المصدر: الحرة
الأحد 11 آب 2024 14:39:00
شهدت الحرب في أوكرانيا "تحولا جذريا" خلال أيام قليلة عندما اجتاحت القوات الأوكرانية منطقة كورسك الروسية ورفعت العلم الأوكراني في بلدة سودزا الحدودية، وهي المرة الأولى التي تغزو فيها قوات أجنبية أراضي موسكو منذ الحرب العالمية الثانية.
وأقر الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، للمرة الأولى، السبت، بأن القوات الأوكرانية تخوض قتالا في إطار هجوم مفاجئ على مدينة كورسك الروسية، في الوقت الذي تسارع فيه السلطات بالمناطق الحدودية الروسية بإجلاء المدنيين من الأماكن المعرضة للخطر جراء القتال.
وأظهرت العملية، وفق تحليل لمجلة "فورين بوليسي" الأميركية، قدرة أوكرانيا على تحقيق المفاجأة واستغلال الاختراقات المفاجئة، وهو الأمر الذي فشلت فيه روسيا باستمرار منذ بداية غزوها.
وهذه هي المرة الأولى التي "تغزو" قوات أجنبية الأراضي الروسية منذ الحرب العالمية الثانية، مما يظهر للروس بشكل لا لبس فيه أن "الحرب الدموية التي شنوها ضد جارتهم قد عادت إلى ديارهم"، بحسب التحليل.
ونقلت وكالة فرانس برس، الأحد، عن مسؤول أوكراني أمني رفيع قوله، مساء السبت، إن "آلاف" الجنود الأوكرانيين يشاركون في عملية التوغل بمنطقة كورسك الروسية بهدف "تشتيت" قوات موسكو و"زعزعة الوضع في روسيا".
وأضاف المسؤول الذي فضل عدم الكشف عن هويته: "نحن في حالة هجوم. والهدف هو تشتيت مواقع العدو وإلحاق أكبر قدر من الخسائر وزعزعة الوضع في روسيا - لأنهم غير قادرين على حماية حدودهم - ونقل الحرب إلى الأراضي الروسية"، مشيرا إلى أن هذه العملية "رفعت معنويات" الأوكرانيين.
أشارت "فورين بوليسي" إلى أن "ما كان ينظر إليه في الكثير من النقاشات السابقة باعتباره خطوطا حمراء مفترضة للكرملين، التي من شأن تجاوزها أن يؤدي لاندلاع حرب عالمية ثالثة ونهاية العالم، حدث الآن مع نقل الحرب إلى روسيا بأسلحة غربية".
وأضافت: "قد يكون جزء من تأثير وهدف عملية كورسك هو إثبات مغالطة حجة الخط الأحمر مرة أخرى، التي كانت سببا في تقييد مساعدات الأسلحة الغربية لأوكرانيا ومدى استخدامها".
بدورها، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية عن الملحق العسكري البريطاني السابق في روسيا، جون فورمان، قوله: "يتعين علينا أن نرى كيف سيرد الروس، لكن هذا يشكل اعتداء على سلامة أراضيهم وسيادتهم في نهاية المطاف. لذا فإن السؤال هنا ما هو الخط الأحمر؟".
ولا تقر موسكو - حتى الآن - بهذا التحول الكبير في الحرب، حيث إن التلفزيون الروسي وكذلك تصريحات الكرملين، تعتبر ما حدث "أمرا روتينيا" تقريبا، وفق "وول ستريت جورنال"، إذ يشار للقوات الأوكرانية باعتبارها "محاولات من مخربين" للتوغل.
ووصف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، تقدم الوحدات المدرعة الأوكرانية بأنه "استفزاز آخر واسع النطاق".
وقال مدونون عسكريون روس، وفق "وول ستريت جورنال" إن روسيا نجحت في إبطاء تقدم القوات الأوكرانية في كورسك، لكنها لم تتمكن حتى الآن من استعادة الأراضي التي خسرتها.
وصرح النائب في البرلمان الروسي، أندريه غوروليف، للتلفزيون الروسي، "يتعين علينا أن ننظر إلى هذا الوضع بعقلانية. لن نتمكن من طردهم بسرعة".
وفي ظل استمرار الهجوم والتزام كييف الصمت في أغلب الأحيان بشأن الأحداث، لا يزال من المبكر للغاية الحديث عن ما هي الأهداف الاستراتيجية التي تأمل أوكرانيا في تحقيقها، وفق تحليل "فورين بوليسي"، التي قالت إن "من بين التكهنات التي تكتسب قدرا كبيرا من الزخم أن هذا قد يؤدي إلى نهاية أسرع للحرب".
وتوضح العملية أن أوكرانيا تحتفظ بإمكانات كبيرة لإلحاق الأذى بموسكو، وإذا تمكنت القوات الأوكرانية من الصمود والحفاظ على السيطرة على الأراضي الروسية، فقد يعزز ذلك من نفوذ كييف في أي مفاوضات محتملة لإنهاء الحرب، وفقا للتحليل.
وأضافت المجلة: "الهجوم الأوكراني الخاطف يعمل على تقويض الفكرة السائدة بأن بوتين يملك كل الأوراق لإملاء شروطه بوقف إطلاق النار. كما يبدو أن كييف تشير إلى أن النفوذ بالمفاوضات هو أحد أهداف الهجوم".
لهذا "يمكن مقايضة روسيا المحتلة بأوكرانيا المحتلة"، كما اقترح رئيس الوزراء السويدي السابق، كارل بيلت، عبر منصة "إكس"، بعد أن قال متسائلا: "هل ستكون الفكرة أن تنسحب كلتا الدولتين إلى داخل حدودهما المعترف بها؟".
ووفقا لـ"فورين بوليسي"، ربما قرر الرئيس زيلينسكي المجازفة بتغيير وتسريع ديناميكيات الحرب، بما في ذلك زيادة النفوذ؛ لأنه "في غياب نفوذ كبير، اضطرت كييف إلى اللجوء إلى الحجج الأخلاقية والمعيارية والقانونية عند التواصل مع شركائها الأجانب بشأن أي سلام لا يشمل التحرير الكامل، وهذا أدى إلى مفاوضات منحرفة للغاية".
وفي المحادثات التي أسفرت عن اتفاقي مينسك الأول والثاني عامي 2014 و2015، كانت يد أوكرانيا "ضعيفة للغاية" لدرجة أنها اضطرت إلى الموافقة على شروط مستحيلة، وفق التحليل، إذ لم يكن بوسعها استعادة دونباس التي تسيطر عليها روسيا إلا إذا سمحت لوكلاء موسكو بأن يصبحوا جزءا من السياسة الأوكرانية من خلال انتخابات محلية يتلاعب بها الكرملين، كما لم يتم إدراج شبه جزيرة القرم المحتلة في المناقشة.
وفي أبريل 2022، لم تسفر المفاوضات التي توسطت فيها تركيا عن أي نتيجة، إذ سيكون الثمن الذي تدفعه روسيا لإنهاء غزوها هو تقييد كبير للسيادة الأوكرانية وقدرتها على الدفاع عن نفسها.
ومنذ ذلك الحين، كان اقتراح روسيا هو تنازل أوكرانيا بشكل دائم عن أراضيها، بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم ولوغانسك ودونيتسك وزابوريجيا وخيرسون.
ولم تفتقر أوكرانيا في السابق إلى النفوذ التفاوضي فحسب؛ بل نجحت روسيا أيضا في الترويج لنهجها القائم على مبدأ الأرض مقابل السلام لإنهاء الحرب في مختلف أنحاء العالم.
واعتبر تحليل "فورين بوليسي"، أن العملية الأوكرانية لم تغير "الرواية العسكرية على الأرض فحسب، بل ربما تحاول أيضا تغيير الرواية المتعلقة بالمفاوضات من صفقة لأرض مقابل السلام إلى صفقة الأرض مقابل الأرض".
وأضافت "فورين بوليسي" في تحليلها أن "هذا يضع بوتين في مأزق، حيث إن فقدان السيطرة على أجزاء من روسيا نفسها يشكل إحراجا هائلا للكرملين".
وأثار الهجوم موجة من الانتقادات الموجهة إلى كبار القادة العسكريين الروس، وإن كانت بحذر، وفق "وول ستريت جورنال"، حيث أشار مسؤول بوزارة الدفاع والقائد بوحدة أحمد التابعة للقوات الخاصة التي تديرها الشيشان، أبتي علاء الدينوف، علنا بأصابع الاتهام إلى الجنرالات الروس، قائلا إنهم ربما كانوا على علم بالهجوم، ولكنهم فشلوا في فعل أي شيء حياله.
وقال علاء الدينوف، الذي يعمل في كورسك خلال مقابلة انتشرت على نطاق واسع عبر قنوات "تلغرام" الروسية: "ظل بعض قادة وزارة الدفاع يكذبون ويكذبون، وأعتقد أنهم كذبوا على أنفسهم في النهاية. سيتعين علينا العمل بجد في الأسابيع المقبلة".
ويشعر محللو الحرب القوميون المتطرفون في روسيا بالغضب إزاء إخفاقات وزارة الدفاع الروسية، وطالب بعضهم بإقالة رئيس هيئة الأركان، فاليري غيراسيموف، وإعادة القائد السابق، سيرغي سوروفيكين، الذي احتُجز لفترة وجيزة العام الماضي بسبب علاقاته بقائد مجموعة "فاغنر".
لهذا وفق "فورين بوليسي"، ستكون الأولوية بالنسبة للنخبة الروسية والشعبية، استعادة الأراضي على الاستمرار في احتلال الأراضي الأوكرانية، خاصة إذا فتح تبادل الأراضي طريقا لإنهاء العقوبات الغربية.
وأضافت: "ما دامت أوكرانيا قادرة على الاحتفاظ بالأراضي التي احتلتها في روسيا، فسوف يظل هناك ضغط قوي على بوتن لإعادتها إلى سيطرة موسكو".
ومع ذلك، لا شيء من هذا قد يغير المشكلة الأساسية التي تواجه الوصول إلى مفاوضات، وهي حقيقة مفادها أن "روسيا تجاهلت كل الاتفاقات التي وقعتها مع أوكرانيا تقريبا"، وفق المجلة، التي قالت: "لكن بالنسبة للأوكرانيين وأنصارهم الغربيين الذين يأملون في إنهاء الحرب، فقد تصبح بعض الاحتمالات المثيرة للاهتمام على الطاولة قريبا".
وتخوض القوات الروسية يومها السادس من المعارك العنيفة ضد أكبر توغل للقوات الأوكرانية في الأراضي الروسية منذ بدء الحرب التي تركت الأجزاء الجنوبية الغربية من روسيا عرضة للخطر قبل بدء وصول التعزيزات إليها.
وفي إشارة إلى خطورة الموقف، فرضت روسيا نظاما أمنيا شاملا في 3 مناطق حدودية، السبت، في حين أرسلت بيلاروس الحليف القوي لموسكو المزيد من القوات إلى حدودها مع أوكرانيا، متهمة كييف بانتهاك مجالها الجوي.
وأُجلي أكثر من 76 ألف شخص يقيمون في منطقة كورسك نحو "أماكن آمنة" منذ توغل القوات الأوكرانية، على ما أفاد، السبت، أرتيوم شاروف، وهو ممثل وزارة الحالات الطارئة الروسية.
وفي مقطع فيديو نُشر على إحدى مجموعات الدردشة بمدينة سودجا التابعة لمنطقة كورسك، بعد وقت قصير من التوغل الأوكراني، قال حشد من السكان المحليين وفق "وول ستريت جورنال" إنهم أجبروا على الفرار من منازلهم وهم يحملون القليل من الملابس التي يرتدونها.
وفي ندائهم إلى بوتين، قالوا إنهم يدعمون الحرب التي أطلقها في أوكرانيا فبراير 2022، لكنهم الآن لم يتبق لهم أي شيء.