المصدر: نداء الوطن
الكاتب: وليد شقير
الجمعة 22 كانون الاول 2023 06:14:00
بعد بيان الفصائل الفلسطينية بالأمس برفض أي محادثات حول تبادل المحتجزين الإسرائيليين في غزة بالأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، إلا بعد وقف شامل للعدوان الإسرائيلي، بات كل شيء مرهوناً بوقف إطلاق النار، أي بالمطلب الفلسطيني المدعوم عربياً وبعض الدول الغربية وقف الحرب على غزة وكذلك على الضفة الغربية. وهذا يشمل جبهة جنوب لبنان، ناهيك عن التوتر في البحر الأحمر عند باب المندب... وغيرها من الجبهات المفتوحة على الاحتمالات كافة، بما فيها جبهات قصف أذرع إيران للقواعد الأميركية في كل من العراق وسوريا.
خلال زيارتها الأخيرة إلى بيروت في 18 الجاري، الإثنين الماضي، نصحت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا المسؤولين اللبنانيين الذين التقتهم لتكرار التحذير من اشتعال جبهة الجنوب لأنّ إسرائيل لن تقبل استمرار تسخين الجبهة على الشكل الذي يحصل... بألا يربطوا وضع الجنوب بالحرب الدائرة في غزة. فالديبلوماسية الفرنسية كانت تبلغت من «حزب الله» بأنّه لن يتحدث في صيغ التهدئة في الجنوب قبل أن تنتهي الحرب على غزة، وأن لا كلام معه في هذا الشأن إلا بعد أن يحصل وقف إطلاق النار في القطاع. فالحزب دأب على التأكيد في كل بياناته العسكرية منذ بدأت الاشتباكات على جبهة الجنوب بأن استهدافه العسكري لمواقع الجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية هو «لإسناد المقاومة الفلسطينية»... وبالتالي من الطبيعي أن يربط وقف عملياته من الجنوب اللبناني بفرملة الاندفاعة العسكرية على القطاع. وهذا يعني أن تمني كولونا عدم الربط بين الجبهتبن، تفادياً لتوسع الحرب من غزة إلى لبنان، صعب إذا لم يكن مستحيل المنال. فواشنطن وباريس وسائر الدول تريد وقفاً للنار على جبهة لبنان كضمانة لتفادي توسع رقعة الصراع، لكنها ما زالت تدعم جيش الإحتلال في مواجهة «حماس». و»الحزب» يرد بربط بحث وقف النار جنوباً بوقفه في غزة. بهذا الاستنتاج يمكن اختصار كافة الجهود الدولية المركزة على الحؤول دون اندلاع المواجهة العسكرية على الجبهة الجنوبية وتوسع الحرب.
والدول التي تسعى مع لبنان و»حزب الله» للتهدئة جنوباً تتسلح بتطبيق القرار الدولي الرقم 1701 كمرجعية يمكنها أن تضمن الهدوء، ونُقل عن كولونا دعوتها إلى «آلية لايجاد حل يكون مقدمة لترسيخ الاستقرار الدائم في الجنوب»، لكنها لم تطرح في بيروت تلك الآلية، التي يفترض أن تنبثق حكماً مما نص عليه القرار الدولي تمهيداً لتطبيقه. كما أنّ المعلومات الرسمية تفيد بأن كولونا لم تطرح ما تردد عن أن مطلب إسرائيل هو انسحاب قوات «حزب الله» ومعه أسلحته 10 كيلومترات أو أكثر عن الحدود. فتطبيق القرار الدولي نفسه واضح ويحظر وجود السلاح والمسلحين جنوب مجرى نهر الليطاني (المسافة المتعرجة بعيداً من الحدود تتراوح حسب خط مجرى النهر، بين 30 كيلومتراً وأقل من 10 كيلومترات في بعض الحالات).
إزاء الحجة اللبنانية الرسمية والسياسية بأن تطبيق القرار 1701 يتوقف على الجانبين وليس على «حزب الله» وحده، لأن إسرائيل ترتكب منذ العام 2006 آلاف الخروقات الجوية والبرية والبحرية، سألت كولونا من التقتهم في بيروت: إذا أوقفت إسرائيل طلعاتها الجوية في سماء لبنان، وامتنعت عن خرق الحدود براً وبحراً، هل يسحب «حزب الله» مقاتليه وسلاحه إلى شمال نهر الليطاني؟
الرد اللبناني الرسمي كان مبدئياً، ولم يقدم جواباً بالنيابة عن»حزب الله»، مع اقتناعه بأن المطلوب سحبه لأسلحته الثقيلة من المناطق الحدودية، بل اكتفى بالتأكيد على التزام القرار نصاً وروحاً، وبأنه من المعروف أنّ المساحة بين الليطاني والحدود يجب أن تكون بعهدة الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة. تضمّن الجواب تشديداً على التزام اتفاقية الهدنة الموقعة عام 1949 مع إسرائيل. فهل التزام لبنان بها يقابله الجانب الإسرائيلي بوقف الخروقات وبحل النقاط الحدودية الست الباقية المختلف عليها على الحدود البرية المرسمة، وبالانسحاب من مزارع شبعا تطبيقاً للقرار 425؟ الموقف اللبناني الرسمي يرى أن إسرائيل بامتناعها عن تطبيق ما يتوجب عليها من التزامات وموجبات في نص القرار تقدم الذريعة لـ»الحزب»، كي يخرقه بدوره، وتتقصد ربط النزاع معه لإبقاء جبهة جنوب لبنان مفتوحة على الاحتمالات كافة.
في انتظار توضيح آلية تنفيذ الـ1701 لضمان العودة إلى التهدئة جنوباً، ليس هناك حتى الآن سوى الضغوط الأميركية على إسرائيل للامتناع عن إشعال الجبهة، التي تبقي لبنان بمنأى عن دخول أتون الحرب.