المصدر: الحرة
الكاتب: أسرار شبارو
الجمعة 2 آب 2024 18:31:18
يستعد لبنان، حكومة وشعباً، للتعامل مع أسوأ السيناريوهات بعد اغتيال الجيش الإسرائيلي للقائد العسكري في "حزب الله" فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، وإعلان أمين عام "حزب الله" حسن نصر الله دخول الحزب في مرحلة جديدة تجاوزت فيها الأمور مسألة "جبهات إسناد"، والانتقال إلى معركة مفتوحة على كل الجبهات، في حين أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، أن إسرائيل جاهزة لكل التهديدات.
رفعت عملية اغتيال شكر، ومعها اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية في طهران، منسوب التوتر في الشرق الأوسط بين إسرائيل و"محور الممانعة"، وزادت من مخاوف اللبنانيين بشأن ما ينتظرهم.
وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان منذ عام 2019، يخشى اللبنانيون من عدم قدرة الحكومة اللبنانية على تأمين الحد الأدنى من متطلبات الصمود لمواجهة الحرب المحتملة.
وشهد معدل الفقر في لبنان ارتفاعاً بأكثر من ثلاثة أضعاف خلال العقد الماضي (بين عامي 2012 و2022)، ليصل إلى 44% من مجموع السكان، وذلك وفقاً إلى تقرير البنك الدولي الذي صدر في مايو الماضي بعنوان "تقييم وضع الفقر والإنصاف في لبنان 2024: التغلب على أزمة طال أمدها".
وللحفاظ على الأمن الغذائي للبنانيين أطلقت نقابة مستوردي المواد الغذائية نداء عاجلاً للوزارات والإدارات المعنية، ناشدتها فيه "اتخاذ إجراءات استثنائية وسريعة في ظل الظروف الدقيقة والاستثنائية التي يمر بها لبنان لتعجيل تخليص معاملات السلع الغذائية المستوردة الموجودة في مرفأ بيروت وتسليمها لأصحابها، تمهيداً لتخزينها في المخازن داخل لبنان بعيداً عن أي مخاطر، من أجل الحفاظ على الأمن الغذائي للبنانيين".
وأكدت النقابة أن مطالبتها ليست شكوى ضد الوزارات والإدارات المعنية بشأن التقصير في معاملات وإخراج البضائع، بل هي لفت انتباه المسؤولين لضرورة اتخاذ تدابير سريعة لنقل السلع الغذائية التي وصلت مرفأ بيروت إلى أماكن آمنة.
استجابة لهذا النداء، أعلن رئيس مجلس إدارة ومدير عام مرفأ بيروت، عمر عيتاني، في بيان، أن المرفأ وضع طاقمه في جهوزية تامة للعمل على مدار الساعة لتسهيل كل ما يتطلبه إنجاز معاملات السلع الغذائية المستوردة الموجودة داخل المرفأ.
خطط التصدي
يكفي مخزون المواد الغذائية في لبنان لمدّة تتراوح بين ثلاثة وأربعة أشهر، فيما يغطي مخزون الطحين حاجة البلاد لمدة شهرين على الأقل، كما يؤكد مدير عام وزارة الاقتصاد، الدكتور محمد أبو حيدر.
ويشير أبو حيدر في حديث لموقع "الحرة" إلى أن "وصول بواخر محملة بالمشتقات النفطية بشكلٍ منتظم إلى المرافئ اللبنانية يضمن استقرار إمدادات الطاقة. موضحاً أن مخزون الفيول يكفي لمدة عشرين يوماً، فيما يغطي مخزون الغاز المنزلي حاجة السوق لمدة لا تقل عن شهر".
واتخذت وزارة الاقتصاد مجموعة من الإجراءات لضمان استقرار الإمدادات، من بينها بحسب ما يشرح مديرها العام، "العمل على توزيع المخزونات الغذائية والوقود بشكل عادل على مختلف المناطق اللبنانية عبر الشركات والمستوردين، وتسريع الإجراءات الجمركية من خلال إصدار تعليمات إلى مكاتب الوزارة في المعابر والمرافئ لتسريع إجراءات إدخال البضائع إلى السوق اللبنانية".
ومن الإجراءات كذلك "تخصيص بعض محطات المحروقات مخزون استراتيجي لتلبية احتياجات القطاعات الحيوية كالمستشفيات والأفران والمصانع وفرق الإطفاء".
وحول ارتفاع الأسعار، يؤكد أبو حيدر أن "فرق التفتيش في الوزارة تقوم بمتابعة أسعار السلع بشكل يومي، وتحصيل لوائح أسعار أسبوعية للسلع الأساسية، مشدداً على أنه "سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق كل من يرتكب مخالفات تتعلق برفع الأسعار بشكل غير مبرر".
ورغم تأكيده على استقرار وضع سلاسل الإمداد في الوقت الحالي، إلا أن أبو حيدر يحذّر من تداعيات أي حصار بحري محتمل على الأمن الغذائي للبنانيين.
وفي ظل الظروف الاقتصادية والأمنية التي يمر بها لبنان، دعا وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال، أمين سلام، الأربعاء، إلى اجتماع طارئ مع نقابات أصحاب السوبر ماركت، ومستوردين المواد الغذائية، وأصحاب الدواجن واللحوم، وأصحاب المطاحن والأفران، وأصحاب الصناعات الغذائية.
وبعد الاجتماع دعا سلام المواطنين إلى عدم تخزين المواد الغذائية في المنازل، قائلاً "لا داعي للهلع والخوف من فقدانها في الأسواق، إذ إن عمليات استيراد الطحين واللحوم والدواجن مستمرة جواً وبحراً، مع مراعاة عدم احتكارها وشراء كميات كبيرة وحرمان الآخرين من حاجاتهم".
كما تحدث سلام عن "طمع تجار الأزمات"، معلناً أن وزارة الاقتصاد ستبدأ اعتباراً من الأسبوع المقبل، وبالتنسيق مع منظمة الغذاء العالمي، بإصدار تقارير شهرية تطلع المواطنين على أسعار 75 منتجاً من المواد الأساسية في جداول مقارنة مع أسعارها على مستوى كل الأراضي اللبنانية، بهدف الحد من المزايدة وارتفاع الأسعار.
تحديات ومخاوف
مع تصاعد قرع طبول الحرب، يبرز القمح والخبز كعنصرين أساسيين في النظام الغذائي، حول ذلك يشير رئيس نقابة أصحاب المطاحن، أحمد حطيط، إلى أن "الطاقة التخزينية للقمح في مخازن لبنان لا تتجاوز حالياً شهرين ونصف، وذلك بعد أن تسبب انفجار مرفأ بيروت في أب 2020 بتدمير الإهراءات".
وحول خطط الطوارئ لإيصال القمح للمطاحن وتوزيع الطحين على المخابز في حال اندلاع حرب واسعة، يشدد حطيط في حديث مع موقع "الحرة" على أن "المسؤولية الأساسية في هذه الحالة تقع على عاتق الحكومة والجيش في حال قطعت الطرقات بسبب القصف".
أما بشأن التعاون بين الحكومة والمنظمات الدولية لتأمين إمدادات القمح والطحين، فيشير حطيط إلى أن "الاستيراد يتم حالياً بشكل طبيعي"، إلا أنه يحذر من أن الوضع قد يتغير في حال إغلاق المعابر أو تعطّل حركة الملاحة في المرافئ، مما يستدعي تفعيل آليات التعاون الدولي لتأمين دخول البضائع إلى لبنان.
أما رئيس نقابة أصحاب الأفران في الشمال، طارق المير، فيؤكد أن ضمان عدم انقطاع الخبز من الأسواق يعتمد بشكل أساسي على عدم قطع الطرقات.
ويوضح المير في حديث مع موقع "الحرة" أنه "إذا قصفت الجسور كما حدث في حرب يوليو 2006، ستتوقف الإمدادات من بيروت، وهناك مطحنة واحدة فقط في الشمال يمكنها تزويد الأفران بالطحين لمدة ستة أيام"، شارحاً "في حرب يوليو تمكنا من إنتاج الخبز لمدة 15 يوماً فقط، لذلك هناك خشية من مواجهة نفس المشكلة مرة أخرى".
وعن كيفية تمكّن المواطنين من تخفيف الضغط على الأفران في حال اندلاع حرب، يجيب المير "الوضع معقد، لأن المواطنين في هذه الحالة لا يكتفون بشراء ربطة خبز واحدة، ولا يمكن منعهم من ذلك، مما يؤدي إلى حدوث فوضى".
وكانت الحكومة اللبنانية أعلنت في 31 أكتوبر، عن خطتها المستندة إلى عدة افتراضات مبينة على مقارنة معيارية لما حدث في حرب يوليو 2006، منها تهجير قسري لمليون لبناني لمدة تصل إلى 45 يوما، والحاجة إلى مراكز إيواء جماعية تستوعب 20 في المئة من النازحين، أي نحو 200 ألف شخص، والضغط على القطاع الصحي وتأمين المستلزمات الإنسانية للنازحين في مراكز الإيواء، إضافة إلى حصار بحري وجوي.
وتهدف الخطة إلى تلبية احتياجات ثلاث فئات من اللبنانيين: النازحون في مراكز الإيواء، النازحون في شقق ومنازل خاصة، والمجتمع المضيف.
يذكر أن إسرائيل وجماعة حزب الله، المصنفة ارهابية، تتبادلان القصف بشكل شبه يومي عبر الحدود منذ الهجوم الذي شنته حماس في 7 تشرين الأول على إسرائيل، والذي أدى إلى اندلاع الحرب في قطاع غزة. ومع اغتيال شكر تعززت المخاوف من توسّع رقعة الحرب إلى لبنان والمنطقة.