المصدر: اللواء
الثلاثاء 19 آذار 2024 01:08:31
لا شك أن العمليات العسكرية المتبادلة بين «حزب الله» وإسرائيل محصورة منذ الثامن من تشرين أي تاريخ إشتراك حزب الله في جبهة الإشغال في جنوب لبنان، إلا أن تداعياتها تطال البلد ككل بقطاعاته كافة، وبشكل خاص اقتصادياً مالياً، وسياحياً، خصوصاً مع بداية خروجها عن حدود الجنوب من خلال ما جرى الأسبوع الماضي في البقاع وبعلبك بعد أن وصلت حدودها لضاحية «بيروت» الجنوبية، وتهديدات بأن تتحول هذه الضربات إلى حرب شاملة سيدفع لبنان بأكمله ثمنها ففي ظل أزمة إقتصادية مستمرة وحرب غامضة نهايتها ما هي خسائر لبنان إقتصادياً من هذه الحرب؟
أشار الخبير المالي والمصرفي نسيب غبريل إلى أن الأداء الإقتصادي عام 2023 كان متجهاً نحو نمو 2% ،وهي أول سنة يحقق فيها الإقتصاد في لبنان نمو منذ عام 2017،وهذا بسبب عدة عوامل العامل الأول تمييز القطاع السياحي ليس فقط على صعيد أشهر الصيف إنما من أول أيام السنة،والثاني أن هناك 14 قطاع رديف يستفيدون من الحركة السياحية،أما العامل الثالث القطاعات الأخرى التي ساهمت في هذا النمو ك «الصناعة»، «الزراعة»، وأيضاً قطاع الخدمات وتحديداً قطاع الخدمات التكنولوجية كخدمات للأسواق الخارجية.
ولفت غبريل في حديث لـ«اللواء» إلى أن القطاع الخاص ككل إستطاع أن يستوعب صدمة الأزمة الإقتصادية بعد ثلاث سنوات وأعاد تموضعه داخل كل قطاع من خلال تسكير المؤسسات العديد من قروضها على سعر صرف «زهيد» إما من خلال الـ1500 ليرة أو من خلال شيكات «جزء بسيط من قيمة القرض» ، والدولرة في الأسعار هذه العوامل تراكمياً ساهمت في الحركة الإقتصادية لغاية السابع من تشرين والثامن من تشرين.
وكشف أن في السابع والثامن من تشرين أحدثت خضة كبرى أثرت على الثقة بشكل مباشر لأنه على الرغم من أن الحركة السياحية تصل إلى ذروتها في فصل الصيف وتعود وترتفع في أعياد آخر السنة ولكن بقيت الحركة السياحية في لبنان مستمرة، وكان هناك وفود قادمة من أوروبا، فضلاً عن المؤتمرات الإقليمية التي كان لبنان يشهدها في الماضي إن كانت مؤتمرات أكاديمية أو مؤتمرات عمل عدنا وشاهدناها مرة أخرى، لذلك صدمة السابع والثامن من تشرين أثرت على الثقة أولاً والقطاع الذي تأثر بشكل أساسي هو القطاع السياحي وبالأخص «سياحة الأعمال» قبل «سياحة الإستجمام»، وهذا كله تأجل إلى أجل غير مسمى فضلاً عن المناسبات الديبلوماسية التي كانت تقوم بها السفارات والتي ألغيت أيضاً بسبب الأوضاع وهذا كله له كلفته في النهاية ناهيك عن قيام بعض شركات الطيران الأوروبية بتعليق رحلاتها أو تخفيض البعض من هذه الرحلات ،وتراجع حركة الطيران بعد أن أصبحت النظرة سوداوية لأن الأمور أصبحت غامضة آنذاك ولم يكن أحد يعرف إلى أين ستجري الأمور.
وأردف أن هذه الصدمة أدت إلى توقف هذه الإندفاعة التي كانت موجودة عام 2023 لغاية 6 تشرين الأول،ومن ناحية الإستهلاك حيث تراجع بعد أن أصبح يرتكز على الأشياء الأساسية كالسلع والمواد الأساسية وأدى بدوره إلى تراجع الكماليات بشكل تدريجي على الأقل أول ثلاث أسابيع من الأزمة،فضلاً عن بعد الإستثمارات التي تم الإعلان عنها في بعض الصناعات الناتجة عن دراسات وتحضيرات مسبقة حيث تم تأجيل وتباطؤ العمل على هذه المشاريع،وهذا كله أثر على الحركة الإقتصادية.
وأكد أن المغترب اللبناني كان العنصر المفاجئ حيث أنه طالما المطارفي بيروت لا زال مفتوحاً فالمغتربين ملتزمين بالمجيء إلى لبنان على الرغم من أنه في بداية الأحداث كان هناك مخاوف من هذا الأمر بسبب إعتماد لبنان على 200 ألف مغترب تقريباً ليأتوا إلى لبنان في فترات الميلاد ورأس السنة،ولكن الأعداد التي أتت للبنان كانت مثل الأعداد التي أتت في العام 2022 وهذا ما أحدث مفاجأة كبيرة لم يكن أحد يتوقع حجم هذا الإقبال،ولكن هذا لا يمنع من أن الحركة الإقتصادية لم تسجل 2% في 2023 ولكن ستبقى تسجل نمو وستكون هذه النسبة إيجابية على الرغم من عدم صدور المؤشرات لتحديد النسبة.
واعتبر أن هناك فرص ضائعة إقتصادياً ومكلفة نتيجة الذي حدث منذ السابع والثامن من تشرين في لبنان وخصوصاً مع مطلع العام 2024 مع إستمرار الوضع على ما هو عليه حتى اللحظة من دون أفق أو حل لوقف إطلاق نار مستدام،ووقف الإعتداءات الإسرائيلية على لبنان وعلى الجنوب أدى لأن يكون هناك كلفة مباشرة على لبنان باعتبار أن هناك أكثر من 90 ألف نازح من الجنوب ناهيك عن أن الحركة الإقتصادية في الجنوب هي شبه مشلولة عمليّاً ،والحركة المدنية شبه متوقفة بشكل كلي،وهناك خسائر مباشرة على منازل ومباني،وهناك ضيع حدودية باتت مقفرة كلياً وهذا كله له تداعيات ليس فقط على إقتصاد منطقة الجنوب وحسب إنما على إقتصاد لبنان ككل لأنه على الرغم من إستمرار الحركة في باقي مناطق الجنوب بعد السابع من تشرين حتى ولو ببطئ،ولكن التراكمات لها أثارها في طبيعة الحال وتداعياتها.
وشدد غبريل أنه على الرغم من كل ما يقال حول أن هناك جزء من النازحين الجنوبين «إستأجروا بيوت» ولكن هذا لا يعوض الآثار الناجمة عن ما يحدث،فضلاً عن الخسائر الزراعية في الجنوب التي لا يجب أن ننساها من محاصيل الزيتون وصولاً للأراضي الزراعية التي حرقتها إسرائيل بالصواريخ الفسفورية مشيراً إلى أن لبنان الآن في وضع ضبابي نتيجة عدم معرفة ما إذا سيحصل هدنة في غزة أم لا مع عدم المعرفة إذا كانت هذه الهدنة ستنسحب على الجنوب أم لا فضلاً عن مدة هذه الهدنة،أي أنه لا يوجد ضمانة فعلية أنه بحال حدثت الهدنة في غزة وانسحبت إلى الجبهة الجنوبية حول مدتها لذلك هذا ما يجعل من الرؤية ضبابية مما يؤثر على الحركة والتخطيط للشركات ويعطي العديد من نقاط الإستفهام على الموسم السياحي لصيف 2024 ،فهناك ثلاث سناريوهات:الأول،إستمرار الوضع على ما هو عليه من دون أفق سيكون هناك إنكماش في الحركة الإقتصادية بنسبة 0.5% تقريباً ونسبة حدوث هذا السيناريو 40%، أما الثاني أن يصبح هناك وقف إطلاق نار مستدام وهذا ما سيتبعه نمو بنسبة 1% ونسبة حدوث هذا السيناريو 20%، والأخير إتساع الحرب نتيجة التهديدات الإسرائيلية ونسبة هذا السيناريو 40% وإذا حصل السيناريو الأخير فممكن أن نذهب إلى إنكماش 20%.
ومن جهته لفت الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين إلى أن عدد الضحايا اللبنانيين 306 مقسمين على الشكل التالي، مدنيين 48 وحزب الله 239 وحركة أمل 11 والجماعة الإسلامية 3، والإعلاميين 3 1، للجيش و1 للحزب القومي.
وكشف شمس الدين في حديث لـ«اللواء» أنه وبحسب المجلس الوطني للبحوث العلمية هناك 10 ملايين متر مربع من غابات وأحراش وحقول زيتون أحرقوا،والضرر الأكبر هو في موعد زراعة التبغ حيث لم يستطع المزارعون خصوصاُ في عيترون وببليدا والقرى الحدودية أن يزرعوا التبغ فضلاً عن نزوح 90 ألف جنوبي ودمار 1500 منزل وتضرر كبير لـ1700 منزل وتضرر طفيف لـ4000 منزل.
وأكد أن العجلة الإقتصادية بعد هذه الأحداث توقفت في الجنوب بحيث أن الأضرار المباشرة في الجنوب هي بحدود 350 مليون دولار،أما الأضرار على مستوى لبنان نتيجة الأزمة وحالة الخوف لا نستطيع تقديرها، ولكن عمدنا إلى المقاربة التالية إذا كان الناتج القومي 22 مليار دولار في السنة أي 60 مليون دولار يومياً .
وأشار إلى أن تم التقدير من خلال عينات أن الأعمال متراجة بنسبة 10% في المؤسسات على مختلف أنواعها، وبالتالي الخسارة اليومية هي بحدود الـ6 ملايين دولار أي بحدود الـ960 مليون دولار منذ أن بدأت الأزمة حتى اليوم بحيث أن إجمالي الخسارة للإقتصاد بشكل العام وللجنوب بصورة خاصة هي بحدود مليارو300 دولار.
وتخوف شمس الدين من إستمرار الحرب طويلاً وأن تمتد للصيف وتؤثر على موسم الإصطياف بسبب عدم مجيئ السياح والمغتربين اللبنانيين نتيجة إستمرار الحرب ، وبالتالي فالخسارة الإقتصادية ستكبر لدينا على أمل أن تنتهي قبل فصل الصيف.