المصدر: الانباء الكويتية
الخميس 14 تشرين الثاني 2024 00:17:19
... الكلُّ ينتظر الكلَّ في دبلوماسيةِ «الحلّ الضائع» بين العواصم والأوراق والمسودّات، فيما الميدان يَسبقُ الجميعَ إلى جولاتٍ أعتى من التدمير الشامل والقتْل الجَماعي في طول لبنان وعَرْضِه، في ظلّ مَخاوف من أن تكون أسوأ الكوابيس... على الأبواب.
هكذا بدا المشهد في بيروت، ومنها، مع «رائحةِ بارودٍ» فاحتْ من كواليس مسارٍ مفترَضٍ لاستيلادِ حلٍّ لـ «حرب لبنان الثالثة» سرعان ما لفحتْه مناوراتٌ يُخشى أن تكون على طريقة «دسٍّ السمّ» بمقترحٍ تريد إسرائيل اعتماده «بمن حَضَر» و... إلا.
ولبنان الذي لم تَعُدْ العدساتُ تتسع للمجازر المتنقّلة التي تَفتك بشعبه، وآخِرها في بعلشميه (عاليه) وجون (الشوف) وعرمون (عاليه)، وسط تَحَوُّلِ الضاحية الجنوبية لبيروت مَسْرَحاً لغاراتٍ «ليل نهار»، لم يكن مرّةً مشدوداً إلى «جدول لقاءاتٍ» على أكثر من خطّ في واشنطن ولا إلى «لوائح تعيينات» دبلوماسية ووزارية (في الولايات المتحدة وإسرائيل) كما هي حاله في هذه الأيام، وكأنّه يريد الامساك ولو بـ«طرفِ الخَيْطِ» في مَسارِ وَقْفِ نارٍ يراوح بين أنه «موعودٌ» ووشيكٌ، أو «متوهَّم» ومكتوب بحبرٍ سرّي وحدها أميركا وتل أبيب تقرانه، أو «مُتَوَعَّد به» (من إسرائيل) على قاعدة «سِرْنا به» ولكن بيروت رفضتْه و«لتتحمّل التبعات».
فمن «قمة الرئيسين» جو بايدن ودونالد ترامب، أمس، إلى لقاءاتِ وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر في واشنطن، مروراً بتصريحاتِ الموفد الرئاسي آموس هوكشتاين «المفعم بالأمل» حيال وجود «فرصة للتوصل إلى اتفاق لوقف النار قريباً»، وليس انتهاءً بـ «البحث والتحري» عن موقع موسكو في «بازل» الحلّ المفترَض، حلقةٌ واسعة من المتابعة الـ «ماكرو» لمحطاتٍ «مُقرِّرة» في تحديد اتجاهات ريح الحرب المستعرة منذ نحو 60 يوماً والتي لم يكن ينقص تعقيداتها سوى أن «تهبّ» على خط أعاصيرها نفسه عاصفة التلويح في إسرائيل بضمِّ المستوطنات في الضفة الغربية والتي فجّرتْ قلقاً بالغاً من أن تتحوّل إما «رصاصة رحمة» على حلّ الدولتين ولغماً بين يدي الرئيس الأميركي المنتخَب ووعود السلام، وإما باب مقايضةٍ بين التراجع عن هذا الطرح وبين انتزاع المزيدِ على جبهة لبنان.
وفي وقت كان وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي يزور بيروت موفداً من الرئيس عبدالفتاح السيسي، حاملاً رسالة تضامن ودعْم للبنان وموقفاً مزدوجاً برفْض أن يكون انتخاب رئيس للجمهورية «مشروطاً بوقف النار ولا للضغوط الخارجية في هذا الملف» وبوجوب «وقْف العدوان الإسرائيلي وألا يستمرّ حتى 20 يناير موعد تسلّم ترامب وتكثيف الجهود وصولاً لوقف نار حتى لا يكون هناك مجال لتوسيع رقعة العدوان وجر المنطقة لحرب شاملة»، تعمّقتْ المخاوف من المرحلة الانتقالية الأميركية وما يمكن أن تَحمله من «مفاجآتٍ غير سارّة» في ضوء نجاح تل أبيب في ملاقاتها بما يَشي أنه حجْز موقع متقدّم لجهة التحكّم بمسارِ الأمور وفرْض إيقاعها انفراجاً أو انفجاراً وبشروطها. وهو ما عبّر عنه:
- ما نُقل عن هوكشتاين بعد لقائه ديرمر في واشنطن عن «أن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق لوقف النار في لبنان قريباً، وأنه ليس بالضرورة أن يتوجّه الى المنطقة لإنجاز الصفقة، وأنه لا يوجد دور روسي في محاولات التوصل إلى اتفاق.
وبينما كشف موقع «اكسيوس» أن ديرمر قدّم لهوكشتاين موقف إسرائيل «المحدَّث» من مقترح وقف النار المطروح على الطاولة حالياً، نقلت القناة 12 الإسرائيلية أن تل أبيب وواشنطن أرسلتا مسودّة عن اتفاق وقف النار الى لبنان وتنتظران جواب «حزب الله»، وأن رفع الحزب منسوب هجماته الصاروخية يدلّ على أنه يرغب في وقف الحرب لكنه «يريد تقديم نفسه بصورة المنتصر» لتبرير هذا الاتفاق.
وفي مقابل هذا الضخّ الإسرائيلي كان رئيس البرلمان نبيه بري، أعلن أنه «يأمل أن تنبثق عن اجتماع بايدن وترامب إشارة إيجابية تصل إلى هوكشتاين، وأنا جاهز لملاقاته في ما كنا قد اتفقنا عليه سابقاً»، موضحاً أنه كانَ ينتظر جواباً يتعلق بالصيغة المُتفَق عليها مع الأخير «لكنها لم تصل»، قبل أن يؤكد أن «ما يجري الآن هو مجرد معلومات يتم تداولها في الإعلام، لم نتبلغ منها شيئاً بالوسائل الرسمية، ولبنان ينتظر تقديم اقتراحات ملموسة ليبني على الشيء مقتضاه»، مع تسريب أنه يَعترض على مشاركة ألمانيا وبريطانيا في لجنة يُقترح تشكيلها لتراقب تنفيذ القرار 1701 برئاسة الولايات المتحدة وتضم أيضاً فرنسا.
- ما أعلنته هيئة البثّ الإسرائيلية عن أنّ مجلس الوزراء السياسي الأمني سيُوافق «على المبادرة الأميركية وأن «لدى إسرائيل خططاً عملياتية بديلة إذا رفض لبنان المقترح الأميركي» وأنّ «الاتّفاق مع لبنان بوساطة أميركية يمنع نقل الأسلحة من سورية»، كاشفة أنّ «الترتيبات تتضمن انسحاب حزب الله شمالاً من نهر الليطاني ونشر الجيش اللبناني»، وأن «واشنطن ستدعم إسرائيل لمنْع أي محاولات من حزب الله لإعادة التسليح» وأنّ «الاتّفاق مع لبنان يتضمن وثيقة تمنح حرية لإسرائيل بالعمل في حالة أيّ انتهاكات».
وجاء موقف وزير الدفاع يسرائيل كاتس ليُلاقي ما أوردته هيئة البث الإسرائيلية بتأكيده «لا يوجد وقف لإطلاق النار ولا أي ترتيب في لبنان لا يتضمن حق إسرائيل في التصرف بمفردها ضد حزب الله لمنْع أي نشاط معادٍ»، وهي النقطة التي يستحيل أن تسلّم بها بيروت ولا «حزب الله»، ومن خلفه إيران، وسط انطباعٍ بأن رفْع بري «بطاقة صفراء» بوجه ضمّ ألمانيا وبريطانيا إلى «لجنة الرقابة» على تنفيذ القرار 1701 قد يكون من باب رفع السقف لمقايضة أي مرونة في هذا الأمر، بمسألة «حرية الحركة والتصرف» لإسرائيل.
واعتُبر اتجاه إسرائيل لتبني مقترح «أحادي الجانب» صيغ بتفاهم ثنائي مع واشنطن وبشروط تل أبيب كاملة ومحاولة «إسقاطه» على «حزب الله» هو من باب استنساخ تجارب التفاوض في غزة واستخدام اعتراض الحزب ولبنان توطئة لتصعيد كبير جديد كان جرى التمهيد له بإعلان بدء المرحلة الثانية من الحملة البرية.
- استشعار «حزب الله»، وإيران، بمَخاطر المرحلة ومضيّه في إستراتيجية رفْض التفاوض تحت النار أو أن يسلّم في السياسة ما يعتقد أن الميدان لا يتيحه لاسرائيل، وهو اندفع أمس، ومن منطلق يعاكس التقييم في تل ابيب حول أنه يمهّد للسير باتفاقٍ مازال «في الهواء»، أي من باب ما يظنّ أنه «تحسين موقع التفاوض» لتوسيع هجماته التي شملت للمرة الأولى و«بسربٍ من المُسيّرات الانقضاضيّة النوعيّة»، مقرّ وزارة الدفاع وهيئة الأركان العامّة، وغرفة إدارة الحرب، وهيئة الرقابة والسيطرة الحربيّة لسلاح الجو وقاعدة غليلوت للاستخبارات في تل أبيب، وأعلن «إصابها بدقّة».
صاروخ «فادي 6»
وجاء هذا التطور بالتوازي مع إعلانه، في ما بدا ارتقاءً لمستوى «المرحلة الثانية» من العملية البرية، أنه أدخل الى الميدان صاروخ «فادي 6» الذي يحمل رأساً حربياً زنة 140 كلغ، ومداه يصل الى 225 كلم ووزنه الكلي 650 كلغ ويعمل بالوقود الصلب المركب «ويُستخدم لتوسيع رقعة العمليات الى مناطق العمق».
ترافقت كل هذه التطورات مع اشتعالٍ كبير في الميدان، حيث قتل 7 جنود إسرائيليين بانهيار مبنى بإحدى قرى جنوب لبنان، بينما تواصلت الغارات المدمرة في الجنوب والبقاع، والضاحية الجنوبية التي استفاقت لليوم الثاني على التوالي على استهدافات جوية بعد ليلٍ لم تسترح فيه ايضاً الغارات، بمجازر غالبية ضحاياها من الأطفال والنساء، كان أفظعها في جون حيث سقط ليل الثلاثاء أكثر من 20 ضحية (وقبلها بعلشميه التي قضى فيها 8 أشخاص) وأمس في عرمون التي استُهدفت للمرة الأولى ما تسبّب بسقوط ما لا يقل عن 8 أشخاص.