المصدر: وكالة الأنباء المركزية
الجمعة 7 آب 2020 14:30:16
"أدّي اللبناني بدّو يتحمّل بعد؟"، عبارةٌ باتت تتكرر على ألسنة اللبنانيين من دون استثناء. هذا الشعب الذي اشتهر بحبه للحياة على رغم كلّ المصائب، يكاد يفقد القدرة على الصبر والصمود بفعل وزر الازمات والمصائب التي تنهال عليه من دون توقف حتى باتت نسب حالات الانتحار ترتفع بشكل غير مسبوق في الآونة الأخيرة، وكلّما حاول التأقلم مع مشكلة ظهرت أخرى أكثر تعقيداً، وجاء إنفجار مرفأ بيروت ليغرق سكّان العاصمة ولبنان بحالةٍ من القلق والحزن والتعب بعد المشاهد الأشبه بأفلام الرعب التي قضت على آخر قدرة تحمّل نفسية لديهم.
المعالجة النفسية والأستاذة الجامعية الدكتورة كارول سعادة تحدثت عن تأثير الحادثة على صحة المواطنين النفسية، لافتةً عبر "المركزية" إلى أن "كلّ شخص يتعرّض خلال حياته لصدمات معيّنة، ولتجارب تكون مخيفة أحياناً وخارجة عن سيطرته، لكن ما تعرّض له اللبنانيون وتحديداً سكّان بيروت وضواحيها يخرج عن منطق الـtrauma، ويعتبر من أقسى وأصعب الصدمات الممكن أن يتعرّض لها الإنسان حيث تحمل في طياتها الخوف، الرعب، الموت، المرض، الوجع، القلق... لذا، الأكيد أن الصدمة لها وطـأة نفسية كبيرة جدّاً على من كان موجوداً أو قريباً من مكان الإنفجار ومن فقد فرداً عزيزا على قلبه وكذلك على جميع اللبنانيين".
وتابعت "عادةً الصدمات البسيطة التي نواجهها خلال حياتنا يمكن أن نتخطّاها مع مرور الوقت، لكن صدمة مثل هذه والـ Trauma الكبير الناتجة عن الإنفجار دمّرت جزءا كبيرا من قدرة ومناعة اللبناني النفسية (أي القدرة على إعادة ترميم النفس) المتأثّرة أساساً بكلّ الظروف الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والسياسية، من هنا لم نكن نتمتّع أساساً بهذه القوّة والمناعة النفسية لتحمّل المزيد من الصدمات".
"وأوضحت سعادة أن "في هذه الحالة، يتوقّع الأخصائيون النفسيون أن يعاني سكّان لبنان مما يسمّى اضطراب ما بعد الصدمة PTSD post traumatic stress disorder وله عوارض عدّة تختلف بين شخص وآخر وبين تجربة وأخرى، أي أن من عاشوا الصدمة بتفاصيلها أكثر عرضة من غيرهم للمعاناة من هذا الاضطراب. وعادةً في المرحلة الأولى من الصدمة احتمال عدم استيعاب الشخص لما حصل وارد جدّاً، فلا تظهر عليه العوارض القوية إلا بعد فترة معيّنة قد تتراوح بين أيام وأسابيع".
وفنّدت العوارض المقسّمة إلى أربع مجموعات رئيسية على الشكل الآتي:
"- الشعور بإعادة التجربة: وهذا ينطبق أيضاً على الأطفال والمراهقين حيث يشعر الفرد أن المشهد يعاد من جديد، بالتالي يرتعب من أقلّ صوت أو أقلّ حركة. وذكريات الماضي تعود بشكل متكرر عبر الـ flashbacks أو الكوابيس. وتذكُّر الحادثة يمكن أن يحدث لدى الفرد المعني نبضات قلب سريعة، مع تعرّق ويصاب بنوبات هلع attaque de panique التي يمكن أن تستمر لفترة لدى البعض ما يمنعهم من متابعة أنشطتهم الطبيعية ما قبل الحادثة (عمل، حياة اجتماعية وعائلية...).
- تجنب كلّ ما له علاقة بالحادثة: الأكيد أن الشخص يحاول لاحقاً تفادي أي شيء يمكن أن يعيد الحادثة إلى ذهنه مثل عدم القدرة على العودة إلى المنزل جرّاء الخوف والقلق أو عدم القدرة على مشاهدة الصور والفيديوهات وغيرها...
- الانفعالات على المستويين النفسي والجسدي: ما سبق يترافق مع انفعالات كثيرة، الشعور الدائم بالحذر وخوف مستمر، ردّات فعل مبالغة على أحداث بسيطة...
- التأثير على القدرات الفكرية، الإدراك والمزاج: هذا يخلق صعوبة في التركيز وله تداعيات على المزاج الذي يتأثر بشكل مباشر بطريقة سلبية حيث من الممكن أن تهيمن الأفكار السلبية والسوداء تصل إلى حدود الانتحار لدى البعض... ويمكن أن تؤدي إلى اكتئاب قد يتحوّل إلى مزمن في حال عدم اتّخاذه على محمل الجدّ".
وفي ما خصّ وضع الأطفال النفسي، أشارت سعادة إلى أن "الأعراض المعددة سابقاً ممكن أن تظهر لدى الأطفال أيضاً، إلى جانب أخرى مثل الحركة المفرطة الزائدة agitation، التوتر، قلّة التركيز، البكاء الدائم، العجز عن التعبير عن الإنفعال والخوف في حين يمكن للأهل أن يظنّوا أن طفلهم لم يتأثّر بشكل كبير لكن يظهر ذلك من خلال عوارض مبطنة، من هنا ضرورة التعبير والكلام عن الموضوع ومساعدتهم على ذلك بكلّ الطرق الممكنة، وحتى القرب الجسدي مهم جدّاً فلو طلب الطفل البقاء دائماً مع أهله والنوم إلى جانبهم يجب الاستجابة لحاجته مع عدم تعريضه لأي شيء مرتبط بالحدث من أخبار وصور... والمحافظة قدر الإمكان على الروتين المعتاد عليه".
أما عن العلاجات الممكنة، فأوضحت أن "مجموعات الدعم الممكن أن تساعد على مناقشة المشاعر لدى الأشخاص ضرورية ونتكلّم هنا عن العلاج الجماعي thérapie de groupe ، كذلك العلاج الشخصي ممكن مثل العلاج السلوكي والمعرفي الذي يشجّع على تذكر الحادثة والتعبير عن المشاعر وإزالة الحساسية عن هذه الصدمة وتقليل الأعراض قدر الإمكان. وفي بعض الحالات يُفرض العلاج الدوائي الوقائي كي لا نصل إلى حالات عصيبة من الاكتئاب".
وختمت سعادة "القلق والاضطرابات والمزاجية التي تحمل الحزن والخوف وعدم الشعور بالأمان تصيب اللبنانيين، وهذا يمكن للأسف أن يرافق الشخص لفترة طويلة ويصبح من الصعب التخلّص منه، وأحياناً لا يظهر على الصعيد النفسي بوضوح فيتظّهر عبر اضطرابات نفس - جسدية أي على شكل أوجاع وأمراض لا أسباب عضوية لها".