المصدر: الشرق الأوسط
الاثنين 24 أيار 2021 08:37:45
بعيد انفجار بيروت في 4 آب الفائت أصاب الشلل معظم المراكز الثقافية والغاليريهات والمتاحف الفنية في العاصمة. خفت وهج بيروت الثقافي وتحولت اهتمامات اللبنانيين إلى إعادة إعمار، وتأهيل ما تهدم.
اليوم تنبعث الحياة من جديد وسط بيروت، بعد سلسلة نشاطات ثقافية وفنية تشهدها هذه المراكز، التي أخذت على عاتقها أن تبعث نفسها من تحت الرماد تماماً كما في أسطورة طائر الفينيق.
وينضم غاليري «مرفأ» المتاخم لموقع انفجار بيروت إلى لائحة المنضوين تحت راية عودة لبنان الثقافة. فهذه الغاليري قررت استعادة أنفاسها والانخراط من جديد في برمجة أعمالها، من خلال معرض «مياه» (water) الذي انطلق أول من أمس الجمعة. ويشارك فيه نحو 10 فنانين لبنانيين من خلال منحوتات ولوحات رسم وصور فوتوغرافية ومقاطع أفلام مصورة وتجهيزات فنية (انستلايشن). وجميعها ترتبط ارتباطاً مباشراً بعنوان المعرض الذي يدور حول المياه. واللافت أن هذا المعرض ستتاح مشاهدته رقمياً عبر مواقع الشبكات الإلكترونية لغاليريهات عالمية. هذه المبادرة التي تقوم بها مجموعة «غاليريهات كيورات» العالمية، ضمن تجمع فني أطلقته مؤخراً، يشارك فيها إضافة إلى غاليري «مرفأ» في بيروت، أخرى تقع في ريو دي جانيرو ونيويورك وطوكيو وبرلين ليصل عددها إلى نحو 21 غاليرياً آخر. وتأتي هذه المبادرة من أجل إعادة جمع الشمل الثقافي في العالم. فالفنانون بصورة عامة عاشوا فترة طويلة من الانعزال والوحدة، أثرت على إنتاجاتهم بسبب جائحة «كوفيد - 19»، فكان لا بد من إعادتهم إلى الحياة، بشكل جماعي، من خلال هذه المبادرة.
وتقول جومانا عسيلي المديرة المنسقة للمعرض في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إننا من خلال هذا المعرض نعيد افتتاح الغاليري الذي تدمر تماماً من جراء الانفجار. استغرق تحضير هذا النشاط نحو 4 أشهر، بعدما قمنا بإعادة ترميم المساحة الكاملة لموقعنا على الأرض، والملاصق لمرفأ بيروت حيث حصل الانفجار».
وعن النشاطات المستقبلية التي سيشهدها «مرفأ» في الأيام المقبلة تقول: «معرض (مياه) سيستمر لغاية شهر حزيران المقبل. ونحن بصدد برمجة نشاطاتنا المستقبلية كوننا لن نتوقف عن الحركة والإنتاج، رغم جميع الصعوبات التي نواجهها في بلادنا وعلى أصعدة مختلفة».
اتخذ المعرض عنواناً له «المياه»، أسوة بباقي الغاليريهات العالمية المشاركة في المبادرة. لماذا المياه؟ «لأنها مصدر لجمع الناس والتحوكم حولها، فأينما تحضر المياه توجد معها الحياة». توضح ليتيسيا زلوم المساعدة في تنظيم المعرض. وتتابع في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «الفنانون العشرة المشاركون معنا في المعرض، هم بغالبيتهم ينفذون عادة أعمالهم الفنية حول المياه. كما أنهم من المشاركين الدائمين في معارض ننظمها. فكان من البديهي أن يتفاعلوا معنا، بحيث لم يترددوا ولا للحظة في المشاركة بهذا الحدث العالمي».
ومن الفنانين المشاركين في معرض «مياه» رائد ياسين وباولا يعقوب تمارا سمرائي ولمياء جريج وفارتان أفاكيان وغيرهم.
وتقدم باولا يعقوب مجموعة مكعبات فنية مصنوعة من الشمع، تبدو لناظرها شفافة كمياه البحر، تطوف على سطحها أقلام رصاص مستلقية عليها بأسلوب فني يخرج عن المألوف. أما فارتان أفاكيان فيعرض في ركن منفصل خارج موقع الغاليري فيلماً مصوراً نفذه في عام 2010 بعنوان «موجة قصيرة وموجة طويلة»، ويحكي فيه عن مشهد من بحر بيروت الذي يحيط بمنطقتي المرفأ والكرنتينا.
وتتناول لمياء جريج منطقة النهر في بيروت وتشير إلى الجفاف الذي أصابه، رغم أن اسمه لا يوحي بذلك. وتعرض إلى جانب الفيلم لوحة ورود حمراء رسمتها بنفس تعاريج منحى النهر الذي يمر في المدينة.
رائد ياسين ومن خلال صور فوتوغرافية ملونة يحكي فيها عن العمارة المنتشرة على طول بحر بيروت، يشير من خلالها إلى فقدان البحر قيمته الطبيعية في ظل هندسة معمارية غير متناسقة.
وتعلق ليتيسيا في سياق حديثها: «إن غالبية القطع الفنية المعروضة استوحت موضوعاتها من بحر بيروت ومن منطقة المرفأ. فنحن كغاليري موجودون هنا منذ نحو 5 سنوات. وهؤلاء الفنانون عاشوا وترعرعوا هنا، فتأثروا بالمنطقة ككل، بعد أن صار منظر بحر بيروت، لوحة يومية ينظرون إليها أثناء قيامهم بعملهم معنا».
الفنانة رانيا اسطفان تعرض لوحات لصور فوتوغرافية ركبتها بنفسها من خلال طبقات متراكمة، نفذتها في عام 2017، وتتميز هذه الصور بالطابع الضبابي الذي يخيم عليها، مما يزود بحر بيروت الذي تتناوله بمشهدية حالمة.
من ناحيته، يعرض أحمد غصين ودائما في معرض «مياه» مسامير ضخمة حديدية تحت عنوان «سر من أسرار الدولة»، كانت تستخدم في حقبة تاريخية سابقة لتعيين حدود بحر بيروت. فأعاد صنع سلسلة منها ليشير إلى أنه منذ الانتداب الفرنسي لم يجر مسح حدود بحر لبنان من جديد.