البضائع المكدّسة في المرفأ... تابع: "الاقتصاد" تلوم "المختبرات" و"الزراعة" تصرّ على الفحوص

نشرت "النهار" أمس مقالاً استوضحت فيه المعنيين في مرفأ بيروت، عن الإرباكات التي تعوق إخراج آلاف المستوعبات المكدسة في المرفأ، والبطء غير المبرر في إنجاز المعاملات والفحوص المخبرية للمستوردات.

الاستنتاجات كانت في غالبيتها تدور حول ترسّخ البيروقراطية الإدارية في المرفأ، أسوة بالإدارة اللبنانية عامة، وهو عضال لا يصلح إنكار وجوده المزمن، أرهق خدمات الدولة، وبدّد جهود تحديثها.

بيد أن ما تكشف لاحقاً، وأزاح المستور المخبّأ خلف الفوضى الإدارية، دلّ على أن المرفأ المركزي في لبنان، وأكبر مرفق مدر للرسوم والضرائب لخزينة الدولة، "مكربجة" خدماته ووظيفته، على خلفية عدم وجود مختبرات كافية لإجراء الفحوص (اثنان فقط)، إضافة الى قرار إقفال البوابات عند الرابعة بعد الظهر، بقرار من الأجهزة الأمنية والعسكرية.

وفي زمن الحاجة إلى المزيد من السرعة في تخليص المستوردات، ونقلها من المرفأ إلى المستودعات، لا يزال الاعتماد على مختبرين حصرياً، تقلصا أخيراً إلى مختبر و"نص" مع تعذر وصول الموظفين الى مراكز عملهم، وكأن البلاد خلت وانتفى فيها وجود مختبرات أخرى، أو حلول علمية، تجيز إعطاء موافقات وأذونات تسهّل سحب البضائع.

وفيما نعدد "بيروقراطية" وتكاسل المعنيين في الدولة والمرفأ، لا يمكن إغفال بعض "تجار الحرب" الذين يستشرسون في استغلال الأزمات، ويثيرون الجلبة الإعلامية والسياسية لتمرير ما أمكنهم من بضائع ومستوردات فاسدة وغير مطابقة للمواصفات، لتحقيق الأرباح غير المشروعة على حساب المواطن المثقل بالحروب والأوجاع والتشرد.

فما الواقع وما المطلوب من الوزارات المعنية؟

المدير العام لوزارة الاقتصاد محمد أبو حيدر أكد لـ"النهار" أن "ليس في المرفأ معلبات أو مواد غذائية تقع مسؤولية الكشف عليها على الوزارة أو إعطاء الأوامر لإخراجها، والموظفون الذين يداومون 5 أيام في الأسبوع، في انتظار نتائج الفحوص المخبرية للبضائع من المختبرات المعنية".

ويشرح أن "كل البضائع التي تدخل البلاد يجب أن تخضع لموافقة الوزارات المعنية، ومن بعدها تحال الى باحة الكشف التابعة للجمارك لأخذ عيّنات من البضائع وإرسالها الى المختبر، وبعد أن تصل نتيجة الفحوص تنال الموافقة من الوزارات المعنيّة لإخراج البضاعة".

إن كانت الوزارات المعنية غير مسؤولة عن تكدّس البضائع في المرفأ، فأين تكمن المشكلة إذن؟ يعزو أبو حيدر المشكلة التي تواجهها الوزارات والمعنيون الى سببين رئيسيين: الأول أنه بعد الساعة الرابعة بعد الظهر لا يسمح الجيش اللبناني لأحد بدخول المرفأ لمتابعة العمل، والمشكلة الثانية وهي الأهم برأيه، أن "ثمة مختبرين فقط معتمدين رسمياً هما lari في الفنار برئاسة ميشال افرام، والـERI في منطقة الحدث لا يعمل بكامل عديده من الموظفين بسبب الاعتداءات الإسرائيلية على منطقة الضاحية الجنوبية، وتالياً ثمة تأخير كبير في إجراء الفحوص للبضائع التي تتكدّس في المختبر. وهذا ما يؤكد أن لا علاقة للوزارات المعنية بهذا الموضوع، على اعتبار أنه حين تصدر النتائج من المختبر يمكن للموظفين إجراء المقتضى لإخراج البضائع، علماً بأن المكننة في وزارة الاقتصاد تخوّل الموظفين إعطاء الموافقة لإخراج البضائع من المرفأ (أون لاين) بعد التأكد من إيجابية النتائج.

أمام هذا الواقع، يدعو أبو حيدر للتعاون مع القطاع الخاص وإيجاد مختبرات بديلة أقله في هذه الفترة، إذ من غير المعقول الاتكال على مختبرين فقط تحت وصاية وزارتي الزراعة والصناعة.

وفي سياق الحلول الموقتة، بادر أبو حيدر الى الاتصال بمختبر غرفة التجارة في الشمال الذي تعهد إرسال موظف يومياً لأخذ عينات من البضائع وإصدار النتائج خلال 24 ساعة وإخراج البضائع فوراً.

"الزراعة": لا تأخير

هذا بالنسبة للبضائع المسؤولة عن مراقبتها وزارة الاقتصاد... ماذا عن بقية الوزارات وخصوصاً وزارة الزراعة التي من مسؤوليتها مراقبة كل المنتجات الزراعية والحيوانية؟ لا تخفي مصادر متابعة أن العوائق كثيرة، ولعل أبرزها الخلاف المستعر بين وزير الزراعة وميشال افرام على خلفية الإخبار الذي تقدم به الوزير ضد افرام واتّهمه فيه بمخالفات تتعلق باستخدام أموال عمومية من دون مراقبة، وشراء موادّ من السوق السوداء من دون مراعاة أصول قانون المحاسبة العمومية. وتؤكد أن البضائع المسؤولة عن إخراجها الوزارة تشكل 55% من البضائع (منتجات زراعية وحيوانية وحبوب، وزيوت وغيرها)، فيما الوزارات الباقية مسؤولة عن 45% من البضائع.

ولكن مصادر وزارة الزراعة نفت كل ما يروج عن تكدس البضائع في المرفأ، مؤكدة أن الأمور تسير في سياقها الطبيعي، فالإدارات تعمل بشكل طبيعي ويمكن لأصحاب البضائع إخراجها من المرفأ. وعما إن كان الخلاف بين وزير الزراعة ومدير مختبر Lari ميشال افرام يؤثر على سرعة إنجاز الفحوص المخبرية للبضائع، قالت المصادر "افرام موظف دولة ومن واجباته تسيير أمورها، وتالياً لا مشكلة في هذا الإطار، وثمة تعاون مع مختبرات عدة للفحوص في بيروت وخارجها". وأشارت الى أن التجار كما في كل الأزمات يستغلون الوضع ويضغطون لإخراج بضائع غير مطابقة للمواصفات، وهذا أمر لن تقبل به وزارة الزراعة التي تحرص على سلامة الغذاء للمواطنين، وتالياً يستحيل إخراج أي بضاعة من المرفأ حتى خلال الحرب من دون خضوعها لجميع المعايير الصحية اللازمة". وذكّر بما حصل منذ فترة عندما توسّط بعض التجار لدى الرئيس نبيه بري لإدخال باخرة قمح الى لبنان بحجة أن ثمة نقصاً كبيراً في مادة الطحين، ولكن بعد إجراء الفحوص المخبرية تبيّن أنها تحتوي على ديدان، فأمر بري بعدم إدخالها الى البلاد.

ولا تنفي المصادر أن ثمة مشكلة تتعلق بالموظفين، إذ إن بعضهم غير قادر على المداومة، فيما الوزارة أخلت مكاتبها نظراً الى قربها من الضاحية الجنوبية وإشغالها من النازحين، لافتة الى أن الوزارة اعتمدت على مكاتب بديلة للعمل.