المصدر: النهار
الكاتب: علي حمادة
الثلاثاء 19 كانون الاول 2023 08:20:49
استمرار الاشتباكات على الحدود الجنوبية بين “حزب الله” وإسرائيل لا يقدّم ولا يؤخّر في حركة الميدان في قطاع غزة. وكل الاعذار التي يقدمها “حزب الله”، فضلاً عن القراءات التي تبرز “الانتصارات” لا جدوى منها. فقبل إحصاء الاضرار التي يُمنى بها الإسرائيليون، يجب التوقف عند الاضرار التي تصيب اللبنانيين بأرواحهم وبيوتهم وأرزاقهم في القرى المحاذية للحدود التي انتفت فيها أسباب الحياة بقرار اتخذه “حزب الله” نيابة عن جميع اللبنانيين، وفوق الدولة، الشرعية، الدستور والقانون. والأهم انه بسلوكه هذا يرفع منسوب الخطر الكبير على الحياة المشتركة بين اللبنانيين. فإذا كان ثمة مواطنون لبنانيون لاسيما داخل بيئته الحاضنة يؤيدون هذا السلوك فإن الغالبية العظمى من البيئات الأخرى ترفض ان يُزج بلبنان في حروب الآخرين، وهي ترفض ان تتم المجازفة بالبلاد خدمة لأجندة إيرانية على ارضنا. اما حرب غزة بين “حماس” والإسرائيليين، والجرائم التي ترتكبها اسرائيل في حق الشعب الفلسطيني، فحدود التعاطف بشأنها مع أهلنا في فلسطين تقف عند سلامة الشعب اللبناني، وما تبقّى من الدولة اللبنانية، ومن الدستور الذي ارتضيناه وسيلة نحتكم اليها لإدارة هذا البلد.
انطلاقا مما تقدم، ليس مقبولا ان يواصل “حزب الله” هذه المناوشات التي سقط من جرّائها عشرات الشهداء اكثريتهم من مسلحيه. وليس مقبولا ان يتم تحويل جنوب لبنان الى قاعدة عمليات تخضع لغرفة عمليات ما يسمى “وحدة الساحات” التي يديرها “الحرس الثوري الإيراني” من طهران، فضلاً عن ضرب القرار 1701 بعرض الحائط من دون إقامة أي اعتبار للشرعية اللبنانية. طبعا لا يخفى على احد ان ممثلي الشرعية اللبنانية إما هم متواطئون وإما مستسلمون. هؤلاء لا يكتفون بالصمت المطبق امام تجاوزات “حزب الله”، بل حتى انهم لا يجرؤون على اثارة مسألة قيام الحزب المذكور بفتح الجنوب اللبناني امام فصائل فلسطينية كـ”حماس” او “الجهاد الإسلامي” لتحويله الى منصة لإطلاق الصواريخ “الدعائية” الغرض ضد إسرائيل، واستدراج الأخيرة لاستهداف قرى وبلدات لبنانية.
يوم امس، تحدثت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا عن خطر الحرب المحدق بلبنان. طبعا لم تكن توجه كلامها الى المسؤولين اللبنانيين المتواطئين. كانت توجه كلامها شطر “حزب الله”. لقد أتت من إسرائيل وهي تعي مدى خطورة الوضع. وتزامن وصولها مع نشر معلومات خطيرة في صحف بريطانية ابرزها “التايمز” جاء فيها: “إن الجيش الإسرائيلي وضع خططا لغزو جنوب لبنان رغم الدعوات الى ضبط النفس من حلفائه الغربيين”. ونقلت الصحيفة عن ضابط وصفته بالرفيع في الجيش الإسرائيلي قوله إن “ما حدث في الجنوب (غزة) لا يقارن بما يمكن أن يفعله “حزب الله” في الشمال”، مؤكدا أن العقيدة الإسرائيلية هي نقل الحرب إلى الجانب الآخر. وأضاف الضابط أن القرار بشأن ما إذا كان سيتم إطلاق قوة برية عبر الحدود يعود إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته الحربية. وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي جوناثان كونريكوس إنه “لا يمكن العودة إلى الوضع الذي كان قائما قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وإن الجيش مستعد”. وأشار إلى أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي “وافق على الخطط والجداول الزمنية المحددة للاستعداد”.
هذه المعلومات التي نشرتها صحيفة “التايمز” اللندنية خطيرة للغاية، وهي تتقاطع مع معلومات ديبلوماسية تشير الى ان إسرائيل كادت منذ السابع من أكتوبر (عملية طوفان الأقصى) ان تشن حربا مرتين على “حزب الله”.
والسؤال المطروح: متى سيدرك “حزب الله” ان المسؤولين الذين يحابونه لا يمثلون المزاج الشعبي الحقيقي في البلاد؟ فغالبية اللبنانيين تريد الحياد والتحييد. اما نسبة من يتوقون الى التخلص من عبء اللاشرعية المهيمنة فهي ساحقة. لا تنخدعوا بالطاقم الحاكم، فالناس في مكان آخر.