي/ بريطاني/ إسرائيلي) بالإضافة إلى تركيب أجهزة تشويش، والهدف هو رصد المعلومات والصور من جهة، ومنع الصواريخ الدقيقة التي يُطلقها "حزب الله" والحوثيون من إصابة هدفها عبر التشويش على الـGPS، انطلاقاً من ترجيح أن هذه الصواريخ تستخدم هذا التطبيق لتحديد الأهداف في إسرائيل وضربها".

من جهته، يلفت مهندس الاتصالات والمعلوماتية سلوم الدحداح إلى أن التشويش المستخدم يستهدف المسيّرات التي يُطلقها "حزب الله" وغيره، وبحسب سلوم، فإن هذه المسيّرات تستخدم نظام GPS والتشويش يضيّع الأهداف، فيما إسرائيل لجأت إلى أنظمة متطوّرة حتى لا تتأثّر مسيّراتها وعملها.

الخبير في التحوّل الرقمي وأمن المعلومات رولان أبي نجم أيضاً يُشير إلى أن التشويش الإسرائيلي السيبراني على لبنان بدأ منذ انطلاق الحرب في الجنوب، وإسرائيل لجأت إلى هذا الخيار بسبب استخدام "حزب الله" صواريخ دقيقة موجّهة عبر تقنية الـGPS، حتى تُضيّع الصواريخ أهدافها وتسقط في مواقع مفتوحة، فيما لجأت إسرائيل إلى الاعتماد على تقنيات أخرى للمحافظة على دقّة ضرباتها.

ماذا عن سلامة الطيران؟

رئيس المطار فادي الحسن يُطمئن عبر "النهار" لجهة سلامة الطيران، ويُشير إلى أن "تعميماً أصدرناه قبل أكثر من شهرين، طالبنا خلاله الطيّارين بالاعتماد على الأجهزة الملاحية الأرضية الموجود في مطار بيروت بسبب عمليات التشويش الحاصلة، بعدما كان الاعتماد على أنظمة الـGPS، وهذه الأجهزة الأرضية لا تتأثر بالتشويش القائم وهي معتمدة عالمياً، وبالتالي لا خطر على سلامة الطيران في الوقت الحالي".

بدوره، يقول طبش إن "أبراج المراقبة في مطار بيروت تعتمد على الـGPS بنسبة 50 إلى 60 في المئة لتنظيم حركة وهبوط الطائرات، إلّا أن سلامة الطيران ليست في خطر لأن المطار قادر من خلال التقنيات الموجودة على ضمان هذه السلامة، علماً بأن التشويش الحاصل لا يستهدف خاصةً تقنيات حركة الطيران، ولن يستهدفها في الوقت الحالي، لأنه عندها ستتأثر مطارات المنطقة كافة، في إسرائيل ومصر والأردن وقبرص وغيرها"، وبالتالي فإن التأثير اليوم هو جانبي.

ويُضيف طبش: "مجلس الوزراء ومطار بيروت اتخذا بعض الإجراءات الوقائية، كفرز ضباط في الجيش لمتابعة الموضوع، ومن غير المرتقب أن يكون ثمّة خطر إذا بقي الوضع على حاله، لكن الخطر يبدأ إذا ما توسّعت الحرب وبدأ "حزب الله" يستخدم الصواريخ الدقيقة بالقرب من نطاق المطار، فعندها قد تُصيب هذه الصواريخ أهدافاً مدنية عن طريق الخطأ لأنها تحدّد مواقع خاطئة بسبب التشويش".

ويستطرد في حديثه عن التشويش على نظام GPS وتأثيراته الجانبية، ويقول "لهذا السبب تاهت إحدى سيارات الأمم المتحدة ودخلت إلى برج البراجنة قبل فترة، ولهذا السبب تبيّن على Flight Radar هبوط طائرة إسرائيلية في مطار بيروت".

من جهته، يقول أبي نجم إن مطار بيروت من المفترض أنه لا يستخدم تطبيقات تجارية يُمكن لأي شخص استخدامها أو التشويش عليها، بل تقنيات متطوّرة، وقد يكون هذا سبب عدم حصول أي حادثة، لكن لا معلومات دقيقة عن التقنيات والتجهيزات الموجودة في مطار بيروت، وما إن كانت فعلاً محميّة من التشويش والخرق.

وشدّد أبي نجم على وجوب استخدام تقنيات ضد التشويش لمنع حصوله.

الدحداح يتحدّث في السياق نفسه، ويقول إن "الطيران المدني لا يستخدم الـGPS، بل أنظمة مغايرة وتقنيات يصعب خرقها، لكن يبقى هذا الأمر غير مستحيل على إسرائيل، وأكثر ما يُمكن أن يفعله لبنان هو تقديم شكوى للأمم المتحدة، وإذا تطوّرت الأمور، فإن المطار والطيارين قد يلجؤون إلى تقنيات أخرى وأساليب تقليدية لتأمين سلامة الهبوط".

في المحصّلة، فإن الخطر يتضاعف يومياً مع تصاعد حدّة الحرب ولجوء الأطراف المتحاربة إلى تقنيات جديدة وأساليب عسكرية مبتكرة، وقد يكون الميدان السيبراني إحدى ساحات القتال في مقبل الأسابيع، ومن المعروف أن إسرائيل تتفوّق على خصومها في هذا المجال، فكيف سيكون شكل الحرب؟