ضريبة الدخل تضرّ بالضمان الاجتماعي والمضمونين

تتمسّك وزارة المالية، وبغطاء تشريعي من مجلس النواب، بضريبة الدخل ذات الشطور المرتفعة. ولا يبدو أن التراجع عنها أو تقليص شطورها، أمرٌ وارد. وما يمكن تعديله قد لا يتجاوز اعتماد وزير المالية لـ"سعر صرف مقبول، بقرار تطبيقي"، بدل اعتماد دولار منصة صيرفة كسعر صرف للرواتب الدولارية، وهو ما لوّح به رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان، استناداً إلى أن قانون موازنة العام 2022 لم يعتمد سعر صيرفة. على أن شيئاً لم يُحسَم بعد. ما يترك الاحتمالات مفتوحة، ونتائجها كذلك.

ولأن التمسّك بالضريبة وشطورها المجحفة أمرٌ شبه محسوم، فإن معدّلات التهرّب الضريبي سترتفع، وسيكون الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أحد أبرز المتضرّرين، إذ سيُحرَم من إيرادات الاشتراكات، وهو بأمسّ الحاجة إليها لتمويل التغطية الصحية وتعويضات نهاية الخدمة.

 

التصريح بالقيمة الفعلية

الضريبة المرتفعة ستعزّز عدم التصريح عن العدد الحقيقي للموظّفين في أي مؤسسة، وكذلك عن رواتبهم وخصوصاً الدولارية. وإخفاء الرواتب الحقيقية أو عدم التوظيف الفعلي، وتالياً الخروج من جداول الضمان، سيحرم الأخير من اشتراكات ثلاثية تدفعها المؤسسات والأجراء والدولة.

وعدم التصريح عن القيمة الفعلية للرواتب، هو إجراء مُتَّبَع لدى الكثير من المؤسسات للتخفيف عن حجم مدفوعاتها وبالتوازي مدفوعات الأجراء للضمان. لكن رغم ذلك، كانت المدفوعات وتقديمات الضمان مقبولة في ظل ثبات سعر صرف الليرة مقابل الدولار. أما اليوم، فالحد الأدنى الرسمي للأجور لا يكاد يُرى على مقياس القدرة الشرائية، والحد الأدنى المعتمد من قِبَل الضمان، أي نحو 2 مليون و500 ألف ليرة، هو قيمة متدنّية جداً. فيما التغطيات الصحية وتعويضات نهاية الخدمة المقدّمة من الضمان، لا تسدّ حاجات الأسر في ظل تصاعد سعر صرف الدولار وتقويم كل الأسعار والخدمات وفقها. الأمر الذي يحسم خيار الموظّفين بالتخلّي عن تقديمات الضمان لصالح حماية مداخيلهم الدولارية التي تغطّي الاستشفاء والاستهلاك والحاجات الأخرى.

في السياق، توافق مصادر إدارية في الضمان على احتمال ارتفاع معدّلات التهرّب الضريبي وعدم التصريح عن الرواتب الحقيقية للضمان، وعلى الذهاب بعيداً وصولاً إلى الاستغناء عن خدمات الضمان. "لكن هذا الأمر لا يلغي ضرورة دفع الموظفين ضريبة تتوافق مع مستوى مداخيلهم. فمن غير المقبول أن يقبض موظّف 2000 دولار ويدفع ضريبة دخل وفق السعر الصرف الرسمي"، وفق ما تقول المصادر لـ"المدن".

وتلفت المصادر النظر إلى أن الضمان، ومع تدهور سعر صرف الليرة، "طلب رأي هيئة التشريع والاستشارات، ورأي ديوان المحاسبة حول السعر الذي يفترض استيفاء اشتراكات الضمان وفقه، فجاء الرد باعتماد السعر الرسمي أي 1500 ليرة، لكن اليوم ومع قانون الموازنة، يفترض أن يتغيّر السعر".

 

العدالة واجبة

ضرورة دفع الضريبة مرهونة، حسب عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي، صادق علوية، بـ"حفظ حقوق الموظفين. فكما عليهم واجب الدفع بحسب رواتبهم الحقيقية، لهم الحق بالحصول على خدمات، كالتغطية الصحية وتعويضات نهاية الخدمة بقيمة فعلية تتناسب مع ما يدفعونه".

ويرى علوية في حديث لـ"المدن" أن ما على الموظف دفعه من ضريبة وما سيحصل عليه من خدمات، هو عبارة عن "شبكة يفترض أن تُستَكمَل أجزاؤها، وليس من المفترض أن يقف الأمر عند اقتطاع الضريبة فقط".

العدالة بنظر علوية هي التي تؤمّن مصالح خزينة الدولة والضمان والموظّفين، وهي التي تضبط توافق الأرقام بين ما يُصرَّح به لوزارة المالية وللضمان. أما في حال عدم تلازم الأرقام في التصريح للجهتين، فيشكّل ذلك مخالفة. وعليه "يجب التوفيق بين قانون الإجراءات الضريبية وقانون إجراءات الضمان". والحرص على العدالة "لا يكون بعدم فرض ضريبة على الرواتب الدولارية، بل في توسيع الشطور لتنخفض الضريبة. وعندها يتم تقليص هامش التهرّب الضريبي وعدم الاشتراك في الضمان الذي سيعزّز إيراداته مع زيادة المستحقّات المدفوعة".

ويستغرب علوية "ذهاب البعض إلى جعل النقاش حول دفع أو عدم دفع الضريبة على الرواتب بالدولار، في حين يجب على النقاش أن يكون حول حجم الضريبة". ويوافق علوية على ضرورة إجراء تناسب واقعي بين دافعي الضريبة على الرواتب بالدولار ودافعيها على الرواتب بالليرة. بالإضافة إلى حل مشكلة سعر صرف المنصة الذي سيتغيّر باستمرار ويغيّر حجم الضريبة.

 

عدم وضوح آلية احتساب الإيرادات الصافية نظراً لتداخل عملية الدفع بالليرة أو الدولار أو كليهما، تنعكس على آلية قبض الضمان لمستحقاته، فهو لا يمكنه القبض بالليرة وفق أسعار متدنية والدفع للمضمونين بالدولار أو بالليرة وفق سعر السوق. والضمان في هذه الحالة، ووفق ما تقوله المصادر "يدفع ثمناً كأي مؤسسة تابعة للدولة، فهو ليس جزيرة معزولة، بل هو مصفاة لمصالح الناس، وبما أن الناس تأثّرت والدولة تأثّرت، فالضمان سيتأثّر. والدولة لا تقوم بواجبها حيال حماية الضمان، فعلى سبيل المثال، فإن المادة 66 من قانون الضمان، تقول بان على الدولة تحمّل كافة أعباء الضمان في حال النكبات الكبيرة. لكن الدولة اليوم عاجزة".

وإلى حين إيجاد حلّ منصف، ينتظر الضمان ما سيقرّره موظفو المؤسسات الخاصة، الذين يشكّلون مروحة واسعة جداً قادرة على شلّ البلد في حال إصرار الدولة على فرض شطور مرتفعة وسعر صرف غير عادل للضريبة.