مثلث داعش- الأمن- الفتنة.. وألعاب المنظومة الحاكمة

بين أيدي المنظومة الحاكمة مثلث دائم النجاح للترهيب والتخويف، ولمقاربة أي ملف سياسي أو ظرف سياسي. مثلّث "داعش- الأمن- الفتنة"، لعبة بوليسية قديمة جديدة، لا تقلّ أهمية عن الألعاب الأمنية المستخدمة من قبل السلطة على مدى عقود. في حقبات سياسية سابقة، كانت لغة الأشباح والعبوات الموزّعة في بيروت، وقبلها خلايا تخريبية وأخرى لعبدة الشيطان. وما بين هذه الحقبات، لعب بهشيم السلم الأهلي على مختلف المحاور المفتوحة والجاهزة للاقتتال الداخلي. منطقة قصقص فصل منها، عين الرمانة فصل آخر، خلدة فصل ثالث.

أربعة حوادث

في الأسبوع الأخير أربعة حوادث أمنية، هامشها الإعلامي واسع جداً. فيسهل توظيفها في مصلحة المنظومة الحاكمة وألعابها الأمنية. حادثة قتل 3 شبان في كفتون-الكورة وما سُرّب إعلامياً عن ضلوع عناصر متشددة وإرهابية. اشتباك خلدة، المذهبي أساساً، وما رافقه من خطاب ديني متصاعد من الجانبين. حادثة إصابة 4 عسكريين من الجيش اللبناني على الحدود الشرقية بعد رمي أحد المهرّبين قنبلة على الدورية العسكرية، وقيل إنه ضبط بحوزة أحد الجناة ذخائر عسكرية و2800 طلقة عيار 7،62 ملم. والأهم من كل ذلك، تقرير إعلامي ينقل عن مصادر أمنية أنّ أحد العمال في المرفأ الذين قاموا بعملية تلحيم أحد أبواب العنبر رقم 12 يشتبه المحققون بارتباطه بتنظيم متشدد أو ربما كانت ميوله متشدّدة.

رواق واحد
حصل الدسّ الإعلامي في جريمة القتل في كفتون وتلبيسها الزيّ الإرهابي، من دون صدور أيّ تقرير رسمي عن الأجهزة الأمنية يؤكد أو ينفي المضمون. أمام الهالة الإرهابية لتفجير المرفأ، فصدرت حتى قبل التحقيق مع الشخص المعني، ما يطرح أساساً علامات استفهام حول استباق الاستنتاجات لتسجيل الإفادات. والأمر نفسه في خلدة. إذ لم يصدر التقرير الأمني الرسمي حول الحادثة وقتل شخصين على يد مسلّحين قيل إنهم من أنصار ثنائي حزب الله وحركة أمل. قد لا ترتبط الأحداث الأربع في المضمون إلا أنها تصبّ في رواق واحد، اللعب بأمن اللبنانيين وممارسة اللعبة الاعتيادية بالتخويف لفرض واقع سياسي متجدّد. هذا من جهة، أما من جهة أخرى فرسالة داخلية طائفية دائمة باتجاه الطائفة السنية وأي حركة يمكن أن تصدر عن ناسها أو قيادتها. رواق تقويض لكل من يجرؤ ويطمح إلى المضيّ في خطاب معاكس للسلطة الفعلية الحاكمة.

الضخّ الإعلامي المعتاد
تنشّط هذه الحوادث الأربع مخيّلة البعض وتطلق جموحها. قبل أسابيع، في إطار الضخ الإعلامي المنظّم نفسه، نشرت وسائل إعلامية تقارير تفيد بأنّ مجموعات من العناصر الإرهابية قدمت من سوريا "اندّست بين الثوار في طرابلس" وقد تكون سبباً رئيسياً لانفجار أوسع. وقبل سنوات، في حقبة الانتفاضة على النفايات الفعلية والسياسية، لا يمكن إغفال مانشيت "داعش يتسلّل إلى الحراك" لإحدى الصحف، الهالكة، الناطقة باسم المنظومة الحاكمة وقتها. فلا يمكن فصل الضخّ الإعلامي، الحاصل اليوم، عن سابقاته. يأتي في الإطار نفسه، صادر عن الجهات والأجهزة الأمنية ذاتها، لتحقيق الأهداف ذاتها.

رسالة ماكرون
قبل أيام، وساعات، من عودة الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون إلى بيروت، صعد مجدداً نجم الإرهاب وأعماله في لبنان. في تظهير هذا الجانب من الملف الأمني حنكة سياسية للمنظومة الحاكمة. وفيه أيضاً محاولة لضمّ التعاطف الدولي حولها بصفتها رادعة للإرهاب، تحارب على أكثر من جبهة. تتعامل مع الأزمة الاقتصادية والمالية وتداعيات التفجير ونكبته، وموجة فيروس كورونا الثانية، ويضاف إلى كل ذلك الخطر الداهم الصادر عن الخلايا الإرهابية التي تبحث عن اختراق المجتمع وناسه في فوضى الانهيارات المتعدّدة. وصلت هذه الرسائل إلى الرئاسة الفرنسية قبل موعد الزيارة في الأول من أيلول، فصدر عن ماكرون موقف واضح بأنه "إذا تخلينا عن لبنان، وإذا تركناه بطريقة ما في أيدي قوى إقليمية فاسدة، فستندلع حرب أهلية وسيؤدي ذلك إلى قويض الهوية اللبنانية". 

في هذا موقف الأخير إصرار على الإصلاحات من جهة وتأكيد على دور منظومة الحكم في تنفيذ الإصلاح أيضاً. في ترك الأمور بين أيدي فصائل المنظومة موت مؤكد. في إبعادها عن السلطة حرب أهلية، وموت مؤكد ثانٍ. في انتظار الإصلاحات منها، موت حتمي ثالث ولو ببطء. أمام مصير الموت هذا، نجلس كما أحد أبناء الأحياء المنكوبة على شباك مطلّ على الدمار والتهويل. نتفرّج على البلد المنهوب والمقصوف من داخله، برجاء ألا يتمّ صبغ موتنا بشمّاعة "الإرهاب"، لتوظيفه لمصلحة منظومة القتل المنظّم.